السبت، 28 يونيو 2008

مقترحات مؤتمر البريد/ جنيف 2008


سيعـقد بمدينـة جنـيـف السـويسرية فيـما بيـن 23 يوليو و 12 أغسطس القادم مؤتمر البريد العالمي/ جيف2008 حيث كان من المقرر سلفاً انعقاده بمدينة نيروبي العاصمة الكينية، ولوقوع بعض الاضطرابات السياسية والأمنية بسبب الانتخابات الأخيرة هناك تقرر نقل المؤتمر لمدينة جنيف السويسرية...
.
هذا المؤتمر هو الرابع والعشرون منذ تأسيس الاتحاد البريدي العالمي في عام 1874، ويعقد كل أربعة سنوات، حيث يمثل عرس لممثلي الإدارات البريدية لأكثر من مائه وتسعون دولة يناقشون أهم القضايا البريدية الدولية، وينتخبون أعضاء مجلس الإدارة ومجلس الاستثمار، كما يتم التصويت على الدراسات والمقترحات المقدمة سواء من مجلس الإدارة ومجلس الاستثمار أو المقترحات المقدمة من البلدان الأعضاء.

بيـد أننــا نجــد تطــوراً ملحـوظـاً قــد أضــفي مــزيـداً من المعــلوماتــية على مقـترحـات ذلــك المؤتـمر، فبـعد أن كاـنت تلـك المقتـرحـات ترسل للبلــدان الأعضــاء بـوسائل البريــد التقلــيدية ويستغرق ذلــك وقتــاً طـويلاً، أصبــحت تنشر على الموقــع الإلكتــروني للاتحــاد، وبعد أن كانت مغلقة وحكراً على بعض العاملين بالإدارات البريدية، أصبحت متاحة للمهتمين والباحثين والدارسين، وفي متناول الجميع للتدقيق والتعليق ومعرفة كل ما هو جديد في مجال البريد الدولي...

هذه المقترحات تقدم وفق منظومة خاصة ينظمها بدقة متناهية دستور الاتحاد البريدي العالمي بالمادة 29 (تقديم الاقتراحات) والمادة 122 من النظام العام (إجراءات تقديم الاقتراحات للمؤتمر) وتنشر تباعاً على البلدان الأعضاء قبل انعقاد المؤتمر حتى يتسنى تدقيقها ودراستها تمهيداً للتصويت على محتواها بالمؤتمر العام... هذه الاقتراحات أوردت إرساليتها السادسة المعدلة من المكتب الدولي للاتحاد البريدي العالمي بتاريخ 23 يونيو 2008 متضمناً آخر تعديلات واقتراحات أرسلت من البلدان الأعضاء، حيث بلغت تلك الاقتراحات نحو خمسمائة اقتراح تقريباً مصنفة على هذا النحو:
اقتراحات ذات طابع عام ( 80 اقتراح بالكود P00-0000-00 )
اقتراحات الدستور ( 19 اقتراح بالكود P10-0000-00 )
اقتراحات النظام العام ( 47 اقتراح بالكود P15-0000-00 )
اقتراحات النظام الداخلي للمؤتمرات ( 6 اقتراح بالكود P19-0000-00 )
اقتراحات الاتفاقية ( 103 اقتراح بالكود P20-0000-00 )
اقتراحات الاتفاقية / البرتوكول الختامي ( 23 اقتراح بالكود P23-0000-00 )
اقتراحات نظام بريد الرسائل ( 95 اقتراح بالكود P25-0000-00 )
اقتراحات نظام بريد الرسائل/البرتوكول الختامي ( 5 اقتراح بالكودP27-0000-00 )
اقتراحات نظام بريد الرسائل / النماذج ( 11 اقتراح بالكود P29-0000-00 )
اقتراحات نظام الطرود البريدية ( 36 اقتراح بالكود P35-0000-00 )
اقتراحات نظام الطرود البريدية / النماذج (1 اقتراح بالكود P39-0000-00 )
اقتراحات خدمات الدفع البريدية / الاتفاق ( 50 اقتراح بالكود P40-0000-00 )
اقتراحات خدمات الدفع البريدية/ النظام المالي ( 20 اقتراح بالكودP45-0000-00 )

ولأن الكثيرين من العاملين بالحقل البريدي بالعديد من البلدان العربية لايتسنى لهم الإطلاع على تلك المقترحات أو معرفة نوعياتها وأقسامها والهدف منها، ولمزيد من نشر المعلومات البريدية الدولية، وكذلك بطلب من بعض الزملاء بالإدارات البريدية العربية، وددت إيضاح بعض المعلومات وتقييم بعض تلك الاقتراحات بشئ من التعليق والشرح المبسط، ضمن سلسلة متتالية من المقالات القادمة أن شاء الله، بما يحقق الإفادة للجميع، ويسعدني أن أتلقي تعليقاتكم وملاحظاتكم على العنوان الإلكتروني التالي بشأن تلك التعليقات..

وللحديث بقية ... عن الاتفاقية البريدية وبروتوكولها الختامي ..

الجمعة، 20 يونيو 2008

الكفاءات البريدية الدولية ..

.
كثير من العاملين بالحقل البريدي اليوم خاصة الشباب منهم لا يعرفون الكثير عن بعض الرجال الأفذاذ الذين صنعوا تاريخ البريد المصري والدولي، رجال حققوا نجاحات كبيرة وتفوق فاق كل تصور في مجال البريد سواء على الصعيد المحلي أو الصعيد الدولي، فالكثير منا لا يعرف محمد بك شرارة أو محمد إبراهيم صبحي أو ميشيل الراعي ...
.
التذكير بهؤلاء الرجال جعلني أسترجع تاريخاً طويلاً من تاريخ البريد المصري والبريد العربي... أسترجع قمم بريدية حقيقية لم يستطع أحد من الجيل السابق أو الجيل الحالي أن يلحق بهم، تذكرت هؤلاء القمم وأنا أتصفح موقع الاتحاد البريدي العالمي لمعرفــة آخر الأخبــار عن الاستعـدادات الخاصة بمـؤتمر البريــد العالــمي في يوليـو القــادم/ جنـيف 2008، فعندمـا وقعــت عيني على المذكــرة الرابعـة/المـؤتمر، الصــادرة بتاريـخ 20/5/2008 والخاصة بتشكيل الأمانة العامة للمؤتمر الرابع والعشرون، وبأسماء القائمين على مهام الأمانة العامة للمؤتمر لم أجد أسماء عربية إلا السيد/ عبد الإلة بوسته، أمين اللجنة الثامنة (التعاون من أجل التنمية) والسيد/ لحسن شويطر أميناً مساعدا لذات اللجنة ..
.
ودون الإسهـاب في التفـاصـيل التاريخـية أذكــر سـريعاً بهــؤلاء العظــماء الثــلاثة... فـالأول: محمـد بـك شــرارة، مـديـر مصـلحة البريــد اعتبــاراً مـن 10/1/1930 حـتى 1/6/1936، الذي استطاع بعبقريته الفذة وحكمته الفائقة أن يترأس ويدير أعمال المؤتمر العاشر للاتحاد البريدي العالمي بالقاهرة عام 1934، والذي من خلاله لفت انتباه العالم أجمع للتقدم التقني والحضاري للبريد المصري وتطور مشاريعة بصورة مضطردة وسريعة تواكب التقدم الأوروبي في هذا المجال، كما عمد إلى افتتاح متحف البريد المصري. والثاني: محمد إبراهيم صبحي، مدير عام هيئة البريد خلال الفترة من 4/7/1968 حتى 31/12/1974والذي حظي بتقدير كبير لحسن إدارته لهيئة البريد محلياً ودولياً فانتخب مديرا عاماً للمكتب الدولي للاتحاد البريدي العالمي خلال مؤتمر الاتحاد البريدي العالمي / لوزان 1974 ... أما الثالث: ميشيل الراعي، فكان أول مصري انتخب عام 1967 كأجنبي مديرا عاما للمكتب الدولي للاتحاد البريدي العالمي، حيث كان المنصب مقصوراً على المواطنين السويسريين فقط ..
.
هذه الكفاءات النادرة لم تكن وليدة الصدفة أو من رحم صناعي، بل كانت كفاءات نابعة من التوجه العام للإدارات البريدية العربية، التي كانت تعمل بجد واقتدار من أجل تفريغ باحثين بريديين وكفاءات دولية تستطيع التواصل مع العالم المتقدم ومسايرة ما يقدمونه من دراسات فنية وتقنية في مجالات الخدمة البريدية... أما الآن فالكفاءات في مجال البريد الدولي أصبحت محدودة للغاية، خاصة على المستوي العربي، ولا نجد إلا القليل جداً وباجتهادات فردية وشخصية، تحارب في كثير من الأحيان من عقول بالية ومتحجرة تزيد من تقوقعها، وانعزالها عن كل تطور وجديد في المجال البريدي.
.
فالبحث الفني والتقني في مجال الدراسات البريدية الدولية أصبح مهمشاً في كثير من البلدان العربية، رغم أهميته الكبري وحاجتنا إليه أصبحت ضرورة ملحة في ظل هذا الفيض الهائل من التحولات التقنية والاقتصادية للمنتج والسوق البريدي.. والتدليل على هذا التهميش تعزوه أسئلة كثيرة، مؤلمة أحياناً، والإجابة عليها قد تكون أكثر ألماً... فماذا قدم العرب خلال ثلاث أو أربع مؤتمرات بريدية سابقة؟ وأين هي الدراسات الفنية والمشاركات الإيجابية لمنظومة البريد الدولي ؟
.
ولا يسعنا إلا أن نشيد بكل من السيد/ عبد الإله بوستة، مدير إدارة التعاون من أجل التنمية، والسيد/ لحسن شويطر، رئيس برنامج تنمية الموارد البشرية والتدريب بالاتحاد البريدي العالمي، على جهودهما الرفيعة والمتميزة سواء على المستوي العربي أو المستوي الدولي كمديرين أكفاء بالاتحاد، ممثلين لكل العرب، رافعين للراية العربية في هذا المحفل الدولي الهام، ونتمني أن نشاهد مستقبلاً تقدماً عربياً في المجال البريدي الدولي يشارك ويسهم اسهاماً إيجابياً في المنظومة البريدية الدولية ..
.
وللحديث بقية ..
ashraf_mojahed63@yahoo.com

السبت، 31 مايو 2008

مريض يريدياً ..


