الجمعة، 20 فبراير 2009

البريديـــات ...


منذ القدم وعلى مر العصور سمعنا عن ساعي البريد، ولم نسمع عن ساعيات للبريد، شاهدنا البوسطجي، ولم نشاهد البوسطجية… فمهنة القيام بالمهام البريدية انتسبت دائماً بالرجال دون النساء، على الرغم من أن التاريخ يذكر لنا قيامها بهذه المهمة قديماً وحديثا …فتحكي لنا كتب السنة والتفاسير واقعة شهيرة قامت بها امرأة استعملها الصحابي حاطب ابن أبي بلتعة في القيام بمهمة توصيل رسالة إلى بعض أقاربه من قريش يخبرهم فيه بعزم وموعد قيام النبي صلي الله عليه وسلم بفتح مكة… ورغم انتفاء الصبغة الوظيفية لتلك المهمة، إلا أنها تعد السابقة الأولي لقيام امرأة بالعمل كبريدية…
.
والقصة سردت بمعظم كتب السنة والتفاسير عند شرح بداية سورة الممتحنة، حيث كانت سبباً لنزول السورة، وذلك أن حاطباً هذا كان رجلاً من المهاجرين وكان ممن شهد غزوة بدر، وكان له بمكة أولاد ومال ولم يكن من قريش أنفسهم، بل كان حليفاً لعثمان، فلما عزم الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم فتح مكة لما نقضت قريش عهدها معه، فأمر النبي المسلمين بالتجهيز لهذا الفتح وقال: اللهم عم عليهم خبرنا… فعمد حاطب فكتب كتاباً وبعثه مع امرأة من قريش إلى أهل مكة يعلمهم فيه بما عزم عليه الرسول الكريم ليتخذ بذلك عندهم يداً يساعده على حفظ ماله وولده بمكة… فأطلع الله تعالي رسوله الكريم صلي الله عليه وسلم استجابة لدعائه، فبعث رجالاً في أثر المرأة التي أعطاها حاطب الرسالة، فأخذت الرسالة منها، وعلم النبي صلي الله عليه وسلم بأمر حاطب فقال: يَا حَاطِب مَا هَذَا ؟ قَالَ لا تعجل علي إني كنت إمراً ملصقاًَ في قريش ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قربات يحمون أهليهم بمكة فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يداً يحمون بِهَا قرابتي وما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم إنه صدقكم، فقال عمر دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم إِنَّهُ قد شهد بدراً ما يدريك لعل الله أطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، فأنزل الله السورة (يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الحق) http://quran.muslim-web.com/sura.htm?aya=060 .
.
أما حديثاً فالبريديات ذاع صيتهن وظهرن كموزعات للبريد بإدارات بريدية رائدة مثل البريد الألماني والبريد الفرنسي، وحتى بالبلدان الأفريقية ظهرن مؤخراً يحملن الحقائب البريدية والقيام بتلك المهمة الشاقة، ففي جيبوتي كما نشرت مجلة البريد الصادرة عن الاتحاد البريدي العالمي بعددها يونيه 2007 أنه تم تعيين ثلاث موزعات للبريد كجزء من وحدة جديدة للتوزيع بمحل الإقامة للبريد الموجه إلى كبار العملاء مثل الوزارات والسفارات والمنظمات الدولية، حيث يقمن بالانتقال بواسطة الدراجات النارية.
.
كما شاهدنا بعض الرائدات في العمل البريدي يقمن بأعمال نقابية جليلة بالدفاع عن حقوق البريدين والبريديات على السواء، كالسيدة/ نجية عبد الغفار بإدارة بريد البحرين والسيدة/ عتيقة سمراح بإدارة بريد المغرب، حيث اعتصمت الأخيرة أكثر من مرة احتجاجاً على خصخصة البريد المغربي… وفي البريد السعودي لابد أن نذكر مجهودات السيدة/ مرفت الكيالي رئيسة القسم النسائي بإدرة بريد جدة وريـادتها للتجربة الفريدة التي يقوم بها البريد السعودي منذ عام 1989 وذلك بافتتـاح العديـد من المكاتب البريدية المخصـصة للخدمة البريدية النسائية، والاستعانة بالعديد من الجامعيـات في أعمال الفـرز ومختلف الوظـائف البريدية بتلك المكاتب.
.
أما إدارة بريد مصر فلا يسعني إلا أن أشهد وأذكر بكل خير ثلاث رائدات قدمن للبريد المصري العديد من الخدمات الجليلة وتقدمن بالعمل البريدي في تخصصاته المختلفة إلى مستويات عالية من الكفاءة والرقي، وشغلن مناصب عليا… وهن السيدة/ سوزان خليل، رئيس قطاع التخطيط والتنظيم والسيدة/ نازك عبد الحليم، مدير عام الخدمات المركزية والسيدة/ وفاء حسين، مدير عام العلاقات العامة والتسويق.
.
أما الآن فنجد بعض البريديات قد قطعن شوطاً مهماً باعتلاء وظائف هامة كرئيس قطاع أو مدير عام ويتقدمن بالعمل بتخصصاته المختلفة نحو مزيد من التقنية والإداء الرائع، بينما نجد الكثيرات منهن قد خرجن صفر اليدين ولم يتكلفن إلا مشقة الحضور للعمل صباحاً…
.
وللحديث بقية ..

ليست هناك تعليقات: