الخميس، 26 أغسطس 2010

إخـوان البريــد !!..


في اعتقادي أن مسلسل " الجمـاعة " الذي يعرض حالياً لم يحقق النجاح أو الضجة الإعلامية التي أرادها مؤلفه وحيـد حـامد، ذلك أن الروايـات والأحـداث التي أوردهـا لم تكن بالصـورة الإيجـابية أو المحـايدة لسيرة الشيخ الأمـام حسن البنـا رحمه الله... فأقل ما يمكن أن يقـال عن الاتهامات بنشأته العنيفة، وبلاغته في التأثيرعلى الناس، وقبوله أموالاً من الخارج لتمويل دعوته من الأجانب والمملكة العربية السعودية، أو تطويعه لبعض نصوص الشريعة في سبيل إظهار دعوته، إتباعاً لمقولة الغاية تبرر الوسيلة، وغيرها من اتهامات، جميعها يضحضحها أمراً واحداًً، هو صدق دعوته وإخلاصه مع الله الذي جعل آلاف، بل الملايين في مصر والعالم الإسلامي وخاصة المتعلمين والمثقفين منهم من إنتهاج دعوته والسير على خطاه وتدوين رسائله وخطبه، رغم مرور ما يقرب من ستة عقود على وفاته وما تلاقيه دعوته من ملاحقات أمنية وتضليل إعلامي مستمر محلياً ودولياً.
.
بيد أن ثمة إنزعاج واضح بزعم من المؤلف بوجود الإخوان وانتشارهم في مجمل نواحي حياتنا، في الجيش والشرطة والهيئات الحكومية وحتى داخل الحزب الوطني ذاته، أمر مناصه الاستعداء وأخذ مزيد من الحذر واستنهاض الهمم تجاه هذا الفصيل، هذا الزعم أفصح عن سؤال يعنيني بحكم إنتمائي للبريد المصري ومهتم بشئونه وتاريخه وتطوره وأيضاً بسير رجاله وقياداته...هل كان في البريد المصري إخوان مسلمون قديماً؟!.. وهل يوجد الآن؟!..
.
أعتقد أن الإجابة لن تخرج عن كونها تحليلا لمجريات الأحداث، ولن تكون استنساخاً من مراجع أو تحقيقا لروايات أو شهادات... فثمة أسباب عدة منعت هؤلاء الإخوان من العمل في البريد المصري بصورة منظمة أو جماعية، شأنها في ذلك شأن معظم الوزارات والهيئات الحكومية، وأن زادت تلك الأسباب بخصوصية عمل البريد تحديداً... فأول تلك الأسباب هو ما لاقاه الإخوان من اضطهاد حكومي قبل ثورة يوليو 1952 بالنفي والتشريد والفصل أحياناً من العمل بالجهات الحكومية، خاصة كلما جاء حزب الوفد للسلطة، حيث كان من مبادئه أن يأتي ويأتي معه كبار موظفي الدولة من عائلات وفدية أو من المقربين منهم، مما دفع الشيخ حسن البنا رحمه الله بمناشدة جموع الإخوان بالاعتماد على العمل الحر بعيداً عن التقيد بالوظائف الحكومية، حتى لا تقع أرزاقهم محل ضغط أو ريبة في دينهم... أما السبب الثاني متعلق بخصوصية عمل البريد في احتوائه لصندوق التوفير، وكثيراً من الإخوان يعتقدون بحرمانية فوائده والعمل في كل ما يتعلق بربوية أمواله، ومن ثم كان الابتعاد عن العمل بالبريد المصري أمراً منطقياً لدرء الشبهات، وهذا يفسر بشكل كبير تغلغل الأقباط وتقلدهم معظم الوظائف ذات الطابع المالي من وكلاء مكاتب أو وكلاء ماليين أو خزن وغيرها.
.
أما بعد الثورة، وخاصة بعد حادث المنشية عام 1954 فكان إنسحاب الإخوان أمراً طبيعياً في ظل الملاحقات الأمنية والتشويش الإعلامي الذي أستمر لأوائل السبعينيات، حيث سمح لهم الرئيس السادات بمزاولة نشاطات محدودة، لم تخرج عن بعض الأعمال والأنشطة الاقتصادية الخاصة، والتي في أعتقادي أن تلك الأعمال أثمرت عن نجاحات أكبر بكثير من النجاحات التي كان يمكن تحقيقها لو تركوا للانخراط في سلك الوظائف الإدارية بالدولة بقيودها العقيمة ورواتبها الضئيلة.
.
الحال لم يتغير كثيرا خلال الثمانينات والتسعينات، فالانخراط داخل الجهاز الإداري للدولة أصبح تحكمه قواعد وأسس وموافقات أمنية تمنع بالأساس إقتراب هؤلاء الإخوان من الوظائف الحكومية، ناهيك بالطبع عن الالتحاق بالجيش والشرطة والوظائف الدبلوماسية والقضائية، فتلك الوظائف أصبحت ذات طابع سياسي بالدرجة الأولي، فالكل يعرف أن من ضمن أوارق التعيين أن وجد أصلاً، وتم الإعلان عن مسابقة لوظيفة ما، أن ثمة استمارات بحث يتم بموجبها التحقق أمنياً وسياسياً من المتقدم لشاغلي تلك الوظيفة، ويتم استبعاد من وجد على ثوبه غباراً أمنياً أو سياسياً...
.
الخلاصـة، أنه لا إخـوان مسلمون في البريد المصري سواء قديماً أو حديثاُ، ولن يكون في المنظور القريب، اللهم نفر غير معلن، فالعاملون في البريد المصري لم يكونوا في يوم من الأيام إخوان، بل دائمون ومؤقتون، سعاه ومديرون، موظفون ومستشارون!!..
.
وللحديث بقية أن شاء الله...
Ashraf_mojahed63@yahoo.com