خلال الأسابيع القليلة الماضية تعرضت لوعكة صحية جعلتني ألزم الفراش لفترات طويلة من الليل والنهار، شعرت خلالها ببعض الآلام الشديدة في رأسي وجانبي الأيسر، ورغم طمأنة الطبيب وتناول بعض الأدوية المسكنة، إلا أنني مازلت أشعر بمعاودة تلك الآلام من حين لآخر، أوصفها مجازاً بأنها قد تكون تهيج القولون العصبي أو التهاب المرارة أو تورم نفسي، أوصاف أعبر بها أحياناً عن حالة الغيظ والغضب وأحياناً عن اليأس والحسرة.
.
وطبيعي عندما يجلس الإنسان في فراشه لفترات طويلة، يجد فرصة للتفكير والتأمل فما حدث له في الماضي، ومجريات حياته في العمل ومع زملائه ورؤسائه وغيرها من هموم الحياة، تجدها جميعاً تمر أحياناً كشريط سينمائي يمر أمام عينيك، تمعن النظر فيما تحب أن تراه وتغمضها فيما لا تحب أن تراه. قد تكون طبيعة بشرية، فالإنسان يحب أن يتذكر فقط ما يريد أن يتذكره... لكن هذه المرة أردت وأن أنظر إلى سقف الغرفة أن أحدد بدقة أسباب هذا الغضب أو اليأس أو هذا التورم النفسي - سمها ما شئت- أردت تحديد المشكلة، لكي أسعي للعلاج، وأستشير فيه من هو أكبر سناً وخبرة، فوجدت أن السبب يرجع إلى أمرين لا ثالث لهما :
.
الأول : وهو سبب عام يشاركني فيه كثير من الناس، خاصة زملاء العمل أو العاملين بالقطاعات الحكومية المختلفة بوجه عام، ويرجع بالأساس إلى ما نلاقيه عموماً من معاملة وتجاهل بعض الرؤساء أو الزملاء بصفة يومية... ولك أن تتخيل أن رئيسك في العمل يمنعك من مزاولة عملك، أو أن ينشر عنك الأكاذيب، أو يحرض عليك الزملاء والرؤساء الآخرين، أو يقف حجر عثرة أمام حصولك على حقوقك المالية والأدبية، أو يتلاعب بما تقدمه من أفكار واقتراحات، أو يتلذذ بإثارة أعصابك واستفزازك بصورة مستمرة لتخرج عن طبيعتك، أو يتفنن في خلق لك المشاكل ووضع أمامك العراقيل والخوازيق بصفة يومية... ولك أن تتصور أنني أقابل كثير من الزملاء وهم مطأطئ الرأس، تشعر بأنفاسهم المكسورة، وعقولهم المدلاة على صدورهم، تشعر بهم من نبض أيديهم ونظرات عيونهم، فبعضهم يعاني ما أنت فيه، وبدرجات متفاوتة، تشعر بالتهامس فيما بينهم أو بالحديث معك، فالذي يحدث لك يحدث لهم، وكلنا يا عزيزي في الهم سواء... أو تتخيل أنك لا تستطيع أن تنجز عملك الذي تحبه بالطريقة الصحيحة، أو تنجز الحد الأدنى الذي يحقق طموحك المهني، أو ما يدفعك لتحقيق أمنياتك بالتقدم في العمل وإنجازه بصورة أفضل... هل تتخيل يوماً أن يطلب منك أن تكون كالكرسي الذي تجلس عليه، أو أن يطلب منك أن تلغي عقلك وضميرك لتصبح خارج نطاق الخدمة وأنت في عمر الشباب... كل هذا بالتأكيد سوف يزيد آلام مرضك ويضاعف أوجاع جسدك...
.
والسبب الثاني : وهو سبب خاص جداً، متعلق بي شخصياً لكوني أعمل بمجال أحبه، ولا أستطيع الانقطاع عن التفكير فيه ولو لبرهة واحدة وهو البريد... أو بالأخص الدراسات البريدية الدولية والحسابات الدولية، الذي جعلني منفتحاً على العالم الخارجي، مدققاً لكل ما يرد إلي من الإدارات البريدية الأجنبية، متصفحاً وباحثاً بصفحات الانترنت عن كل ما هو جديد وتقني في مجال البريد ونشاطه الدولي... تفكير مستمر ومتواصل للبحث عن المعلومات البريدية، والأنشطة المرتبطة به، لدرجة أنني لا أستطيع النوم إلا بعد تصفح الاتفاقية البريدية الدولية أو نظامها التنفيذي أو ما يصل إلى من استقصاءات أو نشرات الاتحاد البريدي العالمي... هذا التفكير والبحث جعل مدار حديثي اليومي عن البريد ونشاطه وأهميته وتاريخه ووسائل نقله وتطوره عبر السنين .. عن الطوابع البريدية وأشكالها وتاريخها وأهميتها، عن مؤتمرات البريد العالمية ومقرات انعقادها وما تمخض عنها من اتفاقات ومعاهدات ..
.
مريـض بريــدياً !!.. هذا المرض يزداد يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة بسبب ما أتصفحه يومياً عما يحدث من تطورات هائلة في مجال البريد، مقارنة بما نحن فيه، فعندما تعرف أن البريد البرازيلي يقدم من خلال 8000 مكتب بريد وعلى شبكة الانترنت خدماته للتصدير الخارجي لمنتجات نحو أكثر من 6000 مؤسسة صغيرة ومتوسطة، بكل ما فيها من خدمات لوجيستية وإجراءات جمركية ... وعندما تعرف أن البريد التونسي يسجل ريادة معلوماتية من خلال ربط الرسائل المرسلة بواسطة الهاتف المحمول SMS وبالبريد الإلكتروني عبر الهاتف المحمول MMS معلومات عن بعائث البريد السريع ويضمن الإشعار بالاستلام لحوالات الدفع ويبلغ معلومات عن التغيرات في حسابات التوفير والحسابات البريدية الجارية عبر الهاتف ... أو تعرف أن إدارة بريد قطر وبالتعاون مع إدارة بريد الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية أقدمت منذ مارس الماضي على قياس مدة توجيه بريد الرسائل المتداول فيما بينها بفضل شرائح تقنية التعرف بواسطة الترددات الراديوية RFID التي يتم قراءتها عن بعد ودون اتصال بصري عند المرور عبر سبع بوابات أو بفضل أجهزة قراءة هذه التقنية المركبة في منشآت معالجة البريد ... أو تعرف أن إدارة بريد المملكة العربية السعودية من خلال مشروع واصل أنها ركبت نحو خمسة ملايين صندوق بريدي منزلي لتسهيل مهام التوزيع وضبط دقته إلكترونياً .... كل ذلك بالتأكيد يجعلك تزداد مرضاً ويجعلك تلزم فراشك وتتورم نفسياً وعقلياً... أدعو لي بالشفاء..
.
وللحديث بقية أن شاء الله ...

السبت، 24 مايو 2008

خصخصة الخدمات البريدية ..

.
من منا لا يعرف طلعت حرب !!...
.
سألتني ابنتي -عشر سنوات- هل طلعت حرب رجل وطني؟
.
قلت لها بالطبع فهو أبو الاقتصاد المصري، وصاحب الفضل في تحرير الاقتصاد المصري من السيطرة الأجنبية، وهو من قام بتأسيس بنك مصر كأول بنك مصري بأموال مصرية خالصة، وهو من أسس شركات عديدة وطنية مثل شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، وشركة مصر للنقل النهري، وشركة مصر للملاحة البحرية، وشركة مصر لأعمال الإسمنت المسلح، وشركة مصر للصباغة، وشركة مصر للمناجم والمحاجر، وشركة مصر للألبان والتغذية، وشركة مصر للكيمياويات، وشركة مصر للفنادق، وشركة مصر للتأمين، وشركة مصر للمصنوعات المصرية، وشركة مصر للطيران ، كما أسس أول مطبعة مصرية...
.
قالت في تعجب !!.. وهل من يقوم ببيع هذه الشركات وطني أيضاً ؟ .. لم أستطع الرد، وظللت صامتاً عاجزاً عن الإجابة، لأنني لست متخصصاً في علم الاقتصاد أو على دراية كافية بظروف وملابسات كلا الطرفين ..
.
بيد أن موضوع الخصخصة قد طرح نفسه بقوة خلال العقدين الماضيين، وعلى اهتمام بلدان العالم سواء كانت متقدمة أو نامية، فعبارة الخصخصة مصطلح اقتصادي لكلمة privatization ولا يوجد لها مفهوم دولي متفق عليه بين البلدان، حيث يتفاوت هذا المفهوم من بلد لآخر .. ويمكن القول أنها فلسفة اقتصادية حديثة ذات استراتيجية لتحويل عدد كبير من القطاعات الاقتصادية والخدمات الاجتماعية التي لا ترتبط بالسياسة العليا بالدولة من القطاع العام إلى القطاع الخاص، فالدولة يجب أن تهتم بالأمور السياسية والإدارية والأمنية التي ترتبط بسياستها العليا، أما سائر النشاط الاقتصادي فيمكن أدائه من قبل القطاع الخاص في إطار قوانين وأنظمة تضعها الدولة ..
.
أما عن البريد ، فكان كما هو معروف أحد الركائز الأساسية لبنيان الدولة منذ أن ظهرت بنظمها الإدارية والسياسية قديماً وحديثاً، هذه الأهمية لها شواهدها، فالخديوي إسماعيل على سبيل المثال أحس بأهمية شركة البوستة الأوروبية التي كانت تسيطر على أعمال البريد في مصر، فأصر على شرائها من صاحبها موتسي بك عام 1865 لتصبح ملكاً للدولة المصرية، دليلاً على أهمية هذا المرفق وارتباطه بأمور الدولة وأسرارها..
.
وحديثاً وخلال الأعوام القليلة الماضية برزت فكرة خصخصة الخدمات البريدية بدول عديدة كان أبرزها وأكثرها ضجة خصخصة البريد اليابانى، فالحكومة اليابانية بدأت مؤخراً خطة طويلة الأمد لخصخصة البريد بعد سنوات من الجدل السياسي، وبعد الحملة التي شنها رئيس الوزراء الياباني السابق كويزومي، الذي جعل من إصلاح البريد المسألة الرئيسية في برنامجه الانتخابي، حيث أعلن بعد فوزه بالانتخابات عام 2005 وموافقة مجلس الشيوخ الياباني على خطة لتقسيم هيئة البريد إلى أربعة كيانات منفصلة هي الصيرفة والتأمين والبريد وخدمة العملاء، والبريد الياباني كما هو معروف من أكبر الكيانات البريدية في العالم حيث يضم نحو خمسة وعشرون ألف مكتباً وتبلغ أصوله نحو ثلاثة مليارات دولار.... كما هناك عملاقاً ألمانياً حقق أرباحاً هائلة خلال السنوات القليلة الماضية يجب أن نشير إليه أيضاً وهي شركة الخدمات البريدية الألمانية "دويتشه بوست" التي واكبت تحولات السوق العالمي في إطار العولمة الاقتصادية وقيام الاحتكارات الضخمة وذلك بتنويع نشاطاتها وتوسعها إلى السوق الخارجي بشراء سلسلة من الشركات في مجال النقل البريدي واللوجستي مثل شركة دانزاس السويسرية و دي اتش إل للنقل السريع وشركة ايربورنه الأمريكية وأخيراً شركة الخدمات البريدية البريطانية أكسل ..
.
أما الإدارات البريدية العربية فمازالت لم تنزلق قدميها بعد لسلم الخصخصة، فنجد معارضة عمالية ونقابية ببعض الإدارات كإدارة بريد المغرب والبحرين والأردن والسودان، بينما تعيد دولة الإمارات العربية إعادة هيكلة مؤسساتها البريدية فأنشئت شركة قابضة للبريد تضم عدة شركات تضوي تحت لواء الشركة الأم، وهناك إدارات أخرى كإدارة بريد السعودية تسير بخطي نحو الشراكة والاندماج مع إدارات بريدية أكثر خبرة وتقنية...
.
واللافت للنظر أن دولاً ينظر إليها على أنها قاطرة النظام العالمي الجديد، وتدفع المؤسسات الاقتصادية الدولية للضغط لمزيد من التحول للقطاع الخاص بمختلف البلدان النامية عجزت عن خصخصة قطاع البريد لديها، فنجد بريطانيا على سبيل المثال رغم تجربتها الناجحة في مجال الخصخصة، فقد حاولت الحكومة البريطانية خصخصة البريد بنشر ما يعرف بالكتاب الأخضر عام 1994، الذي أوصي ببيع أسهم 51% من أسهم البريد الملكي، ولكن معارضة النقابات العمالية وأعضاء بمجلس الشيوخ أفشلت المشروع واستعاضت عنه الحكومة عام 1995 بإجراء إصلاحات إدارية ومالية لتدعيم استقلال البريد... وكذلك خدمة البريد الأمريكي الذي يمتلك احتكاراً لبريد الدرجة الأولي متحصناً بقوانين الاكسبريس التي تحرم على الأفراد والمؤسسات تقديم خدمات نقل البريد الدرجة الأولي، وبذلت محاولات عديدة سعياً وراء إلغاء تلك القوانين بحيث تتمكن الشركات الخاصة من الدخول للمنافسة للخدمة البريدية الحكومية، ولكن جميع تلك المحاولات كانت تصطدم باحتجاجات عنيفة من قبل اتحادات موظفي البريد، ومن مديري خدمات البريد التنفيذيين، ومن المجتمعات الريفية التي تعتقد بأنها ستُحرم من الخدمات البريدية.
.
ورغم كل ما يقال عن الاختلال الهيكلي للمؤسسات البريدية بالبلدان النامية وبكل ما تعانيه من خسائر مالية وقصور إداري لا يمكنها من مسايرة التقدم الهائل في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، فان التخوف من نظام العولمة الاقتصادي التي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية بثالوثه المؤسس: البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية والذي يهدف إلى تكريس قيم الغرب وتنمية الحياة الاقتصادية وفقاً لمبادئها وقيمها لتحقيق غاية نهائية ووحيدة تتمثل في أحكام السيطرة على البلدان النامية والفقيرة لمزيد من الهيمنة ونهب ثرواتها الطبيعية ولضمان مزيد من الترف وارتفاع معيشة شعوبها ولو على حساب باقي الدول، يجعلنا نشد على عضد تلك البلدان النامية وهي قادمة على مؤتمر البريد العالمي/ جنيف 2008 لكي لا تنساق لخصخصة خدماتها البريدية بحجة التطوير والتحديث ومواكبة التكنولوجيا على حساب تقديم الخدمات البريدية لمواطنها العادي، الذي سوف قد يحرم حتى من حق التراسل البريدي في ظل ما يلاقيه الاتحاد البريدي العالمي من ضغوط النظام العالمي الجديد...
.
وللحديث بقية ..

