الأربعاء، 1 يوليو 2009

التوجه للبحرين ... حكاية قصيرة !!..


أخي شـاعر موهـوب له العـديد من القصـائد الشـعرية، نشر بعضها بديــوان صـغير تحت عـنوان "التوجـه للبحـر" ضمن سلسلة إبداعات التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة ، دائماً ما أتصفحه متأملا ما بداخله من قصائد شعرية، أرتبط ببعضها بذكريات وجدانية، بيد أنني عندما تصفحته بتلك المرة وقفت طويلاً عند قصيدته الأخيرة بعنوان "سفر" ربما لأنني كنت أستعد للسفر، وسافرت بالفعل منذ أيام قليلة أنا وعائلتي للعمل بدولة البحرين بعد فترة عصيبة أمضيتها بالعمل بالبريد المصري ...
.
يقول في تلك القصيدة بمقطعها الأول ...
كانفلات البخار الذي عذبته الزجاجة
كان ارتحالي
صفير القطار التوي في الأذن
لم يعرف غير عزف المصير الممل
ففيم البقاء إذن ؟
****
وبمقطعها الأخير ...
البخار الذي عذبته الزجاجة قد صار حراً ...
يرحل عن ساحة العقل دوامة الذكريات
ينهار قلبي شرائح
لكنني يا أيها الوجه أيقنت أني بخار القطار الرمادي
أيقنت أني إلى بقعة الوهم نازح
فماذا تخبؤه لي من نبؤات يا أيها الوجه
إني تعلمت ألا أصارح
****
ويبدو أنني وأخي نتشابه في كثير من الوجوه على اختلاف ملامح الوجه والتوجه ، فهو شاعر يعيش بشعره ومن أجله ، يدافع عن لغتنا الجميلة دفاع المؤمنين ، يحلم ، يتألم ، يناجي ، يكتب ، يجول بشعره في الندوات والصالونات والاحتفالات ، يعيش حياة الشعراء، بخيالاته الواسعة ، وبكتبه المتناثرة ، وأوقاته المتقلبة ، فلا يكاد يفرق بين الليل والنهار، دائماً ما تراه حاضناً قلمه كالفارس الذي يحمل سلاحه... أما أنا فلم أستطع إلا عيش الحالمين بأفكار مدينتا الفاضلة ، أحاول القراءة والكتابة ، ولكني أتوقف ، أحاول من جديد وأستعيد نفسي ثم أتوقف وأحاول ...

وللتناغم معه والتناجي بأنفاس الحالمين المتألمين ، سوف أروي لكم حكاية قصيرة ، حكاية حقيقية نراها كل يوم في حياتنا ، تزداد وتتسع وتنتشر وتكاد تخنق من حولنا الهواء ، حكاية جعلت سفري لدولة البحرين كالبخار المنفلت الذي عذبته الزجاجة ...
.
فهي حكاية عشرات بل مئات ممن يعملون بالهيئات والجهات الحكومية ، حكاية رجل شارف على الخمسين من عمره ، يعمل منذ تخرجه من الجامعة بإحدي الجهات الحكومية، يعيش هو وأسرته على ما يتقاضاه من راتب وبدلات قليلة ، يتابع الصحف اليومية بشغف ليعرف نسبة العلاوة الاجتماعية المقررة سنوياً حتى يطمئن، يتابع أسعار السلع الأساسية، يشغل باقي يومه في شراء متطلبات أسرته واحتياجات أبنائه، لا يحلم بما لا يمكله يده، أحياناً تصادفه بعض الأزمات المالية ولكنها تمر بفضل الله تعالي ثم بفضل زوجته وحسن تدبير شئون المنزل، يعمل باجتهاد وجد وتفاني في العمل، يفكر دائماً في تحسين وانجاز عمله بصـورة أفضل ، فهو يعتقد أن هذا الاجتهاد والتفاني وسيلته للترقي والتقدم، إلا أنه دائماً لا يحصل على حقوقه، دائماً ما تختطف مجهوداته وانجازاته، يري الإسراف والأهمال والتسيب، يري الأثرة لبعض العاملين المقربين المدللين، يري العجب في التوظيف والترقي والمنح والحـوافز والبدلات، يري وعليه أن يصمت... ويصمت حتى عجز لسانه عن الحركة ، فهو قابع بين المطرقة والسندان، بين الاحتياج لراتبه البسيط ليواصل معيشته ومعيشة أسرته وبين عجزه وصمته الذي يمزق جنبات صدره...

هذه حكاية حقيقية واقعية لرجل أعرفه ، رجل صامد وصامت وصابر ...
فهو لم يستطع التوجه إلى البحر كأخي الشاعر...
ولم يستطع مثلي التوجه للبحرين ...
لم يستطع إلا أن يتوجه إلى الله راجياً أن يرفع عنه ظلم العباد ...
.
وللحديث بقية أن شاء الله ...
Ashraf_mojahed63@yahoo.com