الثلاثاء، 24 أغسطس 2010

البريد المصري في اليوم السابع!!..


" اليــوم السـابع " صحيفة إخبارية إلكترونية يومية، تصدر عن الشركة المصرية للصحافة والنشر والإعلان، حققت نجاح غير مسبوق خلال فترة وجيزة من صدورها... ورغم عدم تقبلي لبعض الأخبار والمقالات التي ترد بها، والتي عادة ما تحوي نوعاً من الإثارة، كأخبار الجرائم، وتطاحن بعض المسلمين والأقباط بزواجهم وتحولهم الديني، وكذلك لتجاهلها عمداً عن بعض الأخبار الهامة كأخبار الشأن الداخلي من انتخابات وتزوير والانبطاح المجتمعي، إلا أنها أصبحت دون إدراك افتتاحية ما أتصفحه يومياً على شبكة الانترنت، ربما لتتابع أخبارها على مدار اليوم أو الإثارة التي تحدثها بأخبارها ومقالات بعض كتابها...
.
وبعيداً عن التوجهات الصحفية أو السياسية لتلك الصحيفة، أو الخوض في إيديولوجيتها ونهجها الفكري، وما تثيره أحياناً من تخبط في بعض الرموز الإسلامية، وصل مداه ما كانت تستعد له من نشر رواية ذات افتتاحيات تسئ للرسول الكريم صلي الله عليه وسلم وتراجعها السريع عن ذلك... وبعيداً أيضاً عن سياستها التحريرية وأفكار كتابها وحريتهم الإبداعية والثقافية، أجد نفسي غير مكتوف عن سؤالاً هاماً في عالم ومهنة الصحافة، إلا وهو مصدر تمويلها؟!.. فمن أين تمول تلك الصحيفة الأخبارية وموقعها لا يبث إعلاناً واحداً، ويعمل بها كتيبة من الصحفيين والمحررين والإعلاميين ؟!..
.
من العنوان تجد الإجابة!!.. فالبريد المصري أتصوره رافداً من روافد هذا التمويل، فالاهتمام البالغ والمتزايد لأخبار البريد المصري على موقع اليوم السابع يبعث على الحيرة والفضول، فالازدواجية في نشر أخباره، والتكرار الغير مبرر بسبب وبدون سبب، وضحالة بعض تلك الأخبار يرسخ مفهوم الصحافة الإعلانية لا الصحافة الإعلامية!!.. أربعون خبراً تم نشرها عن البريد المصري خلال أربعة أشهر، من أول إبريل حتى نهاية يوليو 2010، وكأن البريد المصري أصبح بؤرة الأحداث، ومرتكز قضايا الوطن والمواطن... فالتكرار والتناقض في تصريحات مسئوليه والاستنساخ من بعض الصحف ووكالات الأنباء أصبح النمط المتكرر والمنتظم للصحيفة...
.
أمثلة عدة أسوقها للدلالة على تكرار نشر مضمون نفس الخبر وبعنوان وبتاريخ مختلف:
- بتاريخ 1/4/2010 "موسي يوقع إصدار طابع بريد يوم اليتيم العربي"، وبتاريخ 20/4/2010 "إصدار طابع بريد تذكاري بمناسبة يوم اليتيم".