الأحد، 4 مايو 2008

طوابع الهولوكوست والمعايير المزدوجة



في بادرة مشتركة، أصدرت منظمة الأمم المتحدة وإسرائيل، طابع بريدي لتخليد ذكري المحرقة اليهودية "الهولوكوست"، وذلك في يوم الذكري العالمي لتخليد المحرقة 27 يناير 2008، حيث أعلنته المنظمة الدولية عام 2005 يوماً عالمياً لأحياء ذكري ضحايا الهولوكوست، والذي يصادف ذكري تحرير معسكرات الموت النازية في أوروبا عام 1945 وقد تم الاحتفال بإصدار الطابع بمركز الأمم المتحدة بنيويورك، وتصميم الطابع تكتسيه القسوة الممثلة بالإسلاك الشائكة واللــون الأسود، ينبـثق منها الأمل بالزهور البيضاء والعــود الأخضر، وقد دون على وجه الطابع اقتباسات من أقوال الأمين العام للأمم المتحـدة بان كـي مــون "إنكـار الحقائق التاريخـية، ولاسيما بالنسبة إلى موضـوع هـام مثل المحـرقة، أمـر غير مقبول على الإطلاق، خاصة إذا كانت الدعـوة إلى تدمير أي دولة أو أمة"... سوف يسوق للطابع بعـدة أشكال وأحجام ببعض البلـدان التي بها مقرات للأمم المتحدة وهي نيـويورك وجنيف وفيـينا وإسرائيل http://www.un.org/holocaustremembrance/stamp08.shtml
.
و"الهولوكوست" أو الكارثة والتي تعني بالعبرية شؤآة، تطلق على الإبادة الجماعية والتصفية العرقية التي حلت بالشعب اليهودي إبان الحكم النازي في أوروبا في الفترة من ديسمبر١٩٣٣ عندما أصبح هتلر مستشاراً لألمانيا وحتى مايو ١٩٤٥، وهي كلمة يونانية الأصل holókauston وتعني الحرق الكامل للقرابين المقدمة لخالق الكون، أو تعني التدمير حرقاً، كما تشير بذلك الموسوعة البريطانية، ولكنها في الأصل مصطلحاً دينياً يهودياً ذكر في التوراة يشير إلى القربان الذي يُضحَّى به للرب ويُحرق حرقاً كاملاً غير منقوص على المذبح، حيث يعد من أكثر الطقوس قداسة عند اليهود، حيث يقدم تكفيراً عن خطيئة الكبرياء... وقد استعملت كلمة هولوكوست لأول مرة لوصف طريقة معاملة هتلر لليهود في عام 1942 ولكن الكلمة لم تلق انتشارا إلا مع بدايات السبعينيات، حيث أصبحت تستعمل حصريا لوصف حملات الإبادة الجماعية التي تعرض لها اليهود تحديداً أثناء الحرب العالمية الثانية.
.
وعلى الرغم من اختلاف الآراء حول إثبات أو إنكار حقيقة الهولوكوست، فأن الثابت أن العديد من المؤرخين والكتاب الذين أثبتوا عدم حقيقة تلك المحرقة، أو ما وقع بها من تضخيم وتهويل لأقامة الدولة اليهودية، بدءاً من المحامي الأمريكي فرانسز باركر يوكي عام 1946 وحتى المؤرخ البريطاني ديفيد أرفنك عام 2006، حيث تلقوا المزيد من المضيقات أو السجن، بسبب تلك الآراء المناهضة للروايات اليهودية... إلا أن الحديث عن الهولوكوست ظهر مؤخراً بالمحافل الدولية وبطريقة علنية بعدما علق الرئيس الإيراني أحمدي نجاد "بأن الهولوكوست ما هو إلا أسطورة أستغلها الأوربيون لإقامة الدولة اليهودية في قلب العالم الإسلامي .. وأضاف إن الأوروبيين هم الذين ارتكبوا جرائم ضد اليهود، وعلى الولايات المتحدة أو كندا أن يمنحوا جزءا من أرضهم لتأسيس دولة لليهود، وتسأل لماذا يدفع الشعب الفلسطيني المقهور الثمن؟ أنتم من يجب أن يدفع الثمن ؟ ... وعلى الفور كانت ردة الفعل الغاضبة من الولايات المتحدة وأوروبا، ومجلس الأمن بأعضائه الخمسة عشر الدائمين والمؤقتين الذي دان تصريحات الرئيس الإيراني، وفي نوفمبر 2005 مررت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يرفض أي إنكار للهولوكوست كواقعة تاريخية على نحو شامل أو جزئي..
.
أما فلسطين التي تغتصب منذ عام 1922، وعشرات المذابح الجماعية التي وقعت بها،http://www.aljazeera.net/NR/exeres/2021433A-A609-4DEC-8B75-CAD94D3E6525.htm وانتهاك مساجدها وكنائسها على مشهد من العالم، فلا يتحرك له أحد، فمحارق اليهود وأفران الغاز المزعومة حرام وجريمة كبري لا يجوز إنكارها، بل يجب التذكير بها بمدراسنا وجامعاتنا، حتى أصبحت ثقافة الهولوكوست ثقافة كونية لا يمكن ردها أو إنكارها، أما محارق دير ياسين وصبرا وشاتيلا وحصار غزة، فهي في عرف العالم المتحضر حلال ويمثل دفاعاً شرعياً عن النفس.
.
ازدواجية نشعر بها صامتين، تزيدنا جراحاً وألماً فوق جراحنا، لا تظهر إلا إذا كان العرب أحد أطرافها، رغم كثرتهم العددية وثرواتهم الطبيعية الضخمة، فليس من حق العرب امتلاك التكنولوجيا النووية، وليس من حقهم إنشاء سوق اقتصادية مشتركة، وليس من حقهم حتى التعبير عن رفضهم الإساءة إلى رسولهم الكريم صلي الله عليه وسلم، بحجة حرية التعبير... وتتعدي تلك الازدواجية حتى في المجال الرياضي، ونتذكر جميعاً واقعة اللاعب الغاني جون باستيل الذي رفع علم إسرائيل أثناء مباراة غانا والتشيك بكأس العالم بألمانيا عام 2006 فرحاً بفوز بلاده، رغم عدم مشاركة إسرائيل، مقارنة بلاعبنا الخلوق محمد أبو تريكة وما تعرض له من هجوم من الصحافة الإسرائيلية والأوروبية والأمريكية وما لاقاه من تهديدات وتحذيرات، لمجرد أنه أظهر تعاطفاً مع المحاصرين من أبناء غزة، والذي يتم معاقبتهم عقاباً جماعياً وقصرياً يتنافي مع جميع المواثيق والأعراف الدولية.
.
والواضح أن المشكلة ليست فيمن يفرضون هذه الازدواجية، بل فيمن يتقبلونها مبتسمين متعللين بالوضع الأقليمي والدولي !!.. وكلي ثقة وأمل في أن نعمل لتذكير العالم لأصدار طابع بريدي تصدره الأمم المتحدة يكون رمزاً لنضال الشعب الفلسطيني، يذكرنا دائماً بالهوية العربية والإسلامية لهذا البلد الجريح المغتصب، يذكرنا دائماً برفض هذه الازدواجية، يذكرنا ويذكر أبنائنا حتى ولو من خلال طابع !!
.
وللحديث بقية أن شاء الله ...

الاثنين، 28 أبريل 2008

الطوابع السياسية ..



طوابع البريد هي تاريخ الأمة، الماضي والحاضر، أحداثها واحتفالاتها، مؤتمراتها ومعارضها، أمجادها وثوراتها، علماؤها وكتابها وفنانوها، تاريخها وآثارها، محاصيلها وزهورها، طيورها وحيواناتها، أنهارها وبحارها، منتجعاتها ومحمياتها، متاحفها وتراثها، عاداتها وتقليدها... فهي سفير لكل أمة ورمز لحضارتها وتقدمها، تستخدم في ظاهرها للتخليص البريدي، وفي باطنها للترويج السياحي والتنشيط التجاري والاقتصادي...
.
بلدان عديدة أبدعت في طوابعها واستخدمتها لأغراض تجارية واقتصادية وثقافية، وخصصت لها المعارض والمنتديات، بيد أن بعض البلدان تحاول إقحام الطوابع البريدية بطريقة أو بأخرى للاستخدام السياسي، أو لأهداف سياسية، فقد صدر مؤخراً عن إدارة بريد إيران طابع يحمل صورة عماد مغنيه تكريما له، والطابع مزين بتوقيع قائد الثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي، وعماد مغنية وهو لبناني الجنسية وشيعي المذهب، كان يشغل رئيس الجهاز الأمني لحزب الله وأشتهر بثعلب حزب الله أو بالحاج القاتل، كان على قائمة مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي كأبرز الإرهابيين المطلوبين، وعلى لائحة المطلوبين للعدالة بدول الاتحاد الأوروبي، وتوجه له قائمة طويلة من الاتهامات، وربط أسمه بعمليات عديدة وقعت بالبلدان العربية كتفجير مقر قوات المارينز بالخبر بالمملكة العربية السعودية عام 1996 وتفجير مقر مشاة البحرية الأمريكية ببيروت عام 1983، وقد اغتيل في حادث تفجير سيارة بدمشق في الثاني عشر من فبراير 2008، وتشير أصابع الاتهام بقتله للموساد الإسرائيلي ...
.
وقبل عدة سنوات أصدرت إدارة بريد إيران كذلك طوابع بريد عليها صورة الشهيد سيد قطب والملازم خالد الأسلامبولي قاتل الرئيس السادات، وهما مصريان، لمجـرد النكاية السياسية للحكــومة المصــرية... فالشهيد سيد قطب، وهو الأديــب والشاعر صـاحب في ظــلال القــرآن، ملايين من الناس تعرفه، ولكن قلة منهم يعرفــون سيرته ومواقــفه ومؤلفــاته، أعـدم بعد محاكـمة عسكرية في 29/8/1966 لأفكاره وفلسفته الثورية المنسجمة مع طبيعة الثورة الإيرانية ضد الاستعمار والإمبريالية رغم مذهبه السني، والتي يعتقد بالخطأ أو عن سوء فهم أنها كانت سبباً رئيسياً لشيوع فكر التكفير وبذور جماعات الجهاد في مصر،
.
أما خالد الأسلامبولي فلا نعرف عنه إلا كونه ملازم بالجيش المصري، اعتنق فكر تنظيم الجهاد وكتابه "الفريضة الغائبة" وقتل الرئيس السادات مع مجموعة من زملائه يوم السادس من أكتوبر عام 1981، وتم إعدامه بعد إدانته من خلال محاكمة عسكرية، ويعتبره الإيرانيون بطلاً لقتله الرئيس السادات، بسبب العلاقة التي كانت تربط الرئيس السادات بشاة إيران السابق، واستضافته له بمصر بعد قيام ثورة الخومينئ عام 1979. ومازال أسمه سبباً في تجميد العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران حتى الآن بسبب إطلاق إيران أسمه على الشارع الذي تقع فيه السفارة المصرية في طهران، وإصدار طوابع رسمية تحمل صوره وتخلد ذكراه .
.
أما إسرائيل وأمريكا فلها مواقف متباينة في هذا الشأن، فإدارة بريد إسرائيل أصدرت مؤخراً طابعاً يسئ للخطيب في الإسلام ويصوره على أنه مغني والمصلون يجلسون على كراسي يستمعون إليه ويلهون، بالإضافة إلى إصدار بطاقة بريدية تحمل نفس المعني، وهي سلسلة من سلاسل الازدراء الإسرائيلي الموجه للدين الإسلامي، واستفزازاً لمشاعر أمة الإسلام شعوباً وحكومات، مما دفع أحد أعضاء مجلس الشعب المصري بتقديم استجواباً يطالب فيه باعتذار السفير الإسرائيلي وسحب تلك الطوابع وإحراقها، حيث قامت وزارة الخارجية المصرية في حينه بطلب استدعاء للسفير الإسرائيلي للاعتذار ... كما أن إدارة بريد إسرائيل إصدرت طابع بريد يحمل صورة الملك حسين ملك الأردن لتخليد ذكراه، وهي المرة الأولي التي تظهر فيها صورة زعيم عربي على طابع إسرائيلي، الأمر الذي يدعو للفرقة والتجاذب السياسي بالشارع العربي بشأن مواقف الملك حسين وعلاقته مع الدولة العبرية .
.
أما إدارة بريد أمريكا فتظهر حضارتها ، حيث أصدرت طابع إسلامي بمناسبة عيد الفطر المبارك، مما أثار انتباه المحللين السياسيين ورجال الصحافة، بتعزيز الاعتقاد بتغير السياسية الأمريكية تجاه المسلمين بعد أحداث سبتمبر 2001 لكسب مزيد من التأييد السياسي والإعلامي من البلدان الإسلامية للحملة التي تقودها ضد ما يسمي على الإرهاب...
.
وفي جميع الأحوال، فأن استخدام الطوابع البريدية سواء بالسلب أو الإيجاب لأغراض سياسية قد يفتح الباب لمزيد من المشاكل، خاصة مع سرعة انتشار وتداول تلك الطوابع بين البلدان، كما أن المادة الثامنة من اتفاقية البريد العالمية/ بوخارست 2004 تحدد وجوب أن تكون تلك الطوابع متماشية مع روح ديباجة دستور الاتحاد البريدي العالمي ومع القرارات المتخذة من قبل أجهزة الاتحاد، وأن تكون على صلة وثيقة بالهوية الثقافية للبلد أو الأقليم الذي تخضع له إدارة الإصدار، أو تساهم في نشر الثقافة أوالحفاظ على السلام، كما ينبغي أن تتجنب مواضيع وتصاميم تلك الطوابع الطبيعة المؤذيةً لشعور شخص ما أو بلد ما... الأمر الذي يدعونا ونحن بصدد بدء اجتماعات مؤتمر البريد العالمي بجنيف في يوليو 2008 لطرح ضرورة تفعيل نصوص الاتفاقية البريدية الدولية واتخاذ الإجراءات الملائمة لمنع إصدار طوابع بريدية لأغراض سياسية أو ذات مضمون يمس الأديان ...
.
وللحديث بقية أن شاء الله ...

الأربعاء، 23 أبريل 2008

البريد في العصر النبوي ..



