الاثنين، 31 مايو 2010

البريد والمرسيدس !!..


هـذا العنوان مقتبس فقط من الفيلم الشبابي الضـاحك "البنات والمرسيدس"... والحق أنني لا أعرف عن هذا الفيلم إلا ماذكرته، ولكني أعرف عن البريد المصري والمرسيدس ما أذكره!!..

فقصة رشوة شركة مرسيدس بنز لأحد المسئولين الحكوميين في مصر مقابل تسهيله عقد صفقات مع الحكومة أصبحت مثار جدل ونقاش واسع بالصحف، خاصة صحيفة الوفد والدستور واليوم السابع، وهذا الحديث ليس كلاماً مرسلاً، وإنما سجل بمستندات محكمة أمريكية عندما حكمت بتعويض قدره 185 مليون دولار على شركة ديلمر بنز الأمريكية لدفعها رشاوي لمسئولين في 22 دولة منها مصر. صحيفة الوفد فجرت القضية، وطالبت بسرعة تقديم هذا المسئول للمحاكمة، وسارعت بعض الشخصيات العامة بتقديم بلاغات للمستشار عبد المجيد محمود النائب العام المصري لإجراء التحقيقات اللازمة تجاه تلك القضية التي يبدو كما ذكرت تلك الصحف أن صاحبها من المسئولين الكبار بالدولة.
.
هذة القضية وأن كانت تعنيني أولاً كمواطن مصري حريص على المال العام، وحريص أيضاُ بأن لا يكون بيننا فاسداً، إلا أن الأهم الذي أصابني بكثير من الدهشة ما نشرته صحيفة اليوم السابع بتاريخ 27/2/2009 بشأن تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات والذي يشير إلى قيام الهيئة القومية للبريد إلى قيامها بتأجير 8 سيارات ماركة تويوتا، و23 سيارة مـاركة مرسـيدس، ثم أعـادت النشـر بطـريقة أخـري، ونقـلا عن تقـرير الجهـاز المركــزي للمحاسبـات أيضـاً بتاريخ 2/4/2010 بأن الهيئة لم تلتزم بقرار السيد رئيس الوزراء بترشيد الإنفاق الحكومي حيث قامت بتأجير 23 سيارة ملاكي بمبلغ 725 ألف جنية وسيارة ماركة مرسيدس بمبلغ 4 مليون و237 ألف جنية.
.

وبعيداً عن صحة أو عدم صحة تلك الأرقام وما ورد بالصحيفة من تقارير منقولة عن الجهاز المركزي للمحاسبات، فأنه وكما هو معروف أن عمليات الصرف من موازنة الهيئات الاقتصادية تتم بإجراءات رقابية متعددة، تبدأ برقابة وزارة المالية على بنود الصرف، وذلك قبل عملية الصرف طبقا لقانون المحاسبة الحكومية رقم 127 لسنة 1981، ثم تتم الرقابة اللاحقة والتدقيق للجهاز المركزي للمحاسبات بشأن المخالفات الواردة إذا ما وقع خطأ ما في عملية الصرف أو إجراءته طبقا للقانون رقم 144 لسنة 1988، وهناك أيضاً جهات رقابية عديدة تستطيع متابعة عمليات الصرف كجهاز الرقابة الإدارية وجهاز الكسب الغير المشروع، فأن حجم تلك المبالغ الضخمة تدعو لمزيد من الاستغراب والدهشة في كيفية صرفها، خاصة وأن هيئة البريد المصرية تعاني من قلة مواردها ومشاكل إدارية وهيكلية عديدة.
.
تساؤلات كثيرة حول هذا الإنفاق الغير مبرر، وقد يكون تأجير سيارات المرسيدس تلك له علاقة بقضية رشوة المرسيدس المثارة، وقد لا تكون لها علاقة، ولكن الأهم أن طلب المستشار عبد المجيد محمود النائب العام الاستفسار وجمع كافة المعلومات المتوفرة لدي الجهـات الحكــومية حــول التعــاقدات التي أبرمتها الحكــومة مع شركة مرسيدس بنز العـالمية لشــراء سيارات منها بهــدف الكشف عن المسـئول الحكــومي الذي تلــقي رشــاوي من الشركة لتسهيل الصــفقات، كـما نشرته صحــيفة المصـري اليـوم بتــاريخ 14/5/2010 قد يكشف مزيدا من أبعاد الموضوع ...
.
الدهشة والاستغراب الذي لاح لي في الموضوع أيضاً أن كافة البلدان الأوروبية الغنية كإيطاليا وإنجلترا وأسبانيا والبرتغال تتجه لمزيد من إجراءات التقشف وتقليل الإنفاق الحكومي بسبب الأزمة المالية العالمية، ونحن في مصر نتجه لمزيد من الترف الاستهلاكي والرفـاهية رغم ما نعانيه من أزمة اقتصادية طـاحنة... هذه الدهشة تملكتني حين رأيـت بالفعـل عـدد من تلـك السـيارات ماركـة تويــوتا يركبـها بعـض كبـار المسـئولين بالهيـئة منـذ أكثـر من عــام تقريبـاً (اللهم لا حسد)، ولكني لم يصادفني الحظ لأشاهد بعيني هذا المسئول الكبير الذي تبطر سيادته على السيارات اليابانية، ولم يري لنفسه بديلا إلا أن يركب سيارة ماركة مرسيدس!! طبعاً وكله على حساب صاحب المخل!!..
.
وللحديث بقية ..
Ashraf_mojahed63@yahoo.com

الخميس، 13 مايو 2010

فلسفة البريد !!..