- بتاريخ 21/4/2010 "زكي يشارك في أعمال مؤتمر البريد العالمي بسويسرا"، وبتاريخ 22/4/2010 "زكي يعرض تجربة مصر في تطوير خدمات البريد بسويسرا".
- بتاريخ 14/4/2010 "كروت إلكترونية لـ 3 ملايين من أصحاب المعاشات لصرفها من البريد"، وبتاريخ 23/7/2010 "البريد بصدد الاتفاق مع المالية لصرف المعاشات إلكترونياً".
- بتاريخ 28/4/2010 "الملتقي الثاني للبريد المصري يكرم بهاء طاهر"، وبتاريخ 26/5/2010 "إفتتاح الملتقي الإبداعي الثاني للبريد الأحد المقبل".
.
وأمثلة أخري لضحالة ما يتم نشره من أخبار معتادة ولا قيمة لها:
- بتاريخ 15/4/2010 "نشوب حريقين بمكتب بريد ومصنع أخشاب بأسيوط".
- بتاريخ 20/4/2010 "اختيار الموظف المثالي بالهيئة القومية للبريد".
- بتاريخ 5/5/2010 "البريد يعلن أسماء الفائزين بعمرة مولد النبي".
- بتاريخ 12/5/2010 "تعيين اثنين من أقارب جندي دارفور في البريد".
- بتاريخ 20/6/2010 "سيارة نظافة تابعة للمحافظة تحطم مكتب بريد السويس".
.
وأمثلة ثالثة عن تضارب البيانات والأرقام بتصريحات المسئولين بالبريد المصري:
- بتاريخ 19/4/2010 "افتتاح 3 مكاتب بريد جديدة، المطار والحلمية والزهور"... تصريح لرئيسة قطاع التسويق أن البريد يستهدف الوصول باعداد المكاتب على مستوي الجمهورية إلى 10 آلاف مكتب بريد حتى عام 2012... وهو أمر غير معقول حيث يتطلب الأمر إنشاء ستة آلاف مكتب بريد في غضون سنتين وأربعة أشهر بمعدل سبعة مكاتب يومياً تقريباً !!..
- بتاريخ 19/6/2010 "82 مليارا قيمة المدخرات في دفاتر التوفير"... بينما بتاريخ 30/3/2010 وتحت عنوان "خلال عام 2008/2009 تقلص مكاتب البريد وتراجع صناديق التوفير" تم إظهار النشرة السنوية لإحصاءات خدمات البريد الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء بتقلص قيمة المبالغ المودعة بصناديق التوفير، حيث بلغت 40.4 مليار جنيه عام 2008/2009 مقابل 40.8 مليار جنيه عام 2007/2008، بنسبة انخفاض قدرها 1% ... فكيف تضاعفت تلك المبالغ خلال عام واحد؟!..
.
تلك أمثلة لنحو أربعون خبراً للدلالة على أن إدارة تحرير الصحيفة برئاستها الحالية وبفكر صحفي رأسمالي، وبقدر من المساعدة الشريفة أن يحقق روافد عده لتمويل صحيفته وتنمية مواردها المالية خلال فترة وجيزة من الصدور، ولكنه عجز أن يأيتنا بإخراج أكثر نضجاً لتكون أخباراً صحفية ذات صبغة إعلامية وليست أخباراً إعلانية !!..
.
وللحديث بقية إن شاء الله ...