فسر الأمام الرازي في مختار الصحاح معني البريد فقال "البريد الشئ المرتب أو الثابت، يقال حمل فلان على البريد"، وذكر في القاموس المحيط بأنه الشئ المرتب أو الرسول، وأطلق كذلك على المسافة بين سكنتين وهي أربعة فراسخ أو أثني عشر ميلاً، وأضاف العلامة الكتاني بالتراتيب الإدارية بأن العرب أطلقوه على المسافة التي بين محطة وأخري من محطات البريد، ثم أطلق على حامل الرسائل، وتوسعوا فيه الآن فأطلقوه على أكياس البريد ..
.
وقد ذكر المقريزي في الخطط أن كلمة بريد أصلها فارسي من "بريد ذنب" لأن الملك "دارا" هو أول من ابتكر نظاماً للبريد، واقام له دواباً محذوفة الأذناب والذيول لتميزها عن غيرها من الدواب الأخري، ثم عربت وحذف العرب نصفها الأخير واقتصرت على كلمة "بريد" .. ومنها قول امرئ القيس:
على كل مقصوص الذنابي معاود .. .. بريد السري بالليل من خيل بربرا
.
وقد كان البريد معروفاً عند العرب في الجاهلية، حيث استعملوا الخيل والبغال في نقل بريدهم، فيورد آدم ميتز في كتابه تاريخ الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري مانصه "إن الروم كانوا يستعملون الخيل والبغال في حمل البريد، وكذلك كان الحال عند ملوك العرب في الجاهلية" وكان يستخدم في العادة لنقل بريد الدولة والتجسس على أعمال الولاة ونقل الأخبار للملوك والأمراء.
.
وعلى الرغم من أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول من أنشأ الدواوين ومنها ديوان البريد، وأقام لها دوراً بمختلف الولايات، كدار البريد بالكوفة التي ورد ذكرها بصحيح الأمام البخاري بأن أبا موسي الأشعري أمير الكوفة صلي بتلك الدار، وكان أبو موسي أميرا على الكوفة في زمن عمر وعثمان... إلا أن كتب السنة والسيرة تخبرنا كذلك بأهتمام النبي صلي الله عليه وسلم بأمور البريد واختيار مسؤوليه وكتابه ووسائل نقله آخذاً بالصفات الشخصية والخلقية لهذه المهمة.. حيث اختار عبد الله بن أبي بكر لهذه المهمة وآخرين، ذلك أن مهمة البريد كانت آنذاك تعني حمل لرسالة الإسلام للشعوب ونقل الأخبار إلى مركز الدعوة في المدينة، وهو ما سوف نستعرض بعض نماذجه :

رسائل الرسول صلي الله عليه وسلم للملوك والأمراء العرب

من أشهر البُرُد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم تلكم الرسائل التي بعث بها إلى الأباطرة والأكاسرة والملوك، الذين كانوا يعتلون عروش الحكم في الدول المحيطة بالجزيرة، داعياً إياهم للدخول في دين الله الحنيف، كما لا يمكن إغفال الرسائل والرسل التي بعث بها صلى الله عليه وسلم إلى القبائل في الجزيرة العربية حاثاً إياها على اعتناق الإسلام، إذاً يمكن القول بأن عهد الرسول الأمين شهد استخدام البريد الداخلي والبريد الخارجي، فقد ذكر في صحيح البخاري، أن النبي صلي الله عليه وسلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام، وبعث بكتاب إليه مع دحية بن خليفة الكلبي، وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصري ليدفعه إلى هرقل قيصر الروم، وبعث عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسري ملك فارس، وكذلك نجد في سيرة ابن هشام أنه بعث عمرو بن أمية الصمري إلى نجاشي الحبشة، وحاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك الإسكندرية، وعمرو بن العاص السهمي إلى جيفر وعياذ ابني الجلندي ملكي عمان، وشجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك الشام، والعلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي ملك البحرين (تخريج الدلالات السمعية للأمام التلسماني ، ص 184).
كما ذكر البخاري والترمذي، أنه لما اراد النبي صلي الله عليه وسلم أن يكتب إلى الروم، فقيل له: إنهم لن يقدروا كتابك إذا لم يكن مختوماً، فاتخذ خاتماً من فضه ونقشه "محمد رسول الله"، وكان لا يستغني عن الختم به على رسائله إلى البلدان وأجوبة العمال وقواد السرايا، فكان بذلك أول من استخدم ختم الكتاب من قريش وأهل الحجاز (التراتيب الإدارية للأمام الكتاني، ص 177).

الاختيارالدقيق للقائمين على البريد والحرص على سلامتهم

فقد كان من صفات رسله صلي الله عليه وسلم أن يكونوا ممن تتوفر فيهم وفور العقل وطلاقة اللسان وقوة الحجة والبيان، ويدعو لحسن اختيار رجل البريد، فقد ورد في فيض القدير شرح الجامع الصغير أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال "إذا أبردتم إلي بريداً فاجعلوه حسن الوجه، حسن الاسم" أي إذا ارسلتم اليّ رسولاً‏ فتخيروا الحسن الشكل والخلق وكذلك الأسم لكي تنجذب اليه القلوب، ونتفائل بحسن صورته واسمه، حيث كان صلي الله عليه وسلم يشتد عليه الأسم القبيح ويكرهه.
وفي سنن أبي داود نجد قوله صلي الله عليه وسلم "إنّي لا أخِيسُ بالعَهد ولا أحْبسُ البُرْد" فالبرد جمع بريد وهو الرسول، أي أنه لا يحبس الرسل الواردين إليه للدلالة على تقدير القائمين على تلك المهنة، وما يتمتعون به من حصانة تمكنهم من تبليغ رسائلهم .

الاستفادة من المسافات البريدية لمعرفة بعض الأحكام الفقهية

حيث استخدمت المسافة البريدية في الاستدلال على كثير من الأحكام الفقهية، ففي صحيح ابن خزيمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "لا تسافر امرأة بريداً إلا ومعها ذو محرم" وقوله صلي الله عليه وسلم "لا تقصر الصلاة في أقل من أربعة برد" حيث استدل بمسافة البريد المحددة بأربعة فراسخ أو أثني عشر ميلاً على النهي عن سفر المرأة دون محرم، وعلى مشروعية القصر في الصلاة للمسافر.
وروي أبو داود في سننه حديث عدي ابن زيد قال "حمي رسول الله صلي الله عليه وسلم كل ناحية من المدينة بريداً بريداً، لا يخبط شجره ولا يعضد إلا ما يساق به الجمل" أي حدد حرم المدينة من صيد واعتداء وخلافه.
وقد عثر مؤخراً بالمملكة العربية السعودية على عدد من الأحجار الميلية المنقوش عليها المسافة بقياس البريد، حيث تشير هذه الأحجار للمسافة البريدية التي توضع على رأس كل محطة بريد وتقسم المسافة بين أول وآخر محطة بأثني عشر ميلاً، والتي استفاد منها الحجاج وغيرهم من المسافرين عبر مئات السنين.
.
كل هذه الشواهد تدل على أن البريد وأن كان لم يستخدم بما هو معروف لدينا الآن، إلا أن الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم، قد عرفه واستخدمه في ألفاظه ومراسلاته لدعوة الملوك وأمراء الجزيرة العربية، واستخدم عماله وكتابه ووسائل نقله، وأهتم بحسن اختيار القائمين عليه وتأمين حياتهم وتقدير دورهم ...
.
وللحديث بقية أن شاء الله ...

السبت، 19 أبريل 2008

ابن البوسطجي ..


هل تعرفون من هو ابن البوسطجى ؟..
هو الزعيم الراحل "جمال عبد الناصر" ... والبوسطجى هو والده "عبد الناصر حسين خليل سلطان" !!
.
كل الناس تعرف جمال عبد الناصر، ولكن قلة قليلة يعرفون والده، هذا الرجل الذي نعت أبنه ذات يوم بابن البوسطجي للدلالة على فقره وضعف مستواه الاجتماعي، على الرغم من أنه كان لا يعمل بوسطجي بالشكل التقليدي المتعارف عليه بالقيام بتوزيع الخطابات، بل كان وكيلاً لمكتب بريد باكوس بالإسكندرية... ويكفيه فخراً أنه أنجب لنا هذا الزعيم الذي حرر العقول العربية من استعمار أجنبي دائم مئات السنين، وزرع في قلوبهم معني العدالة والوحدة والكرامة... إلا أن تجاهل والده "عبد الناصر حسين" وانضواء طيفه خلف الكواليس كان بمثابة المؤلف الذي يزرع فكرة العمل المسرحي دون الظهور على خشبته .

هذا هو حال عبد الناصر حسين، الذي ولد عام 1888 في قرية مر مركز أبنوب بصعيد مصر من أسرة من الفلاحين، ولكنه حصل على قدر من التعليم سمح له أن يلتحق بوظيفة بمصلحة البريد بالإسكندرية، وكان راتبه يكفي بصعوبة لسداد ضروريات الحياة .... فقد تلقي تعليمه الأولي بحفظ القرآن الكريم بكتاب القرية، وما لبث أن التحق بالمدرسة الابتدائية، ثم التحق في العام التالي وبعد وفاة والدته بالمدرسة الأمريكية التبشيرية في أسيوط، وكان يسافر يومياً من قرية بني مر إلى المدرسة بأسيوط ، وساعده بالمدرسة القس الأمريكي Chaplain Blyth في تقوية لغته الإنجليزية... وفي أول أكتوبر 1907 انتقل إلى مدرسة الأقباط الكاثوليك بأسيوط،، بينما كان يعمل في إجازة الصيف حتى يستطيع أن يوفر نفقاته أثناء الدارسة... وفي عام 1908 حصل على الشهادة الابتدائية، ثم سافر مع خاله محمد عثمان إلى الإسكندرية والتحق بالعمل بمصلحة البريد.

وفي 15 فبراير 1917 تزوج عبد الناصر حسين من السيدة فهيمة محمد حماد ابنه تاجر الفحم المعروف بالإسكندرية، التي توفيت في 21 إبريل عام 1926 تاركة لزوجها أربعة أبناء أكبرهم جمال، وكان عنده ثمان سنوات ثم عز العرب والليثى، وأصغرهم شوقي الذي كان عمره يوماً واحداً فقط ... وبعد سبع سنوات، وفى 3 مايو 1933 تزوج للمرة الثانية من السيدة عنايات مصطفي صقر، من مدينة السويس ورزق منها بستة أبناء هم مصطفى وحسين ورفيق وعادل وطارق وعايدة.

ومنذ التحاق عبد الناصر حسين بالعمل بمصلحة البريد، والتي كانت بمثابة جزء من الاحتلال الكبير لشعب مصر، فكانت وقتئذ تحت السيطرة الأجنبية الكاملة، حيث مديرها بورتون باشا (16سبتمبر 1907–15 نوفمبر 1923)، ومعظم العاملين بها من جنسيات أجنبية بسبب وجود الاحتلال البريطاني من جهة، والارتباط الوثيق لأعمال البريد بالبلدان الأوروبية، وكان مقر المصلحة الرئيسي بمدينة الإسكندرية قبل أن تنتقل للمقر الكائن بميدان العتبة بالقاهرة عام 1931... وبطبيعة الحال كان عبد الناصر حسين مؤهلا تأهيلا علمياً ولغوياً يسمح له بالتعامل مع تلك الإدارة الأجنبية، فقد كان يجيد اللغة الإنجليزية إجادة تامة، وبعض من اللغات الأخرى كالفرنسية والإيطالية... كما أن ثقة تلك الإدارة بامتيازه وتفوقه جعلته محل ثقة ليكون وكيلاً لمكتب بريد باكوس لفترة طويلة... حيث كانت منطقة باكوس وهي الواقعة بمحطة الرمل بمدينة الإسكندرية والتي تعرف الآن بالصين الشعبية لكثافة سكانها، تقع بها عدة أسواق شهيرة لكافة المنتجات والمصنوعات والحاصلات الزراعية ومحلات الملابس والأحذية والأدوات الكهربائية وتجمعات الصاغة من بائعي الذهب والحلي... ومع تزايد العمران بالمنطقة مع بدايات القرن العشرين ورغبة في دعم العمران في تلك المناطق الناهضة قامت الحكومة المصرية بإمداد المنطقة بالعديد من الخدمات الحديثة في ذلك الوقت كمكتب للبريد ومكتب للتلغراف وغيرها، وانتشر الأجانب بالمنطقة، وبخاصة من أبناء الطائفة الكاثوليكية للاعتقاد بأن ذلك نتيجة لكون "خليل باغوص" الذي سميت على أسمه المنطقة "باكوس" ينتمي لذات الطائفة الكاثوليكية، فانتشرت المباني والخدمات الخاصة بتلك الجالية كالأديرة والكنائس والمدارس الكاثوليكية، ومازال بعضها قائم حتى الآن.

وكان عبد الناصر حسين كواحد من أبناء الشعب المصري له ثقافته المعرفية وتجاربه اليومية مع كل هؤلاء الأجانب من خلال رئاسته الأجنبية بمصلحة البريد والمتعاملين معه من خلال مكتب البريد بمنطقة باكوس بكثرة سكانها من الأجانب قد زرعت فيه آمال كبيرة وتطلعاً في استقلال هذا الوطن، كان يحلم باليوم الذي يذهب فيه الاحتلال، يحلم بأن يري مديره ورؤسائه بمصلحة البريد مصريون مخلصون، بينما لم تتجاوز بالطبع أحلامه بأن يري أبنه رئيساُ لتلك البلد العريق... وبكل أفكاره وتجاربه وثقافته المعرفية عن الحرية والعدالة والتي زرعت في نبتته الأولي أبنه الأكبر جمال ليصبح هذا الزعيم، ورغم كل ما صادفه من مشاكل بسبب وفاة زوجته وتركها له أربعة أبناء أصغرهم عمره يوماً واحداً وأكبرهم ثمانية سنوات، وانتقاله للعمل بعدة مكاتب بريد بمحافظتي الشرقية (الخطاطبة) والقاهرة (الخرنفش)، إلا أنه كان حريصاً كل الحرص على تعليمه أبنه ، حيث ألحق أبنه جمال بروضة الأطفال بمحرم بك بالإسكندرية، ثم ألحقه بالمدرسة الابتدائية بالخطاطبة في عامي 1924،1923 ثم انتقل للأقامة مع عمه خليل حسين بحي الجمالية بالقاهرة وألتحق بمدرسة النحاسين، وبعد أن أتم السنة الثالثة بمدرسة النحاسين أرسله والده في صيف 1928 عند جده لوالدته فقضي السنة الرابعة بمدرسة العطارين بالإسكندرية ... ثم ألتحق في عام 1929 بالقسم الداخلي بمدرسة حلوان الثانوية وبعد عام أنتقل مرة أخري إلى مدرسة رأس التين الثانوية بالإسكندرية، حتى حصل على شهادة الثانوية من مدرسة النهضة المصرية بالقاهرة عام 1937... كل ذلك حرصاً من والده على قيام جمال بمواصلة دراسته وتعليمه مجنباً إياه التركة الثقيلة التي ورثها بعد وفاة أمه، وانتقاله المستمر بين المحافظات لمواصلة عمله الشاق.

