الأربعاء، 13 يناير 2010

البريد المصري بين وزيرين !!..

.
أكثر الناس تفائلاً لم يكن ليتوقع أن يأتي الدكتور/ أحمد نظيف رئيساً للوزراء بحكم منصبه السابق كوزير للاتصالات والمعلومات بوزارة الدكتور/ عاطف عبيد، فقد جري العرف خلال السنوات الخمسين السابقة على خلاف ذلك، ولم يكن أكثرهم تفائلاً كذلك أن يدوم استمراره رئيساً للوزارء خلال طوال تلك الفترة، والتي اعتادنا فيها أن تكون عمر الوزارة ثلاث سنوات أو أربعة على الأكثر، مع وجود بعض الاستثناءات بالطبع كوزارة الدكتور/ عاطف صدقي.

الحال كذلك بالنسبة للبريد المصري، فأكثر المتفائلين لم يكن ليتوقع أن يخرج من تحت لوائه وزيراً واحداً، فخرج لنا حتى الآن وزيرين، الأول الدكتور/ علي مصيلحي الذي أصبح وزيراً للتضامن الاجتماعي بعد أن ترأس مجلس إدارة البريد المصري في 11/10/2002 وحتى نهــاية ديسمبر 2005، والثاني المهندس/ عــلاء فهمي الذي أصـبح وزيــرا للنقــل في 3/1/2010 بعد أن ترأس مجلس إدارة البريد المصــري في 2/2/2006.

وبالتأكيد وبأنني أحد أبناء البريد المصري وأعمل فيه منذ قرابة الربع قرن، وعاصرت رؤساء مجالس إدارات عدة وتعاملت معهم بالطريق المباشر والغير مباشر، أشعر بشئ من الفخر والاعتزاز لوجود قيادات ارتقت بالعمل البريدي بدرجة أنها حققت انجازات لافتة لترتقي إلى كرسي احدي الوزارات بالدولة، والذي هو بمثابة حلم لكثير من أساتذة الجامعة ورجال السياسة وكبار قادة الجيش.

ماجعلني أشير لتلك المفارقة رسالة تسلمتها منذ عدة أيام من أحد الأصدقاء، يسألني مستفهماً، لماذا البريد الذي أنجب تلك القيادات؟!.. وهل البريد المصري أصبح مؤهلاً لاستنساخ العديد من القيادات التنفيذيين والوزراء في المستقبل أم أن الوزيرين المشار إليهما لهما من الشخصية والذكاء والحنكة السياسية والاجتماعية ماجعلهما يرتقيا بنفسيهما إلى مناصب تنفيذية أعلي؟!..

توقفت كثيراً قبل الإجابة لكي لا أخضع نفسي بالافتخار بالبريد المصري لمجرد أنني أنتمي إليه، فالبريد منذ عهد مديره الأول موتسي بك منذ انتقاله تحت مظلة الإدارة المصرية وحتى ترأس المهندس/ أحمد الصولي لمجلس إدارته قبل قدوم الدكتور علي مصيلحي في عام 2002 لم يحدث فيه أن ارتقي أحد رؤساء مجالس إدارته ليصبح وزيراً، بإستثناء سابا باشا الذي أصبح وزيراً للمالية عام 1910، فمعظم من ترأسه ممن ارتقي بهم السلم الوظيفي من داخل البريد، أو من كبار الإداريين التنفيذيين بالدولة، وجميعهم تقاعدوا فور وصولهم السن القانوني دون ضجيج أو زخم على خلاف ما حدث حين ترأس الدكتور/ علي مصيلحي أو المهندس/ علاء فهمي لمجلس إدارة البريد المصري والذي صاحبه تطوير وتحديث لبنيته الأساسية والفكرية، وأصبح في ظل المهندس/ علاء فهمي نموذج يحتذا به لباقي هيئات الدولة ومرافقها على حد ماأوضحه الدكتور/ عبد المنعم سعيد، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، بمقاله تحت عنوان ساعي البريد وتحولات اجتماعية مهمة‏!!..‏ بصحيفة الأهرام، العدد 44835 بتاريخ 7/9/2009 ...

إذن الاستقراء يؤيد أنه لكي تصبح وزيراً لا يكفي أن تترأس مجلس إدارة البريد المصري، رغم الأهمية والهالة الإعلامية التي ظهرت فجأة في إظهار أهمية البريد المصري كمرفق هام بالدولة، ومؤسسة ذات دور أساسي مالياً واجتماعياً، ولكن لكي تصبح وزيرا يجب أن تمتلك تلك القواسم المشتركة التي تمتع بها كلا الوزيرين، فالترقي والارتقاء لمنصب الوزارة لم يكن باعتقادي إلا نتيجة لأسباب ثلاثة هامة: أولها: أنهما يتمتعان بالمهارة الشخصية والإدارية والحنكة السياسية جعلهما عضوان بارزان بلجنة السياسات، التي يترأسها السيد/ جمال مبارك، والثاني: قربهما المميز من الدكتور/ أحمد نظيف، حيث خرجا من رحم وزارة الاتصالات والمعلومات، ومن الطبيعي أن الرجل يعرفهما ويعرف قدرتهما جيداً، والثالث: أنهما قادمان من المؤسسة العسكرية التي يتمتع أصحابها بالثقة والالتزام والقدرة على إنجاز العمل، هذه هي السمات والقواسم الثلاثة المؤهلة لكي تصبح وزيرا، ولا دخل للبريد المصري ولا فضل له في ذلك وأن ظل بوابة مناسبة بإمكانياته الواسعة وأمواله الطائلة وانتشاره المؤثر...

فالبريد المصري من الواضح أنه لا يوجد به قيادات إدارية بداخله، أو عباقره تشد قاطرته، فنهضته الحالية تحققت خلال السنوات السابقة على يد كل من الدكتور/ علي مصيلحي والمهندس/ علاء فهمي، وممن قدموا معهما من نواب ومستشارين وقيادات مالية وإدارية، ولا دخل للعاملين والموظفين لهذه النهضة، فالتحولات التي طرأت على السوق البريدي محلياً ودولياً خلال تلك السنوات، وإدارة أمواله الطائلة لم يكن باستطاعة موظفي هذا المرفق الهام إدارته ودفعه لمسايرة تلك التطورارت بعد فترة إنغلاق طويلة بدون معرفة لفنون الإدارة الحديثة والتطوير المميكن وتجاذبات السوق والشراكة الاستثمارية، والذين تسرب وطار حلمهم مع الوقت ليكونوا نواباً أو رؤساء قطاعات بتلك المؤسسة العريقة، ليصبح حلم أكثرهم تفائلاً بأن يكون مدير إدارة أو وكيل مكتب بريد...

والذي أخشي ما أخشاه أن يقوم المهندس/ علاء فهمي في سبيله لتطوير وزارة النقل ومرافقها التي يعرف مشاكلها الداني والقاصي أن يقوم بسحب العديد من مساعديه ومستشاريه ممن عملوا معه بالبريد المصري لتطوير وسائل النقل والسكة الحديد للعمل معه بوزارة النقل، فيفقد البريد المصري ميزته وتقدمه الذي لمسناه خلال السنوات السابقة، ولا نجد من يدفع تطوره وازدهاره !!..
.
وللحديث بقية ...