الأربعاء، 18 أغسطس 2010

صحافتنا والبريد المصري !!..


الصحف والمجلات لم تكن في يوم من الأيام بالنسبة لي مجرد أوراق أتصفحها، ومعرفة ما بها من أخبار، بل كانت ومازالت مادة أرشيفية أحتفظ بها، أقوم بتبويبها، وتنظيمها وإعادة ربط وصياغة ما يرد بها من أخبار وتحليلات... هذه الهواية أو المهارة وأن وفرت لي بعض فرص العمل ببعض المؤسسات الإعلامية والصحفية داخل وخارج مصر خلال العشرين عاما الماضية، إلا أنها أصبحت ذات تأثير في تكويني الشخصي، الباحثة دائماً عن الأخبار وربطها زمنياً ببعضها البعض، والتحقق من مصادرها واتجاهات أقلامها، وخاصة مع توافرها الآن إلكترونياً...
.
هذه الهواية أو المهارة جعلتني أتابع عن كثب كل ما يكتب أو ينشر بحكم إنتمائي للبريد المصري عن البريد، خاصة ما ينشر عن البريد المصري، وتطوره المضطرد خلال العشر سنوات السابقة، والاهتمام البالغ من بعض الصحف بنشر أخباره ومتابعة نشاطه ونشاط قياداته، بعد أن كان نسياً منسيا... فخلال عقدين من الزمن، الثمانيات والتسعينات لم ينشر عن البريد المصري إلا نوادر من الأخبار المرتبطة بحوادث إرهابية بوجود مفرقعات داخل أحد الطرود أو نقد لاذع عن التزاحم والتشابك على مكاتب البريد، أو بعض الطرائف التي تحط من قدر هذا المرفق والاستهانة بما يقدمه من خدمات مالية ومجتمعية، هذه الحدة في النقد ارتفعت بصورة غير مسبوقة بعد توجة البريد المصري نحو رفع سعر المطبوعات الدورية أوائل التسعينات، مما حذا بالمسئولين عن البريد بالتراجع عن تلك الزيادة، رغم تحمله لتكاليف شحن تلك المطبوعات لبعض البلدان العربية والأجنبية تصل لأكثر من عشر أضعاف ما تحصل عليه من هذه المؤسسات الصحفية... هذه الصورة تغيرت بالكلية حين تسلم الدكتور علي المصيلحي رئاسة مجلس إدارة البريد المصري عام 2002 والذي صاحبه اهتمام إعلامي وصحفي غير مسبوق بنشاط وإنجازات وتطور البريد المصري، أعتمد في البداية على صحيفتي الأهرام والمصري اليوم، ثم سرعان ما تحول إلى صحيفة الجمهورية وموقع اليوم السابع...
.
وعوامل هذا التحول يعرفها بالقطع عناصر محدودة بالبريد المصري وبتلك المؤسسات الصحفية، غير أن المتابع لأخبار البريد المصري عبر تلك الصحف يمكنه أن يلتقط بعض تلك العوامل، فإنسحاب صحيفة المصري اليوم من المشهد أصبح واضحاً بنشر تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عن نهب أموال هيئة البريد بتاريخ 24/2/2009 ومتابعة نشاط المظاهرات التي قام بها بعض العاملين بمحافظة كفر الشيخ والفيوم خلال شهر مايو 2009 بما لا يتفق مع السياسة الإعلامية للبريد المصري... بينما جاء دخول صحيفة الجمهورية للساحة بعد تكتيك هجومي متتالي ومتكرر ومرتب من أعلي قيادة بدار التحرير، أتبعه تهدئة، ثم موالاة وامتداح لدور البريد المصري، وحوارات ولقاءات متعددة مع المهندس علاء فهمي، ومتابعة أنشطة و إعلانات، صاحبه توزيع إصدارات دار التحرير وكتاب الجمهورية على معظم المديرين بالهيئة، ليبلـغ ذروة هذا التعاون بتوقيع برتوكول تعـاون لدعـم الخدمـات الثقافيـة والإبداعيـة ورعايـة الموهـوبين وإقامـة المسابقات في الشعر والقصة والرواية (صحيفة الجمهورية 18/5/2010)... بينما إنسحبت صحيفة الأهرام تدريجياً دون سبب معروف، رغم الإطراء والمديح الذي نراه بمقال الدكتورعبد المنعم سعيد، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، عن البريد المصري بتاريخ 7/9/2009 ، إلا أنه على ما يبدو جاء بعد فوات الآوان، وتغلغل صحيفة الجمهورية في أحشاء البريد المصري... أما حالة موقع اليوم السابع فنموذج فريد، يصعب فهمه من هذا الكم والاهتمام الهائل بأخبار ونشاط البريد المصري!!..
.
أضف إلى ذلك محاولات حثيثة من بعض الصحف في التهافت علي أخبار البريد المصري، سواء سلباً أو إيجاباً... فصحيفة الدستور حريصة على نشر سلبيات وما يقع تحت يديها من مخالفات وتقارير مثيرة عن البريد المصري أو قياداته، بينما روزاليوسف ترصد أنشطة الهيئة بطريقة منتظمة وتساير مدرسة دار التحرير، بينما صحيفة الشروق لم تنزلق بعد بتلك الساحة!!..
.
البريد المصري أصبح مثار اهتمام غير مسبوق من الصحف المصرية، دون غيره من الهيئات والمؤسسات الحكومية الأخري!!.. ولرصد كل هذه التفاعلات يتطلب الأمر صفحات وصفحات من تلك المدونة، سنحاول إيجاز ما يمكن إيجازه، وإيضاح ما يجب إيضاحه...
.
وللحديث بقية أن شاء الله...

السبت، 14 أغسطس 2010

الصحافة البريدية ...