فعبد الناصر حسين ككل أب يتمني لأبنه أن يكون في أعلي المراتب، وعمل لذلك من نشأته الأولي، فعلي الرغم من قلة ذات اليد وراتبه الذي يكاد يسد الحاجات الضرورية لأبنائه، أصر على أن يلتحق أبنه بكلية الحقوق، وهي الكلية التي يتخرج منها القادة والزعماء، بعدما فشل في الالتحاق بالكلية الحربية عام 1937، وكان يمده بالعديد من الكتب التي يقتنيها خلال مراحل تعليمه المختلفة، والتي حرص جمال على مطالعتها وقراءتها، كتب عن الثورة الفرنسية وجان جاك روسو وفولتير، ونابليون والأسكندر الأكبر ويوليوس قيصر وغاندي ومصطفي كمال أتاتورك، ورواية البؤساء لفيكتور هيوجو، وقصة مدنتين لشارلز ديكنز، وكان جمال معجباً بأشعار أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، كما قرأ روايات ومسرحيات توفيق الحكيم خاصة راوية عــودة الروح، التي تهدف في معنــاها إلى ضرورة ظهور زعيم للمصريين يوحد صفـوفهم ويدفعهم للنضـال في سبيل الحرية، كل تلك الكتب كان لها تأثير كبير في بلـورة أفكاره الأسـاسية وشخصيته السـياسية، وبنفس ذات المعني ذكر الزعيم الراحل في حديثه للصحفي ديفيد موجان بصحيفة الصنداي تايمز"إنني الأبن الأكبر لأسرة مصرية من الطبقة المتوسطة الصغيرة، وكان أبي موظفاً صغيراً يعمل وكيلاً للبوسطة، يبلغ مرتبه الشهري نحو عشرين جنيهاً، وهو مرتب يكفي بصعوبة لسد ضرورات الحياة، وكنا أسرة سعيدة يحكمها أبي... وكان أبي قلقاً بسبب آرائي السياسية حتى في أيام التلمذة، فقد كان عنده مخاوف من أن يحل بي ما حل بعمي، حيث تم اعتقاله أثناء الحرب العالمية الأولي بتهمة الإثارة السياسية، وهي مخاوف طبيعية، فقد كان أمله أن نحيا جميعاً حياة آمنة بعيدة عن المزعجات".

كما أن ثمة عــلاقة وطـــيدة ارتــبط بها جمال عبد الناصر بوالـده، ليست عــلاقة الأبن بالأب فقط ، بل عــلاقة من نـوع خـاص أشبة ما تكــون بالصــداقة ، مشاركة في الآراء والأفــكار، مبــادئ واحــدة ثابــتة وتتــوق للحــرية والعــدالة، الحرص على الترابــط الأسـري، نجــدها بمجموعة نادرة من الخطــابات المتبــادلة فيما بينهما بلغـت ثلاثة وثلاثون خطــاباً خـلال فترة وجــيزة جــدا من 10 يناير 1944 حتى 4 أكتوبر 1944، هذا الاتصال المتدفق جعل من جمال على دراية واسعة بالحياة العامة، حتى أثناء تواجده في حرب فلسطين.
.
ورغم مرور نحو تسعون عاماً على مولد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، واختلاف الآراء السياسية حوله وعن فترة حكمه، إلا أنه مازال الكثيرين يتذكره، حتى الذين لم يعاصروا فترة حكمه، فمن الملفت للنظر أنه مازال عندما تحدث مسيرات شعبية أو مظاهرات أو اعتصامات في معظم البلدان العربية أو للجاليات العربية بالخارج نجد من يرفع صوراً وشعارات منسوبة لهذا الزعيم، خاصة إذا ما تعلق الأمر بقضايا قومية تهم العرب أو تتعلق بالاحتجاج على غلاء الأسعار أو المطالبة برفع وتحسين الأجور على اختلاف أوطانهم، كما نجد كثيرين يحتفظون بصورته تحت زجاج مكاتبهم أو بمحلاتهم أوداخل منازلهم... بيد أن وزارة الثقافة عندما حرصت على تحويل منزل والده الكائن بشارع الدكتور القنواتي بحي باكوس بالإسكندرية لمتحف يضم مقتنيات الأسرة، يضم عددا من قطع الأثاث وساعة حائط وسرير حديدي ومرآة كبيرة وطبلية خشبية ومكتب متوسط الحجم، وفرن فلاحي في الفناء الخلفي، لم تشر إلى صاحبه... ويعاني هذا المتحف الآن من حالة إهمال وإغلاق مستمر، ولم يزره أحد منذ عدة سنوات ..

وهكذا ظل "عبد الناصر حسين" البوسطجي منسياً ، لا ذكر له ولا لفضله في تربية أبنه وتعليمه وغرس فيه روح العزة والكرامة حتى صار أول زعيماً مصرياً يحكم مصر منذ أفول شمس الفراعنة... منسياً ولو كان أبنه زعيماً يعد من أبرز زعماء العالم خلال هذا القرن، منسياً حتى بالإشارة إليه بترميم منزله وصيانته كمتحف .. منسياً قديماً وحديثاً، فلم يتذكره الناس يوماً، ولم يتذكره زملائه بالبريد المصري ولو بوضع صورته على طابع بريد تكريماً لذكراه وتخليداً لتضحيات هذا الرجل ...
.
وللحديث بقية ...

الابستمولوجيا البريدية ..


قد يتوقف القارئ أمام العنوان مراراً... ويتسأل، ماهي الابستمولوجيا؟.. وماعلاقتها بالبريد؟ !! ...
.
الابستمولوجيا أو نظرية المعرفة، هي إحدي إركان علم الفلسفة، ويراد بها البحث في إمكان العلم بما هو موجود أو العجز عن معرفته ... وتطرح سؤالا هاماً، هل في وسع الإنسان وقدرته أن يدرك الحقائق ويطمئن إلى صدق إداركه وصحة معلوماته؟.. ثم ما هي طبيعة هذه المعرفة وحقيقتها وما منابعها وأدواتها ؟ ..
.
أما البريد فقد عرفه الإنسان منذ أدرك حاجاته الإنسانية للتواصل مع بني جنسه، ولعل الوثيقة التي يرجع تاريخها إلى عهد الأسرة الثانية عشرة (حوالي 2000 سنة قبل الميلاد) وهي وصية كاتب لولده يحدثه فيها عن بؤس أصحاب بعض المهن ومنها ساعي البريد فيقول ضمن وصيته "أما ساعي البريد فأنه يحمل أثقالاً فادحة، ويكتب وصيته قبل أن ينطلق في مهمته، توقعاً لما قد يصيبه من الوحوش والأسيويين" .. إذا المهمة صعبة وشاقة، وأقترنت دائماً بالمخاطر والأهوال، واحتياجها الدائم والمستمر لمزيد من المعرفة وتطوير وسائلها وأدواتها.
.
وعلى مر العصور كان رجل البريد ركناً من أركان الدولة وعماداً من أعمدة حضارتها، حيث يعتبر انتظامه مقياساً لمدنية الشعوب ورقيها، لدرجة أن الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور أعتبر في أحد كلماته أن صاحب البريد من أركان الملك الأربعة الذين لا يصلح الملك إلا بهم، وهم القاضي (وزارة العدل) وصاحب الخراج (وزارة المالية) وصاحب الشرطة (وزارة الداخلية) وصاحب البريد (وزارة الاتصالات).
.
فالبريد قد يصعب إدراك مدي أهميته ودرجة حاجة الإنسان إليه، فقد أصبح راسخاً بالأذهان رسوخاً عميقاً بتكرار حركة التبادل البريدي بطريقة عفوية بين الناس، حتى أصبح مثل الأكسجين في الهواء، لا يدرك حقيقة أهميته وضروريته إلا عندما نفقده ... فالعملية البريدية بكل دقتها وتعقيدها أختزلت بصورة ظاهرية في طابع البريد و شباك البريد، وفي هيئة ساعي البريد بصورته التقليدية حاملاً حقيبته البريدية، دون الخوض في معرفة مراحلها ودقتها، لدرجة يصعب على الإنسان العادي إدراك مفاهيمها أو معرفة مكوناتها وتعقيداتها ...
.
وإهمالاً متعمداً أو غير متعمد .. وبظهور وسائل الاتصالات الأكثر سرعة، واقتطاع أجزاء هامة من أعمال البريد التقليدية، وبالاستهانة بدوره وبرجاله في بعض الأحيان ثقافياً ومعرفياً، أدي لما عليه البريد الآن من تهميش وإنكاراً لحقيقة أهمية البريد وصموده كل هذه السنوات ضد هجمات شرسة وعاتية لتقليص دوره وتهميش مهام رجاله، خاصة بالمجتمعات العربية والبلدان النامية ... ساهم في ذلك إيضاً إنكفاء رجل البريد على إداء عمله دون المطالبة بالحد الأدني من حقوقه المالية والمعنوية، وانعزاله عن التأهيل والمعرفة لسنوات طويلة.
.
والآن .. نحن في حاجة إلى ابستمولوجيا بريدية، معرفة وثقافة بريدية تعيد للإذهان أهمية البريد وارتباطه بحضارة الأمم وتاريخها وتقدمها، تبعث الروح في هذا الجندي المقاتل العنيد الذي صمد طويلاً في ميدانه مشاركاً في الأنشطة المعرفية والثقافية، وخادماً للأنشطة التجارية والاقتصادية، مواكباً ومكملاً لوسائل الاتصالات الحديثة ...
.
وللحديث بقية ...

الاتحاد البريدي العالمي ..


يعد الاتحاد البريدي العالمي من أعرق المنظمات الدولية المتخصصة www.upu.int فمنذ أن عرفت المجتمعات الإنسانية التواجد، كان لتوثيق أواصر الصداقة وتمكين التفاهم بين تلك الشعوب، وتوسيع ونشر الثقافات وغيرها من الأسباب التي خرجت بتلك الأمم من عزلة القرون الأولي أن يتعدى تبادل المراسلات حدود البلد الواحد إلى البلدان الأخرى .
.
ومنذ القدم والقائمون على أعمال البريد يبحثون عن وسيلة مأمونة لنقل البريد بانتظام بين بلد وآخر.. وكانت الحاجة أكثر أهمية بالنسبة للبلدان الأوروبية، حيث توجد مجموعة من الأمم الناهضة التي لا تفصل بينها بحار أو محيطات، لذلك كان من الطبيعي أن تظهر في أوروبا دون غيرها مؤسسة لتوحيد النظم البريدية والإسهام في حل المشاكل الناجمة عن اتساع التبادل البريدي بين البلدان المختلفة .

أوروبا وتنظيم البريد الدولي

كانت أسرة "دي تاكسيس" المشـهورة في تاريخ البريد تتولى نقل البريد داخل الإمبراطورية النمساوية منذ عام 1440م، ثم ما لبث أحد أبنائها "فرانسوا دي تاكسيس" أوائل القرن السادس الميلادي من تأسيس إدارة للبريد الدولي قامت بتنظيم عملية نقل البريد بين الحكومات والأفراد فيما بين النمسا وكل من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وأسبانيا .
.
وظلت هذه الإدارة تواصل أعمالها بنجاح حتى استولت عليها الحكومة الروسية عام 1867م، فكان لها بذلك مصير جميع المؤسسات البريدية الخاصة من قبل الحكومات المركزية خلال القرنين الثامن والتاسع عشر الميلادي، على أساس أن أعمال البريد يعد من الأعمال السيادية ويحقق منافع عامة للدولة ، كما أنه يعد مورداً للدخل لا بأس به .. فاهتمت تلك الحكومات بتوسيع نطاقه وأدخلت أنظمة التسجيل والخطابات المؤمنة والحوالات المالية ونظمت توزيع البريد في المدن والقرى .
.
بيد أن طريقة المحاسبة بين الدول المختلفة على المراسلات المتبادلة فيما بينها ظلت محفوفة بالمصاعب ، نظراً لاختلاف الرسوم البريدية بين بلد وآخر ، فقد كانت بعض الإدارات البريدية تحصل الرسم على أساس وزن الخطاب، وبعضها يحصله على أساس الحجم أو السمك ، وكان للمسافة وبلدان المرور في كل حالة تقدير خاص .. ولم تفلح المحاولات التي بذلت على مر الأيام لتحسين الخدمة بتطبيق مبادئ موحدة من خلال الاتفاقات الثنائية في الوفاء بالاحتياجات المتزايدة نتيجة التقدم السريع للعلاقات الدولية بين تلك البلدان .

تأسيس الاتحاد

باكتشاف العالم الجديد وظهور الولايات المتحدة الأمريكية وحاجة سكانها الملحة في الاتصال بأوطانهم الأم بأوروبا، دعا وزير البريد الأمريكي "مونتجمري بلير" إلى اجتماع دولي للتوصل إلى اتفاق بريدي على أسس مشتركة، وبالفعل ما لبث أن عقد هذا الاجتماع في باريس في مايو 1863م بحضور مندوبو خمسة عشر بلداً من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية .. حيث أقر الاجتماع عدداً من المبادئ العامة وأوصي الإدارات بمراعاتها عند إبرام اتفاقياتها الثنائية فيما بينها ، فكانت قراراته مناراً اهتدت به البلدان في المعاهدات البريدية التي أبرمتها بعد ذلك .
.
كما كان هذا الاجتماع دافعاُ قوياً لأحد كبار الموظفين في إدارة بريد اتحاد ألمانيا الشمالية "هنري دي ستيفان" أن يرسى عام 1868م أسس مشروع اتحاد بريدي فيما بين الأمم ، واقترح على حكومته أن يعرض هذا المشروع على بساط البحث في اجتماع يضم مندوبين مفوضين .. وبدعوة من حكومة سويسرا عقد هذا الاجتماع في 15 سبتمبر 1874م بحضور مندوبين مفوضين من قبل عشرين بلداً من أوروبا بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومصر.
.
واختتم هذا المؤتمر أعماله بتوقيع معاهدة برن 1874م، والتي تضمنت أول اتفاقية جماعية لتنظيم الخدمة البريدية الدولية ، وتأسيس الاتحاد البريدي العام، وحدد أول يوليو 1875م كتاريخ لبدء تنفيذ هذه الاتفاقية ..وبعد ثلاث سنوات من الاجتماعات المتواصلة وانضمام العديد من البلدان الأخرى أضفي على الاتحاد صفة العالمية فأضحي يسمي "الاتحاد البريدي العالمي".