.
فلسفة البريد تقوم على محورين أساسيين: محـور الحــق ومحـور العــدالة...

فحق التراسل للإنسان كفلته كافة المواثيق والمعاهدات الدولية، والقوانين الطبيعية التي تحض على التواصل الحضاري لبني البشر... فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان بمادته الثانية عشر أقر بحق الإنسان بأنه "لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة وأسرته أو مسكنه أو مراسلاته ... "، كما أن الدستور المصري بمادته الخامسة والأربعون أقر كذلك بهذا الحق "وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الإطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة ووفقا لأحكام القانون".

هذا الحق لم يمنح فقط للإنسان الطبيعي الحر، بل كفلته القوانين كذلك في الحالات الاستثنائية، فالمسجون والمحكوم عليه أعطي نفس الحق، فنص المادة 38 من قانون تنظيم السجون المصرية رقم 396 لسنة 1956 أعطي الحق للمحكوم عليه والمحبوس احتياطيا حق التراسل البريدي، وحتى دولياً وفي زمن الحرب لم يمنع أو يصادر هذا الحق، فالحق في التراسل لأسري الحرب مع ذويهم وأبناء وطنهم كفلته إتفاقية جنيف الموقعة في 12 أغسطس عام 1949 والمتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب، والتي دعمته الاتفـاقية البريدية الدولية بإعفـاء تلـك المراسلات من رسوم التخليص بمادتها السابعة.

إذا حق التراسل البريدي والتواصل الإنساني حق مطلق، لا تقيده قوانين ولا معاهدات، بل أقرته كافة الاتفاقات والمعاهدات الدولية، وأيدته ودعمته الاتفاقات البريدية الدولية بمبـدأ بريدي هـام وهو مبـدأ حرية العبــور، والذي يكفـل انسياب حـركة البريد الدولي من كل من المرسل والمرسل إليـه دون حواجـز أو قيـود أو رقـابة.

أما العدالة فتتمثل في كفاءة إدارة المرافق البريدية بشقيها المكاني لبلد المرسل وبلد المورد، عدالة يجب أن يلتزم بها كلا الطرفين من أول عملية الإيداع لتلك البعائث وحتى التسليم النهائي للمرسل إليه، فلا يتصور أن تقوم بلد الإرسال بأداء الخدمة على أفضل ما يكون في مقابل أداء سئ من بلد المورد، والعكس... هذه العدالة تقتضي أن تسير كلا الجهتين في التسابق في بذل المزيد من الجهد لإيصال البعائث البريدية على النحو المرجو والمأمول من أصحابها منذ عملية الإيداع حتى التسليم النهائي للمرسل إليه.

وهذه العدالة لن تتحقق إلا من خلال منظومة بريدية دولية أكثر تجانساً، أكثر ارتباطاً وتفهماً لمشاكل البلدان النامية في رفع مستوي خدماتها، لن تتحقق إلا من خلال التعاون التقني الجاد والبناء بمد جسور التكنولوجيا للعديد من تلك البلدان التي تزداد مشاكلها يوما بعد يوم بسبب تعنت بعض دول العالم المتقدم بتسييس الاتفاقات والمعاهدات لفرض مزيد من الهيمنة والسيطرة والتدخل في شئون تلك البلدان ...

كما أن تلك العدالة لن تتحقق كذلك إلا من خلال عدالة حقيقية لأصحاب تلك المهنة، والتي تقوم على سواعدهم بالأساس صناعة البريد بدرجة كبيرة، عدالة في التمتع بالخدمات الصحية والاجتماعية، ومستوي متقارب من الأجور والامتيازات، وفي توزيع موارد تلك الإدارات توزيعاً عادلاً، فلا يحرم عامل من مقعد مناسب للجلوس عليه لأداء عمله، في حين يتمتع آخر بمكتب مؤثث بأحدث الأجهزة، في أن يتكبد عامل مشقة الوصول لعمله صباح مساء باستعمال وسائل المواصلات العامة، في حين يمتطي آخر أحدث موديلات السيارات (تويوتا ومرسيدس)، في أن يحرم أصحاب التخصص البريدي من العمل بمرفقهم الطبيعي، في حين يتم تعيين العشرات بل المئات من خريجي كليــات الزراعة والخدمـة الاجتمـاعية والآداب لمجـرد دعاية انتخـابية أو انتمـاء حزبي أو مصـالح شخصية.

تلك الفلسفة التي جعلت من البريد منارة ومنظومة قائمة منذ آلاف السنين، منظومة تعرف دائماً بالتزامها بالدقة والسرعة والأمانة، وعنوانها المرفوع دائمأ بالحق والعدالة، منظومة سوف تنتعش وتعيش وتظل نابضة بالحياة طالما التزم أصحابها بتلك الفلسفة، فلسفة الحق والعدالة !!..
.
وللحديث بقية ...
Ashraf_mojahed63@yahoo.com