ثمة علاقة وثيقة تربط مهنة الصحافة بالبريد، فمنذ النشأة الأولي لصاحبة الجلالة وهي تعتمد اعتماد كبيراً على الخدمات البريدية، حتى جاء الوقت الذي صارت فيه العلاقة بينهما علاقة عكسية، فصاحبة الجلالة تري البريد الآن تراثاً تاريخياً، فالهاتف والفاكس والانترنت، وشركات توزيع الصحف، جعلت الخدمات البريدية بالنسبة لها ماضياً لا رجعة فيه... بينما أصبح البريد في حاجة للصحافة للتعريف بخدماته، ونشر أخباره، وإيضاحه دوره المجتمعي وإبراز نشاطه ونشاط رؤسائه وقياداته...
.
فكما هو معلوم أن البريد نشأ منذ نشأت المجتمعات الإنسانية وحاجة الإنسان الملحة بالاتصال بين بني جنسه في مختلف أرجاء الدنيا، أما الصحافة الحديثة فقد نشأت في أوروبا في العصور الوسطي في شكل رسائل إخبارية منسوخة تروي أخبار الملوك ومن يحيطون بهم من نبلاء وحكام للولايات، خاصة في حالات الحروب والنازعات المختلفة... فالبذور الأولي للصحافة كانت تتناول موضوعات سياسية واقتصادية تحتكرها الحكومات لأغراض السلطة والسيطرة على مقاليد الحكم، ولذا كان رجل البريد ذو مكانه مميزة، أشبه كثيراً بالسفراء ورجال الدولة...
.
هذه العلاقة ظهرت بوضوح في مدينة البندقية الإيطالية، التي كانت سباقة في إنشاء العديد من المكاتب الإخبارية التي يشرف عليها كتاب الأخبار أو المخبرون بتدوينها وبيعها بالتوزيع على عدد محدود من المشتركين بواسطة موزعي البريد، ثم جاء الأخوة فوجرز وهما من أشهر المخبرين والمتخصصين في أعمال المصارف واتخذوا من مدينة أوغاسبرج مقرا لهم، وفتحوا فروعا في لندن وباريس وغيرها من العواصم الأوربية... وتحول النشر الصحفي من الأخبار الاقتصادية والتجارية إلى الأخبار السياسية والاجتماعية، والتي أصبحت رسائلهم ذات قيمة جوهرية لرجال الأعمال والسياسة في ذلك الوقت... وهكذا ظلت تلك المكاتب الأخبارية توزعا بريديا على الطبقة البورجوازية والطبقة الحاكمة حتى تم اختراع الطباعة، وظهرت بدايات النشر الصحفي والتوزيع البريدي الواسع النطاق لها.
.
وخـلال فترة وجيزة وعلى أثر اختراع الطباعة ارتبط صدور الصحف بانتظام الخدمات البريدية، حيث كان لانتظام توزيع البريد ثلاث مرات أسبوعيا سبباً رئيسياً في إنتشار الصحف، حتى أن معظم الصحف كانت تحمل أسم البريد مثل البريـد الطـائرFlying Post والبريد الأسبوعي Weekly Messenger والبريد المسائي Evening Post ... وتوثيقاً لهذه الصلة ارتبط صدور بعض الصحف برجال البريد، فنجد جون كامثبيل، مدير البريد في بوسطن الذي أصدر أول صحيفة أسبوعية "بوسطن نيوزليتر" عام 1704، وبنيامين فرانكلين أول مدير عام للبريد في فيلادلفيا أصدر صحيفة "بنسلفانيا جازيت" عام 1721... وعلى الرغم من أن نشأة الخدمات البريدية بصورتها الحديثة وانتظامها كان نعمة على الصحافة الإخبارية، إلا أنه كان يعيب ذلك أن بعض المسئولين في البريد كانوا يحتكرون الأخبار الخارجية، ويتقاضون إتاوات نظير الحصول على تلك الأخبار، وكان البعض منهم يرتشون مقابل تفضيل بعض الصحف على غيرها وإعطائها الأولوية في تسليم الأخبار...
.