الاتفاقية وتنظيم أعمال الاتحاد

أرست تلك الاتفاقية عدد من القواعد الأساسية كضمان حرية العبور للإرساليات البريدية ، ذلك باعتبار أن جميع البلدان الأعضاء يمثلون منطقة بريدية واحدة ، كما أنها وضعت إجراءات تحكيم لتسوية المنازعات بين الإدارات البريدية .
.
لضمان انتظام سير أعمال الاتحاد تم الاتفاق على إنشاء ثلاثة أجهزة هي :
المكتب الدولي : وهو جهاز دائم مقره العاصمة السويسرية برن، ويعمل كأمانة عامة للاتحاد ومهمته الرئيسية نشر وتوزيع المعلومات الخاصة بالمعاملات البريدية بين البلدان الأعضاء وإبداء الرأي فيما يقع حوله خلاف بين الإدارات التي تحتكم إليه، وكذلك دراسة الاقتراحات الخاصة بتعديل الاتفاقات البريدية.. وغيرها من الأعمال التي تسهم في توحيد الأعمال البريدية للعمل بنظام موحد يجعلها تسير في منظومة واحدة متكاملة .
مجلس الإدارة : وهو جهاز دائم يتكون من واحد واربعين عضواُ منتخباً على أساس جغرافي، يزاولون وظائفهم خلال المدة التي تفصل بين مؤتمرين متتابعين، يجتمع مرة كل عام في مقر الاتحاد ويقوم بدور ثلاثي فهو في آن واحد مجلس إدارة مكلف بضمان حسن سير الاتحاد ولجنة يكلفها المؤتمر بإجراء الدراسات وعرض التقارير بشأنها أمام المؤتمر العام وهو أيضاً جهاز تشريعي مختص في تحديد النظم التنفيذية وتعديلها .
مجلس الاستثمار: وهو جهاز دائم يتكون من أربعين عضواً منتخباً على أساس جغرافي، يزاولون وظائفهم خلال المدة التي تفصل بين مؤتمرين متتالين يجتمع مرة كل عام في مقر الاتحاد، وتكمن مهمته في دراسة المشاكل الفنية والاستثمارية والاقتصادية المتعلقة بالتعاون الفني الأكثر أهمية والمفيدة بالنسبة لجميع البلدان الأعضاء بالاتحاد، ووضع الآراء والحلول بشأنها .

الاتحاد والمنظمات الدولية الأخرى

منذ نشأة الاتحاد عام 1874م عقد نحو ثلاثة وعشرون مؤتمراً بصفة منتظمة كان آخرها مؤتمر بوخارست 2004م .. إلا أن مؤتمر باريس 1947م كان أهمها، حيث تقرر فيه توقيع اتفاقية تعترف بموجبها منظمة الأمم المتحدة بالاتحاد البريدي العالمي باعتباره المؤسسة المتخصصة المكلفة باتخاذ كافة التدابير المطابقة لوثيقته الدستورية لبلوغ الأهداف التي حددها لنفسه في هذه الوثيقة .. ومنذ ذلك التاريخ يعمل الاتحاد كمؤسسة متخصصة ضمن المجلس الاقتصادي والاجتماعي بمنظمة الأمم المتحدة، وتطبق عليه الاتفاق الخاص بمزايا وحصانات الأمم المتحدة سواء على أجهزة وموظفي الاتحاد أو ممثلي الدول الأعضاء والخبراء.
.
يدور تعاون الاتحاد البريدي العالمي مع منظمات الأمم المتحدة المختلفة من خلال لجان اتصال يؤسسها المجلس التنفيذي للاتحاد مع تلك المنظمات وذلك للتنسيق والتشاور للمسائل الجوهرية التي تقع في نطاق الأنشطة والتعاون الفني .. ويظهر ذلك بجلاء وكمثال للتعاون المثمر والدائم بين الاتحاد والاتحاد الدولي للنقل الجوي ومنظمة الطيران المدني، حيث تحتل مسائل البريد الجوي مكاناً هاماً في ظل الاعتماد الكلي على الطائرات في نقل الإرساليات البريدية .

الاتحاد وآفاق المستقبل

قد أدرك الاتحاد البريدي العالمي مهمته إزاء تعدد المشاكل التي طرأت من انضمام عدد كبير من البلدان النامية ، وتحول مهام البريد كقطاع خدمي إلى قطاع استثماري ، فكان لزاماً عليه أن يتجـاوز النطاق النمطي المحدد له بصفة تقليدية ليمنح عناية خاصة للاحتيـاجات الملحة للبلدان النامية وذلك بالاشتراك مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية لإدارة المشاريع التي يمولها بهدف تنمية وتطوير خدمات الإدارات البريدية بتقديم المعونة الفنية ومنح التأهيل والتدريب اللازمين ، واستكمال المعلومات المهنية والفنية لتلك البلدان.
.
يمكن القول أن نجاح الاتحاد البريدي العالمي في الاستمرار في مهامه الدولية كأعرق منظمة دولية متخصصة يرجع إلى أن المهمة التي يضطلع بها هي مهمة تقنية بالأساس، وأن الهدف الإنساني السامي الذي ينشده وهو خدمة الجمهور بتحسين طرائق الاستثمار فيه تحسيناً مضطرداً، كما أن التوسع في أعماله لم يجد الصعوبات التي يمكن مقارنتها بتلك التي تصادفها منظمات دولية أخرى ، وأن صفة العالمية وتعاونه مع العديد من المنظمات الدولية لا تتعارض مع مصالح البلدان الصناعية المتقدمة التي يعنيها بدرجة كبيرة تقدم وتحسن الخدمة البريدية في البلدان النامية .
.
وللحديث بقية ....

الجمعة، 18 أبريل 2008

البوسطجي الإلكتروني ..


يمكن القول أن أساس كلمة بوسطجي ترجع لخليط من لغتين من كلمة بوست ، وجي ... فكلمة "بوست" قيل أنها ترجع لأصول يونانية قديمة من كلمة Baredos أو أصول لاتينية من كلمة Vareidus، وقيل أيضاً أنها كلمة رومانية الأصل وكانت تطلق على الحظيرة وهي مكان استراحة الخيول والدواب، حيث أعتمد في السابق على نقل البريد بواسطة العربات والخيول التي تجرها .. وقيل كذلك أنها كلمة فارسية وتعني البريد على أساس أن الفرس أول من عرفوا النظم البريدية ... و" جي " حرفان من قواعد اللغة التركية يغيران معني الكلمة عند ارتباطهما بآخرها، فتعني المهنة، وقد إدخلت في اللغة العامية العربية خلال عهد الأتراك العثمانيين ..
.
فإذا البوسطجي هو الذي يقوم بمهنة توزيع البريد ، والجواهرجي هو من يقوم على صناعة الجواهر والصياغة ، والقهوجي الذي يقوم بالعمل في المقاهي ... وهكذا انتقلت كلمة البوسطجي من الغرب إلى لغتـنا العربية وأخذنا نستخدمها في مفرداتنا اليومية، كما استخدمنا كلمة بريد سابقاً، فنجد على سبيل المثال الأغنية الشهيرة للمطربة رجاء عبـده " البوسطجية أشتكوا من كتر مراسيلي" حيث تعتبر عرابة اغنيات البوسطجية في الوطـن العربي، وأغنــية فيــروز "ع هدير البوسطة"، والفيلم الشهير "البوسطجي" الذي يعتبر من أفضل مائة فيلم قدمتها السينما العربية، وأيضاً هناك فيلماً لبنانيا يتحدث عن الحرب الأهلية في لبنان يحمل عنوان "البوسطة".
.
البوسطجي الذي استمد هيبته علي مدار التاريخ من حيث كونه حامل البشارات والنذر فهو أحدى الشخصيات التاريخية، والتي تحولت حالياً الى شخصية فولكلورية .. قديما كان يسافر على جواده حاملا الرسائل من الملوك الى الملوك، أو حاملا نذر الحرب، أو حاملا العطايا والجزية، أو قادما من الباب العالي الى باقي دول الخلافة .. ومع ظهور طوابع البريد والطائرات والقطارات أصبحت مهمته قاصرة على التنقل داخل البلد، يحفظ شوارعها وبيوتها يعرف أولادها وبناتها ورجالها ونساءها بالاسم، فهو ملك الشارع بلا منازع، الذي يعرفه الناس ويتنظرونه في الفترات العصيبة، يحبونه إحياناً إذا ما أتي إليهم بالأخبار السارة، ويكرهونه أحياناً إذا ما جاء بالأخبار السئية ... يتهمون دائماً بالفضول والتلصص على أخبارهم.
.
كما أن شخصية البوسطجي ذخرت بالاهتمام من قبل الأدباء والشعراء، فالكاتب الراحل يحي حقي في قصته "دماء وطين" والتي تحولت إلى فيلم البوسطجي عام 1968 والذي قام بإخراجه المخرج الراحل حسين كمال وبطولة شكري سرحان وزيزي مصطفي وصلاح منصور يمثل منعطفاً تاريخياً لمهنة البوسطجي، حيث أظهر الفيلم البوسطجي "عباس افندي" والذي ينتقل من العمل بالقاهرة إلى العمل بقرية بصعيد مصر تسمي كوم النحل بصورة مخجلة بملابسة الحكومية الرثة، ومن كونه كان يعاقر الخمر ويتصفح المجلات الإباحية، وشغوف بالتلصص على الخطابات الصادرة والواردة لمعرفة أخبار أهالي القرية .. وفي نهاية الفيلم يعود "عباس أفندي أو شكري سرحان" الى القاهرة بعد أن يقوم بإلقاء عشرات الخطابات في الهواء مما يوحي للمشاهد بان تلك الجريمة سوف تتكرر كثيرا... كل ذلك أظهر وظيفة البوسطجي بمظهر أصبح متجذر في العقول بأنه غير مؤتمن على ما يحمله من رسائل وخطابات ..
.
ويذكرأن أشهر من عمل بوسطجيا، هو والد الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، والكاتب الروائي الكبير إبراهيم اصلان، حيث كتب عن فترة عمله رواية بعنوان «وردية ليل» .
.
وسيظل البوسطجي محفوراً في ذاكرة التاريخ رغم ما يعانيه الآن أصحاب المهنة من تقلص دورهم والشعور بذهاب ملك أجدادهم الغابر بسبب الهجمة الشرسة لوسائل الاتصالات الحديثة بتعدد أشكالها وتنوع أساليبها من هواتف محمولة وأنترنت ، فالبريد الإلكتروني أو ما يسمي في لغة الأنترنت "الإيميل" الذي يحمل بين طياته كماً كبيراً من الرسائل تتفاوت بين الوعظ الديني والإباحية المفرطة قائمة البريد الأكثر استخداماً وشيوعاً في عالمنا المعاصر، وخاصة بين شريحة كبيرة من الشباب، ناهيك عن كونه الآن الوسيلة الأكثر يسراً في مجالات العمل المختلفة، مما دعا مؤسسات البريد في محاولة لتعزيز دورها ومكانتها بتقديم خدماتها الجديدة كخدمة البريد الإلكتروني وخدمات الجيرو ... كما أن استحداث نظام الرقائق الإلكترونية التي تجتاح العالم سوف تحل مستقبلا محل طابع البريد وتضمن وصول الرسائل والطرود إلى العناوين بشكل أسرع وأرخص ..
.
ورغم أننا لن نمل من مشاهدة فيلم البوسطجي أو سماع أغنية "البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلي" إلا أن البوسطجية لم يشتكوا بعد الآن بعد أن صرعتهم وسائل الاتصال الحديثة بالضربة القاضية ..
.
وللحديث بقية أن شاء الله ...

الحمام الزاجل رسول الحرب والسلام ..


على ما يبدو كما ذكر في التوراة، أن أول رسالة غير مكتوبة عرفها التاريخ كانت الرسالة التي أرسلها نبي الله نوح عليه السلام، من فلكه الذي بحر في الطوفان، باحثاً عن الأرض التي يستطيع أن يرسو عليها بسفينته، فقام الحمام بتلك المهمة خير قيام وعاد وفي فمه غصن الزيتون، ومن هذا أصبح الحمام الزاجل وغصن الزيتون رمزاً للسلام ..
.
وقيل أن الرومان أول من استخدموا الحمام الزاجل في نقل الرسائل لأول مرة في الأغراض الحربية عام 24 قبل الميلاد، عندما حاصرت جيوش القائد الروماني "مارك انطونيو" قوات القائد "بروتس" في مدينة فودليا ، إلا أن القائد المحاصر استطاع من خلال رسائله بالحمام الزاجل أن يكون على اتصال دائم لإطلاعه قائده أكتافيوس الثالث بصموده في وجه الحصار .
.
أما العرب فلهم تاريخ طويل وحافل مع الحمام الزاجل، فهم من أوائل الأمم التي عرفت أهميته وتربيته وأهتمت بانسابه ووضعت الكتب والدراسات في طبائعه وإنسابه وأمراضه وطرق علاجه .. وكان البريد الذي أسسوه يعتمد على الخيل والجمال والبغال وتبادل الاشارات بالنيران والدخان والطبول والمرايا في إرسال الأخبار والمعلومات العسكرية من والى مركز الخلافة ، ومع اتساع رقعة الخلافة الاسلامية وزيادة الحروب والفتوحات، أصبح لابد من وسيلة أكثر كفاءة وسرعة لضمان أقصى فاعلية ، لذلك ادخل الخلفاء العباسيون استخدام الحمام الزاجل في البريد لما يمتاز به من سرعة فائقة وسهولة في إعادة نقله إلى الأماكن التي ستطلقه مرة اخرى .
.
ويروى أن أول خبر هام نقله الحمام الزاجل كان للخليفة العباسي المعتصم بالله علم بانتصار جيشه على" بابك الخرمي" وأسره عن طريق الحمام الزاجل الذي أطلقه قائد الجيش من جهة المعركة إلى دار الخلافة في سامراء.. وقد وصل ثمن الطائر منه في ذلك الوقت إلى 700 دينار وبيعت حمامة منه في خليج القسطنطينية بألف دينار.. لكن الفاطميين تجاوزوا العباسيين باهتمامهم بهذا النوع من الحمام بابتكارهم الوسائل للتغلب على امكانية وقوعه بأيدي العدو باستحداث رسائل مرموزة "مشفرة" لا يستطيع العدو التوصل لمعناها ... وفي أثناء الحروب الصليبية استخدم الإيوبيون الحمام الزاجل للاتصال بالمسلمين المحاصرين بمدينة عكا عام 1190، وعنهم أخذه الصليبيون ونقلوه إلى أوروبا حيث استخدم في نقل المعلومات العسكرية ...
.
وفي عصر الدولة النورية عمم السلطان نور الدين محمود زنكي استخدام الحمام الزاجل في إرجاء مملكته بمصر والشام وزاد الاهتمام به في عصر الدولة الإيوبية واستخدمه السلطان الظاهر بيبرس وأعتمد عليه في ربط جميع أجزاء دولته بشبكة محكمة من الاتصالات الجوية، وكان التراسل يتم باسلوب خاص فالأخبار تكتب على بطاقة ورقية رقيقة جدا تعرف باسم ورق الطير، وكانت الرسائل تعطر إذا كانت تتضمن إنباء سارة ، أما الرسائل التي كانت تحتوي إنباء سيئة فكان الحمام الذي كان ينقلها يسود ريشه بالسخام ، وكانت هذه الرسائل تكتب بخط دقيق عرف بالغبار وبإيجاز واختصار شديد جداً أشبة ما تكون بالبرقيات في الوقت الحاضر وتؤرخ بالساعة واليوم فقط ، وكانت الرسالة صغيرة جداً تثبت عادة بخيط رفيع تحت جناح الطائر، وذلك لقوة جناح الطائر من جهة وخوفاً من أن تتعرض الرسالة للمطر .. وكانت العادة أن يسرح طائران في الرسالة الواحدة ، بحيث يطير الثاني بعد الأول بساعتين ضماناً لوصول الرسالة ..
.
ولعل عبارات مثل "طير برقية" و "على الطائر الميمون" و "على جناح السرعة" هي مما وصلنا من عبارات ترجع إلى أهمية هذا الطائر ، كما أن المكتبة العربية تذخر بعشرات الكتب والمخطوطات وإشارات لمصنفين بكتبهم كالجاحظ وابن النديم والقلقشندي والمقريزي وغيرهم ، تظهر الاهتمام بالحمام الزاجل واستخدامه في نقل الأنباء والأخبار على وجه السرعة بالبلاد الإسلامية خلال القرون الوسطي وهو أشبه ما يكون بدور البريد الجوي في وقتنا هذا ...
.
ويبدو أن استعمال الحمام الزاجل لم ينقطع يوماً ، حيث تؤكد الوثائق التاريخية أنه أثناء الحرب الفرنسية عام 1871، وحصار العاصمة باريس لمدة أشهر ، لم يكن بوسع الفرنسيين إلا أن يعتمدوا على الحمام الزاجل في إرسال نحو 150 الف رسالة ... وفي عام 1878 أنشأ الجيش الأمريكي سلاح الإشارة الزاجلي أسوة بنفس السلاح في الجيش الألماني، ووصل عدد الجنود الذين خدموا في هذا السلاح نحو ثلاثة الآف جندي وصف ، وما يقرب من 50 ضابطاً برتب مختلفة ... كما ثبت من الإحصاءات التي أجريت خلال الحرب العالمية الثانية أن استخدام الحمام الزاجل نجح بنسبة 99% في نقل الرسائل رغم شدة نيران الحرب ومخاطر الطيران ..
.
وحديثاً استخدمته القوات الأمريكية في حرب تحرير الكويت، وفي غزو العراق حيث استغرب كثير من الناس وصول أعداد كبيرة من هذه الطيور الرائعة إلي الكويت قبل شهر من بدء الحرب، إلا أن ملابسات استخدامه أوضحه العقيد دان واللاس المسئول عن أجهزة استشعار الغازات والبيولوجيات والأشعة النووية بالبحرية الأمريكية والملقب بالجيش الأمريكي "أبو الحمام" بأن سلاح الحمام قد يثير الضحك لمن يجهلونه ، إلا أنه سلاح جدي وفعال فهو أكثر حساسية من الإنسان وما أخترعه من أجهزة استشعار، واصفاً الحمام بأنه كتلة من لحم ودم وأعصاب قادرة على استشعار متقدم أكثر من أي تكنولوجيا نحملها معنا لكشف ما قد يطلق من غازات سامة أو اسلحة بيولوجية وكيمائية ..
.
ونظراً لما أثير حول الحمام الزاجل في الحروب فقد عرضت وكالة المخابرات الأمريكية في ديسمبر 2003 بمتحف خاص لأقدم مبتكراتها التكنولوجية السرية بمناسبة الذكري الأربعين لتأسيس دائرة العلوم والتكنولوجيا التابعة للوكالة أحدث كاميرات صغيرة لا تزن أكثر من وزن قطعتين من النقود المعدنية، استخدمت بحرب فيتنام بشدها على بطون الحمام الزاجل .. ولا تسمح الوكالة بزيارة هذا المتحف إلا لمنتسبيها وبعض الزائرين حيث مازال يكتنف الغموض تلك المبتكرات، إذ لا يعرف المهمات التي أداها الحمام الزاجل خلال تلك الفترة لأنها لا تزال "معلومات مصنفة" أي سرية .. كما أظهرت بعض ملفات المخابرات البريطانية أن بريطانيا درست إمكانية تدريب واستخدام الحمام الزاجل لنقل أسلحة بيولوجية بعد الحرب العالمية الثانية ، بعد نجاحه في نقل آلاف الرسائل أثناء الحرب العالمية الثانية ، حيث استخدمت بريطانيا قرابة نحو 250 ألف حمامة لنقل رسائلها أثناء الحرب ...
.
كما أن السلطات الأمنية المصرية كشفت في يناير 2004 عن إلقاء القبض على تنظيم أصولي باسم "جند الله" ضم نحو 43 عضواً يتزعمهم مهندس كمبيوتر بتهمة التخطيط لعمليات ضد سفارتي الولايات المتحدة وإسرائيل في القاهرة وبعض المنشآت الحيوية الأخري لتفجيرها عبر إسقاط متفجرات بواسطة الحمام الزاجل ... حيث قامو بالتدريب على ذلك بصحراء بلبيس بمحافظة الشرقية، وتم كشف النقاب عن مركبات كيمائية شديدة الإنفجار كانت معدة لذلك .
.
ومازل العلماء يستغرقون في البحث عن تفسير علمي لقدرة تلك الطيور، فقد إفادت دراسة حديثة من بعض الباحثين بجامعة فرانكفورت الألمانية على فهم ظاهرة الملاحة عند الحمام الزاجل الذي لا يضل السبيل ولا يخطئ الهدف إلا إذا تعرض لكارثة غالبا، وقد كان المعروف منذ زمن بعيد أن الطيور ومن ضمنها الحمام الزاجل يهتدي السبيل بفضل ما يعرف بالبوصلة الكيميائية التي تعتمد على قوة الملاحظة وعلى الذاكرة الجغرافية عند هذه الطيور، إلا أن الباحثين الألمان وجدوا عند الحمام الزاجل وفي الخلايا العصبية عند مقدمة المنقار جزيئات مغناطيسية نانومترية من صنفين مختلفين من الحديد الممغنط تضمن له وسيلة أخرى للملاحة الجوية بالاعتماد على المجال المغناطيسي الأرضي . ويقول الباحثون الألمان إن بعض الطيور ومن ضمنها الحمام الزاجل يحوي في جمجمة الرأس نظاما لضبط موقعه بالمقارنة مع موقع معين على الخريطة الجغرافية يشبه نظام الأقمار الصناعية المصممة لهذا الهدف. وقد وجد الباحثون الألمان أن حساسية هذا النظام في رأس الحمام تجاه أية تقلبات في شدة المجال المغناطيسي الأرضي مهما كانت ضعيفة لا تذكر هي حساسية دقيقة تساعده على المقارنة بين شدة المجال المغناطيسي في أرض غربته وشدته في موطنه الأصلي وعلى التوجه هكذا إلى أرضه في اللحظة المطلوبة ... كما أن علماء بريطانيون بجامعة أكسفورد أثبتوا أن الحمام الزاجل يستفيد من المعالم الحضارية التي وضعها الإنسان مثل الطرق السريعة والإستدارات والسكك الحديدية وإشارات المرور وبتوظيف مزيجاً من تلك السبل للوصول إلى هدفه والرجوع لى موطنه ...
.
ولا يزال الحمام الزاجل موضع اهتمام علماء الأرصاد والجيولوجيا للاستفادة من قدرته على توفير النفقات التي تتطلبها الأجهزة الجيولوجية مثل الأقمار الصناعية والطائرات وأجهزة الكشف بالأشعة تحت الحمراء حيث تستطيع حمامة واحدة بجهازها الملاحي الفريد أن ترشد بحاستها التي لا تخطئ إلى كثير مما نبحث عنه وتوفر الكثير من النفقات ، كما أنه محل أهتمام بالغ للعديد من الهواه، وجمعيات واتحادات تنظم له السباقات وتهتم بشئون ، وتعتبر بلجيكا أشهر البلدان على مستوي العالم في تنظيم سباقات الحمام الزاجل، ويجد بها مقر الاتحاد الدولي للحمام الزاجل .
.
والحمام الزاجل وهو سيد الحمام بلا منازع لما لديه من غريزة حب لموطنه والعودة إليه مهما بعدت المسافات الشاسعة التي يقطعها، وكذلك رمزيته للحب وتواعد العشاق ، وما يقدمه لخدمات جليلة أثناء الحروب ، إلا أن هواة الحمام الزاجل ومحبيه يشيرون بأصابع الاتهام لما يحدق بهذه الطيور الرائعة سواء من سواري الاتصالات المستعملة للهواتف النقالة وما يصدر منها من موجات كهرومغاطيسية تفقد صواب تلك الطيور وتضطرها لتغيير مساراتها التي اعتادت عليها ، أو ما يشاع من انتشار مرض انفلونزا الطيور .. الأمر الذي يدعو للسخرية بأن يصبح هذا الطائر الرائع ضحية لعدو مجهول !!
.
وللحديث بقية أن شاء الله ...

الخميس، 17 أبريل 2008

قطر تطلب استضافة مؤتمر البريد العالمي 2012

.
نشرت صحيفة الشرق القطرية مؤخراً نبأ قيام دولة قطر بتقديم ملفها لاستضافة مؤتمر البريد العالمي ، الدوحة 2012 .. وبهذه المناسبة نظمت البعثة الدبلوماسية القطرية في فبراير الماضي حفل استقبال بمقر اتحاد البريدي العالمي بالعاصمة السويسرية برعاية سعادة السفير عبد الله فلاح الدوسري ، سفير قطر الدائم لدي مكتب الأمم المتحدة في جنيف .. وحضره جميع أعضاء الاتحاد ، في مقدمتهم السيد ادوارد ديان، المدير العام... وغبريال ماتسكو، رئيس مجلس الإدارة... ومايكل ريغان، رئيس مجلس الاستثمار... وحضره من البريد القطري السيد علي محمد العلي ، رئيس المؤسسة والمدير العام والسيد عبد الله شلاش الهاجري، رئيس العلاقات العامة والسيد جاسم هزيم المالكي ، رئيس وحدة العلاقات الدولية .
.
ورغم نجاح قطر في استضافة العديد من المؤتمرات والفعاليات الدولية والمنتديات خلال الفترة الأخيرة وانفتاحها نحو التعاون في المحافل الدولية، وظهورها بمظهر حضاري وراقي جداً في تقديم كافة التسهيلات والإمكانيات في ضيافة تلك الوفود ... إلا أن عملية الاختيار سوف تتم خلال انعقاد المؤتمر القادم بجنيف 2008 وبمنافسة شديدة من استراليا من خلال تصويت 191 دولة عضواً بالاتحاد ... وهو ما يدعونا للقلق إذا ما رجعنا بنظرة تاريخية لانعقاد تلك المؤتمرات منذ انعقاد المؤتمر الأول في برن عام 1874، حيث نالت البلدان الأوروبية من استضافتها نصيب الأسد ، حيث عقد بالعواصم الأوروبية نحـو أربـعة عشر مؤتمـرا ً ( برن 1874/ باريس 1878/ لشبونة 1885/ فيينا 1891/ روما 1906/ مدريد 1920/ ستوكهولم 1924/ لندن 1929/ باريس 1947/ بروكسل 1952/ فيينا 1964/ لوزان 1974/ هامبورج 1984/ بوخارست 2004) كما سيعقد المؤتمر الرابع والعشرون بمدينة جنيف السويسرية خلال الفترة من 28 يوليو إلى 13 أغسطس 2008، بعد أن كان مقرر عقده بمدينة نيروبي الكينية ، كما نالت البلـدان الأمريكـية تنظيم خمس مؤتمـرات (واشنطن 1897/ بوينس أيرس 1939/ أوتاوة 1957/ ريو دي جانيرو 1979/ واشنطن 1989) والبلدان الآسيوية ثلاثة مؤتمرات ( طوكيو 1969/ سيول 1994/ بكين 1999) ... بينما لم تنل البلدان العربية والأفريقية إلا شرف استضافة هذا المؤتمر عام 1934 بالقاهرة ..
.
ويذكر أن مؤتمر البريد العالمي يعقد كل أربع سنوات، وهو السلطة العليا للاتحاد، ويجمع مفوضين من جميع الدول الأعضاء ، ويناقش كافة القضايا البريدية المطروحة ، ويتم من خلاله انتخاب المدير العام ونائبه ، فضلا عن انتخاب أعضاء مجلس الإدارة ومجلس الاستثمار .. أما مؤسسة البريد القطرية فهي تحظي باحترام وتقدير المؤسسات الدولية حيث أنضمت عام 1966 للاتحاد البريد العالمي، وهي عضو ناشط وفاعل باللجنة العربية الدائمة للبريد وباللجنة التوجيهية لبريد دول مجلس التعاون الخليجي ... ونحن على يقين أن مؤسسة البريد القطري وجميع مسئوليها سوف يبذلون قصارى جهدهم لنيل شرف تلك الاستضافة ، التي ستمثل حدثاً مهماً لكافة الإدارات البريدية العربية، وهذا يلزمنا بالتذكير بدعوة كافة المسئولين بالإدارات البريدية العربية بمزيد من الجهد والاتصال المستمر بكافة الإدارات البريدية خاصة البلدان الأفريقية التي حرمت شرف استضافة المؤتمر بنيروبي 2008 والبلدان الآسيوية ، وكذلك بالاتحادات البريدية المحدودة، لدعم موقف دولة قطر الشقيقة في هذا الحدث ، كما نأمل أن تلعب الدبلوماسية العربية دوراً بالتنسيق والتشاور مع كافة البلدان حتى نضمن تصويت تلك البلدان لجانب دولة قطر في المؤتمر القادم ..
.
تمنياتي لمؤسسة البريد القطري كل التوفيق ..