ورغم تأخر الصحافة العربية عن الصدور حتى العقد الثاني من القرن التاسع عشر، حين أصدر داود باشا أول صحيفة عربية في بغداد عام 1816 باسم "جورنال عراق" باللغتين العربية والتركية، ثم أتبعها إصدار محمد علي باشا صحيفة "الوقائع المصرية" في عام 1828، والتي أعقبها صدور العديد من الصحف باللغة العربية في مختلف البلدان العربية، كالمؤيد والسياسة والبلاغ والأهرام، إلا أنها استفادت من التطور الهائل في أساليب الطباعة والنسخ التي أتقنتها الصحف الأوروبية، وكانت تلك الصحف تعتمد بشكل كبير على الخدمات البريدية في توزيعها، خاصة أن معظم تلك الصحف كانت ذا طابع رسمي وخاضع للحكومات المركزية.
.
ظل حال الصحف في الاعتماد بشكل رئيسي على الخدمات البريدية، إلى أن ابتدع صاحب صحيفة The New York Sun ويدعي داي عام 1833 شكل جديد للصحافة بالاهتمام بالأخبار المحلية والقصص الصحفية ذات الجوانب الإنسانية وبالجرائم والقصص البوليسية، ودفعه لزيادة توزيع صحيفته الاستعانة بالصبية الصغار، والتي وصل توزيعها لنحو الفي نسخة بعد شهرين فقط من صدورها، ثم قفز هذا العدد في عام 1837 لنحو ثلاثون ألف نسخة بفضل جذابية الصحيفة والطريقة المبتكرة لعملية التوزيع، مما دفع بشدة لإنشاء شركات متخصصة لتوزيع الصحف، والتي انهت بصفة نهائية على الاستعانة بالخدمات البريدية في توزيع الصحف داخلياً، بينما ظلت بالاستعانة بها في التوزيع خارجياً حتى أوائل الثمانيات بانتشار إصدار الصحف دولياً عن طريق الفاكس وطبعها طبعات دولية.
.
مع بداية التسعينات ودخول عصر الانترنت والصحافة الإلكترونية وتقلص توزيع الصحف الورقية بصورة كبيرة، والتي صاحبها تهديد لكثير من الصحف بالإغلاق، انتهجت إدارات تلك الصحف، خاصة الحكومية منها بالبحث عن بدائل لتمويل يغطي التزاماتها المعهودة في السوق... هذه البدائل كانت مرتكزة بالأساس على زيادة المساحات الإعلانية والتوسع في الصحافة الإعلانية والتحرير الصحفي المدفوع الأجر، واللقاءات والتحقيقات التي من شأنها تدر أموالاً لتغطية عجز مواردها، وهو ما وجد رواجاً واستحساناً من بعض الهيئات والوزارات التي حققت بعض الطفرات المالية في الأوانة الأخيرة، ومنها البريد المصري على وجه الخصوص.
.
فالبريد المصري خلال العشر سنوات الأخيرة وبتحقيقه تلك الطفرات المالية، أصبح محور جذب وانتباه من قبل بعض الصحف، خاصة الحكومية والتي رأت فيه مغنماً أو مخرجاً لجزء من أزمتها المالية، صاحب ذلك هوي بعض الرؤساء بالبريد المصري والطامحين لمناصب قيادية أرفع بالدولة، وهو ما حدث بالفعل بارتقاء وزيرين من رحم البريد المصري وبمساندة وبمباركة كاملة من بعض الصحف !!... وصحيفة الجمهورية على سبيل المثال ذات اهتمام خاص بكل ما يحدث في البريد المصري من إنجازات وتطور وازدهار، واللقاءات والحوارات والمساحة الإعلانية المتاحة للبريد، وبرتوكول التعاون الثقافي الموقع بين دار التحرير والبريد المصري بتاريخ 18/5/2010 يمثل نموذج لهذا الأفق الجديد!!..
.
كما أن ثمة مرتكزاً آخر لاستراتيجية تلك الصحف لتحسين مواردها، وذلك بالعمل على إرتقاء أعضائها ومؤائمة مواردهم المالية المتنامية بهذا التفاعل بتشغيل بعضهم كمستشارين إعلامين بمختلف الهيئات والوزارات، على غرار المستشارين القانونين القادمين من بعض الهيئات القضائية ووزارة العدل، مما يقلل من كاهل تلك المؤسسات الصحفية...
.
العـلاقة الآن أصبـحت مجـرد استرزاق وتبــادل منافـع شخصية... هذه العـلاقة ما كانت تظهر بتـلك الصـورة إلا من جـراء تحـول في الحـالة الاجتماعية المصرية، حـال الكـلام والكـلام الكثـير دون الفعل، لاسيما لو كـان ذلـك على ورق الصحـف!!..
.
وللحديث بقية ..
Ashraf_mojahed63@yahoo.com

الثلاثاء، 10 أغسطس 2010

حكاية بريدية !!..


هذه الحكاية المريرة ما كنت لأخوض فيها لولا تصريح المستشار أشرف البارودي، نائب رئيس محكمة استنئاف القاهرة ضمن ندوة نظمتها مؤسسة المـرأة الجــديـدة "بأن النيـابة العامـة أصبحـت تـدار بالتلـيفون المحمول، وإن وكيــل النائـب العــام أصبـح دوره مجـرد إلقـاء الأسـئلة ... " (صحيفة المصري اليوم 24/6/2010). تصريح جعلني أسترجع وبشجاعة حكاية حاولت مراراً مع مرور الزمن نسيانها وطي صفحاتها وغلق بابها، ولكن هذا التصريح أدمي فؤادي وأزعج نومي، فهي حكاية شاهدة وقصة مؤلمة تمر على الإنسان وكأنها عاصفة أو زلازل أو تفجير بركاني يعصف بملكات النفس ومكنوناته الإنسانية...
.
والحكاية باختصار أنني مع بداية عام 1997 وقفت في وجه إدارة البريد المصري بكامله، مطالباً بضرورة وجود مراجعة ودورة مستندية سليمة للحسابات البريدية مع البلدان الأجنبية وشركات الطيران الناقلة للبريد، حيث حدث قبل هذا التاريخ بعام أو عامين واقعة سرقة وتزوير بعض الشيكات الواردة من تلك البلدان واختلست بعضها من قبل أحد الموظفين بما يقرب من المليون جنية تقريباً، بسبب عدم وجود دورة مستندية سليمة للتدقيق على تلك الحسابات... وواجهت وقتها بعاصفة شديدة واتهامات وتهديدات بالبطش والنقل، ولكني لم أبالي بعد فضح عشرات المخالفات بتلك الحسابات، كان ذروتها ما أكتشف من إيداع نحو ما يعادل 60 مليون جنية ببنك القاهرة/فرع قصر النيل، بعمولات أجنبية مختلفة كالدولار والجنية الاسترليني والفرنك الفرنسي وغيرها كودائع قصيرة الأجل بفائدة ضئيلة جدا إذا ما قورنت بالفوائد الحقيقية لتلك المبالغ أو عوائدها عند تحويلها للجنية المصري وإيداعها بإحدي البنوك الأخري... وبعد الدراسة والتدقيق تقدمت بمذكرة للسيد مدير عام الحسابات التابع لوزارة المالية وبدوره أيقن حجم الخسائر التي منيت بها الهيئة من جراء إيداع تلك الودائع بتلك الصورة خلال خمس سنوات دون أن يلتفت إليها أحد، فحرر بدوره مذكرة تم عرضها على مجلس إدارة الهيئة الذي وافق على ما جاء بالمذكرة، وتم سحب تلك الودائع وإيداعها كوديعة في صندوق التوفير في نوفمبر 1997 بزيادة في عوائدها قدرت بنحو 7 مليون جنية سنوياً...
.
وهنا بدأت الحكاية، بالنقل إلى مخازن الهيئة بمدينة نصر، جزاء ما اقترفت، وتحقيقات ومراقبة وغيرها من المضايقات المعتادة في مثل هذه الحالات، ثم نقل آخر، ثم نقل ثالث، ثم رابع، فخامس وهكذا، وتحقيقات وشهود زور وتلفيقات وتهديدات وغيرها، انتهت من جانبي بتقديم عشرات المذكرات للسيد رئيس مجلس إدارة الهيئة والوزير المختص، والنيابة الإدارية والرقابة الإدارية، لكف الجهة الإدارية عن هذه الإجراءات التعسفية، ولكن دون جدوي، وتم حفظها إداريا أو مزيد من القمع والتهديد... ثلاث سنوات من المعاناة أنا وأسرتي من جراء هذا التنكيل الغير مبرر، حتى تم اصطياد كلمة "تدليس" ضمن إحدي تلك المذكرات، وتم إحالتي للنيابة الإدارية لوزارة المواصلات، والتهمة "التطاول على الرؤساء!!.."
.
بدأت النيابة الإدارية التحقيق معي أواخر عام 2000 بمعرفة أحد مستشاريها، رافضاً الدخول في كل ما جاء بالمذكرة من مخالفات، أو تعنت من قبل الجهة الإدارية، مرتكزاً على المخالفة التي قامت جهة الإدارة بإحالتي فيها فقط، وهي كلمة "تدليس" وبانتهاء التحقيقات ورغم امتعاض هذا المستشار وتأكيده على صحة موقفي، وان هناك ثمة اضطهاد وابتذال من جهة الإدارة نحوي، وكان يفترض أن تكافئني على ما قمت به على حد قوله، إلا أنني في نهاية الأمر تم توقيع الجزاء المناسب، ردعاً لإخافتي والكف عن تحرير مذكرات آخري...
.
لا أري في هذه الحكاية جديد، فالاعتقاد السائد الآن أن قول الحق مكلف، حتى لوكان قائلها مستشار رئيس نيابة، والمشى بجوار الحائط أنسب طريقة للسلامة، ولكن تلك المرارة ظلت في حلقي منذ نحو عشر سنوات لا استطيع أن أنسي مرارتها من هذا المستشار ومن تلك الإدارة ومن هؤلاء الذين تبرعوا لطمس الحقيقة، لنيل درجة وظيفية أو حافز أو مكافأة على ما قدموه من خدمات للتنكيل بي ... هذه المرارة ارتفعت درجتها وحموضتها بسبب استمرار الوضع على ما هو عليه بتلك الحسابات حتى الآن وبعد مرور أكثر من عشر سنوات، بل زادت أكثر وأكثر، ويكفي أن تعرف أنه تم مؤخراً مراجعة حساباً يمثل إيراداً لإدارتنا على أنه مصروف لأحدي البلدان الأوروبية وتم مكافأة وترقية من قام بذلك، رغم علم ويقين الإدارة العليا بالأمر...
.
هذه المرارة المستمرة عاودتني بشكل غير مسبوق وبإرتفاع معدلها وشدتها، حين قرأت تصريح المستشار أشرف البارودي والتي أيقنت معها وبعد مرور أكثر من عشر سنوات أن مرارتـنا انفقـعت !!..
.
وللحديث بقية ...

السبت، 7 أغسطس 2010

شعبة البريد وأزمة المؤقتين!!..