المواقع الإلكترونية للادارات البريدية العربية

.
أصبح تعبير الفجوة الرقمية من أكثر التعبيرات الشائعة خلال السنوات القليلة الماضية، وهو تعبير يُستخدم للدلالة على الهوة التي تفصل بين من يمتلكون المعرفة والقدرة على استخدام تقنيات المعلومات والكومبيوتر والإنترنت، وبين من لا يمتلكون مثل هذه المعرفة أو تلك القدرة، ذلك أن المجتمع العربي أصبح ينقسم على هذا النحو، بالإضافة إلى انقساماته التقليدية الأخرى على أسس طبقية واجتماعية واقتصادية ... والمجتمع البريدي العربي يعاني واقعاً مؤلماً، بسبب تزايد تلك الفجوة، فمازالت الإدارات البريدية العربية متأخرة في النفوذ المعلوماتي والاستفادة من التقدم التكنولوجي .
.
ويبدو أن بعض الإدارات البريدية العربية قد تنبهت لأهمية أن تحدد مواقفها وفق رؤية واستراتيجة متكاملة وذلك من خلال المشاركة بالمؤتمرات الدولية الخاصة بتكنولوجيا المعلومات، كما شرعت في إنشاء مواقع إلكترونية لأطفاء مزيد من الضوء على ما تقدمه من خدمات بريدية ومالية متطورة، ونورد راوبط هذه المواقع بالترتيب : إدارة بريد مصر / إدارة بريد الإردن / إدارة بريد اليمن / إدارة بريد لبنان / إدارة بريد سوريا / إدارة بريد تونس/ إدارة بريد الجزائر / إدارة المغرب / إدارة بريد مورتنانيا / إدارة بريد الكويت / إدارة بريد قطر / إدارة بريد السعودية / إدارة بريد الإمارات / إدارة بريد عمان / إدارة بريد البحرين .
.
ولمزيد من الفائدة ، نذكر بالرابط الشبكي لموقع الاتحاد البريد العالمي / ورابط موقع وزارء الاتصالات العرب / ورابط المواقع الإلكترونية للبلدان الأجنبية ... كما نود التنوية لعدم الاهتداء لمواقع البريد الليبي والسوداني والعراقي ..
.
ونترك للقارئ بذكائه وفطنته إدراكه للتباين الواضح بين تلك المواقع ومدي إهتمام الإدارة المشرفة على تحريره وتحديثه ...
http://www.egyptpost.org /

وللحديث بقية ...

الأربعاء، 16 أبريل 2008

البريد الدولي المصري .. الريـــادة والتطــور (ذكـري تصدير أول إرسالية بريدية مصرية بالطائرة)



حفل تاريخ البريد بوسائل نقـل عديدة عبر السنون، كان الهـدف الرئيسي من استخدام تلك الوسائل هو الوصــول للسرعة القصــوي لنقـل الإرساليات البريدية، مع ضمــان انتظــام وأمــان تلك المواد البريدية .



محمد على مؤسس البريد المصري

كان الأتراك في مصر قبل عهد "محمد على باشا" يعتقدون أن الطرق الممهدة تساعد على نقل المدافع والذخيرة، فيتمكن العدو من غزو بلادهم، بيد أن "محمد على باشا" لم يأخذ بهذا الرأي، فكان أول من أنشئ الطرق ونظم المواصـلات ليتسنى له السيطرة على شئـون الدولة، وبذل عناية خاصة لجعل مصر طريقاً للبريد الدولي، فأنشأ مصلحة باسم "مصلحة المرور" وأهتم بإنشاء محطات للبريد بين العاصمة وأهم مراكز القطر المصري.


وكانت الرسائل المصدرة للخارج في ذلك الوقت تسلم إلى ربابنة السفن أو ترسل عن طريق قناصل الدول أو مكاتب البريد الأجنبية التي أتسع عددها نتيجة لازدياد الجاليات الأجنبية في مصر وقوانين الامتياز التي يتحصنون بها... أما الرسائل الخارجية الواردة فكانت ترد ضمن بريد القناصل في القاهرة والإسكندرية، فيتولى هؤلاء مهمة توزيعها على أصحابها.


سيطرة الأجانب على أنشطة البريد الدولي

يعتبر "كارلو ميراتي" وهو من أصل إيطالي أول من أنشئ إدارة بريد خاصة بمدينة الإسكندرية لتصدير واستلام الخطابات المتبادلة مع البلدان الأجنبية نظير أجر معتدل، مما جعله يلاقي إقبـالا كبيراً شجعه على التوسع في أعماله ... ثم تولي الشركة رجل يدعي "تيتوكيني" عام 1257هـ الموافق 1842م بعد موت "ميراتي" فشارك صـديقاً له يدعي "موتسي" فنهض بالمشروع خلال سنوات قليلة حتى وطده على أقوي الأسس وعرفت بشركة "البوستة الأوروبية".


وفي عام 1278 هـ الموافق 1862م قامت الحكومة المصرية بإلغاء جميع المكاتب البريدية الأجنبية المتواجدة في القاهرة والإسكندرية وبورسعيد بصفة نهائية، ومنحت شركة "البوستة الأوربية" امتيازاً لمدة عشر سنوات يخولها الحق في نقل إرساليات البريد مجاناً على خطوط السكك الحديدية التي أنشئت في ذلك الوقت، وذلك مقابل تعهد الشركة بنقل الإرساليات الحكومية مجاناً، وكانت تلك الشركة ترسل البريد إلى الهند والشرق الأقصى مرة كل شهر تقريباَ.


إلا أنه في عام 1281 هـ الموافق 1865م شعر "الخديو إسماعيل" بأهمية تلك الشركة، والذي كان يسعي لهيمنة حكومته على جميع المشروعات الهامة التي تتصل بالمدنية والعمران، فقام بشراء الشركة بجميع فروعها المنتشرة بالقطر المصري وقام بتعين "موتسي بك" كأول مدير عام لمصلحة البريد المصري تكريماً واعترافاً بخدماته الجليلة في تطوير البريد في مصر.


البريد المصري يشارك في تأسيس الاتحاد العالمي

لأهمية موقع مصر الجغرافي باعتبارها حلقة وصل بين الشرق والغرب، شاركت الحكومة المصرية مع بعض البلدان الأوروبية الناهضة في عقد أول مؤتمر دولي للبريد بمدينة برن السويسرية عام 1290هـ الموافق 1874م ، حيث اختتم أعماله بتوقيع أول اتفاقية جماعية لتنظيم الخدمة البريدية الدولية وتأسيس الاتحاد البريدي العالمي، الذي أرسي مبدأ هاماً في ضمان حرية عبور الإرساليات البريدية بين البلدان باعتبار أنهم يمثلون منطقة بريدية واحدة.


وفي عام 1296هـ الموافق 1879م قامت الحكومة المصرية بإنشاء "مصلحة وابورات البوستة الخديوية" وأسندت مهمة تنظيم هذه المصلحة إلى "مسيو كليار" حيث هيمنت هذه المصلحة على إدارة الأسطول التجاري بين الإسكندرية والآستانة، وقامت بإدارة كافة المكاتب البريدية المنتشرة في جدة وأزمير وبيروت وسالونيك وطرابلس من أجل الحفاظ على الخدمة البريدية بالدولة التركية.



إلا أنه في عام 1315هـ الموافق 1898م تم بيع هذا الأسطول بجميع ملحقاته من أراضي وأحواض ومكاتب لشركة "آلن والدرسون" نظير مبلغ 150 ألف جنية، واتفقت الحكومة مع الشركة على أن تنقل البريد المصري بواسطة بواخرها نظير أجر سنوي قدره ستة آلاف جنية لمدة خمسة عشر عاماً اعتباراً من نهاية عام 1332هـ الموافق 1914م ولم تجدد الحكومة هذا العقد بانتهاء مدته في عام 1348هـ الموافق 1930م، حيث قامت بالاتفاق مع عدة شركات بواخر عالمية أخرى، وشرعت في استخدام وسائل أكثر تطوراً في نقل الإرساليات البريدية.


البريد الدولي المصري ينقل بالطائرات

وأخذاً بسنة الترقي، ورغبة في تمكين الجمهور من الانتفاع بكل وسيلة جديدة من وسائل النقل السريع، فقررت مصلحة البريد القيام باستخدام الطائرات في نقل الإرساليات البريدية فاتفقت مع فرقة الطيران الملكية البريطانية التي قامت بنقل أول إرسالية بريدية عادية على متن رحلاتها من القاهرة إلى بغداد في ذي الحجة 1339هـ الموافق أغسطس 1921م.

وكان البريد الجوي يسافر من مطار هليوبوليس مرة كل أسبوع ، وكان الرسم الإضافي لكل رسالة بريدية 25 مليماً .. وفي عام 1344هـ الموافق 1926م حلت شركة الطرق الجوية الإمبراطورية محل فرقة الطيران الملكية وجعلت السفريات أسبوعية، ومد الخط الجوي إلى البصرة ثم إلى كراتشي.


وفي عام 1347هـ الموافق 1929م أنشئ أول خط جوي بين القطر المصري ولندن، فكانت الطائرات تبرح مدينة الإسكندرية أسبوعياً إلى جنوه ومنها ينقل البريد الدولي إلى بال بالسكة الحديد، ثم بالطائرات مرة أخري إلى لندن، فيصل في اليوم الخامس لتصديره ॥ ثم ما لبث أن تعددت خطوط البريد الجوي بعد ذلك بالتدريج فاستخدم الخط الجوي بين الإسكندرية ولندن عن طريق وسط أوروبا لنقل جميع المراسلات، وأعقب ذلك خطاً جوياً بين القاهرة وكل من أثينا وأمستردام.



وفي عام 1350هـ الموافق 1932م تأسست شركة مصر للطيران وتعددت رحلاتها الجوية للعديد من البلدان العربية والأجنبية، فزاد الاعتماد عليها في نقل الإرساليات البريدية خاصة بعد الحرب العالمية الثانية وانضواء معظم شركات الطيران تحت مظلة الاتحاد الدولي للنقل الجوي وتنسيقه المستمر مع الاتحاد البريدي العالمي في إعطاء الأولوية المطلقة في نقل الإرساليات البريدية عبر رحلات تلك الشركات.



وتدريجياً حلت شركات الطيران محل كافة وسائل نقل البريد الدولي التقليدية، باعتباره الأسرع والأكثر أماناً، مما حذا بإدارة البريد المصري كذلك بالاعتماد عليه بشكل رئيسي خلال الخمسون عاماً الماضية في تصدير الإرساليات البريدية لأكثر من مائة وعشرين بلداً سواء بالطريق الجوي المباشر أو الغير مباشر عبر مطارات وسيطة ، ويتم ذلك من خلال القيام بإعداد أجندة لرحلات الطيران الجوية مرتين سنوياً خلال موسمي الصيف والشتاء من واقع جداول رحلات شركات الطيران الناقلة وجداول رحلات الاتحاد الدولي للنقل الجوي OAG، وذلك لتنظيم تصدير الإرساليات البريدية بطريقة يومية وفق نظام محكم يتسم بالدقة مع مواعيد إقلاع الطائرات من مطار القاهرة، ومطابقة القواعد والمعايير الدولية التي حددها الاتحاد البريدي العالمي، كما تقوم إدارة البريد المصري بإعادة ترحيل عشرات الإرساليات التي ترد إليها بالمرور عبر مطار القاهرة، وذلك تحقيقاً لشمولية الشبكة البريدية الدولية.

.
وللحديث بقية أن شاء الله ...
ashraf_mojahed63@yahoo.com