شعبة البريد بكلية التجارة وإدارة الأعمال، والعاملين المؤقتين بالبريد المصري يمثلان نموذجاً عملياً لحال التغيير الاجتماعي والاقتصادي في مصر. إخصائي جامعي مؤهل ومتفوق طبقاً لتنسيق قبول الجامعات لا يجد فرصة عمل، بينما آخر غير متخصص، أقل تفوقاً وغير مؤهل، يحتل مكتبه، ويأخذ مكانه، ويغلق أمامه كل منافذ الحياة والتقدم فيها.
.
لا أحد يعرف على وجه الدقة لماذا تم إنشاء فرع أو شعبة للبريد ضمن أقسام كلية التجارة وإدارة الأعمال؟!.. ففي عام 1965 تم إنشاء المعهد العالي للشئون البريدية، وفي عام 1975 إنشئت جامعة حلوان وضمت إليها المعهد العالي للتجارة الخارجية كمعهد نوعي متخصص باسم كلية التجارة وإدارة الأعمال، بأقسام عدة مختلفة منها شعبة للبريد... والسؤال
إذا كان ثمه توجه للدولة في ذلك الحين هو التوسع في التعليم التخصصي، فلماذا لم نري فروع جامعية مماثلة لباقي الهيئات الحكومية كهيئة السكة الحديد وهيئة كهرباء الريف، وهيئة مرفق مياه القاهرة؟!.. الأمر على ما يبدو أنه كان مجرد تبادل مصالح ومنافع بين طرفين، استفاد منه بعض حاملي المؤهلات المتوسطة من العاملين بالبريد المصري باستكمال دراساتهم الجامعية، مقابل مبالغ مالية ودعم مالي كانت الجامعة الناشئة في حاجة إليه... خاصة إذا ما نظرنا لسذاجة ما كان يتم تدريسه من مواد بريدية لا ترتقي بأي حال من الأحوال كمادة علمية تتفق وتليق بالمستوي الجامعي، وكذلك بأهلية ومؤهلات القائمين على تدريس تلك المواد من بعض العاملين بالبريد المصري ممن لم يحصلوا على دراسات عليا أو شهادات مؤهلة للتدريس الجامعي!!..
.
ظلت تلك الشعبة مغلقة لفترة طويلة على العاملين بالبريد المصري بمنحة تفرغ من العمل وبراتب كامل، لاستكمال دراستهم الجامعية، مع قبول عدد محدود من طلبة التنسيق العام للثانوية العامة، والتزام من جانب الهيئة بتكليف كافة الخريجين للعمل بها فور التخرج سواء من كان موظفاً بعد تعديل وضعه الوظيفي أو طلبة تنسيق الثانوية العامة... هذا التعيين أصبح بين يوم وليلة محط اهتمام وإقبال شديد من طلبة الثانوية العامة، بعد سياسة الحكومات المتعاقبة في نفض يدها من تعيين الخريجين، حتى وصـل الأمـر لإرتفـاع أسهم تـلك الشعبة في سوق تنسيق الجامعـات لدرجة غير مسبوقة، وصـل لأكثـر من 93% من مجموع الدرجات... هذا الالتزام من جانب البريد المصري كان آخره تعيين دفعة عام 2002، وأصبحت الدفعات التي تليها في غياهب النسيان والتسويف والشد والجذب والوعد بالتشغيل، قابله بعض المظاهرات والاحتجاجات لهؤلاء الخريجين، حتى تم إغلاق تلك الشعبة نهائياً بالاتفاق بين الهيئة وجامعة حلوان، يقضي بحصول الجامعة على خمسة ملايين جنية مقابل تأهيل 3 الآف طالب وخريج من دفعات 2003 وما بعدها حتى 2011 وهو العام الذي تتخرج فيه الدفعة الأخيرة من الكلية، دون الالتزام تجاه هؤلاء الخريجين حتى بعد هذا التأهيل (صحيفة الدستور 11/9/2008).
.
حيرة لا يمكن إخفائها، إذا كان البريد المصري لا يحتاج هؤلاء الخريجين المتفوقين دراسياً، وأعتقد أنهم مؤهلين ومدربين بعلوم الحاسب وغيرها، فلماذا يتم تشغيل مئات من العمالة المؤقتة من خريجي كليات ومعاهد متوسطة لا علاقة لها بأعمال البريد كالآداب والزراعة والخدمة الاجتماعية؟!..والذي تجاوز نحو ستة الآف مؤقت تم تسوية أحوالهم المالية مؤخراً، دون التثبيت على درجات وظيفية بحجة عدم وجود درجات خالية يسمح بها الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة!!.. هذا التبرير الغير منطقي لترك نحو 3500 من خريجي شعبة البريد دون تشغيل، وتشغيل نحو 6000 مؤقت، ثم ولماذا مؤقت؟!.. وهناك إعداد مضاعفة من الدرجات الوظيفية إخليت لبلوغ شاغليها لسن المعاش، والتي تبلغ أكثر من 900 درجة وظيفية سنويا.
.
أمر يثير تساؤلات وحيرة تجاه هذا الملف الشائك!!.. والإجابات كثيرة ومتعددة، وذات تفاصيل، وكما تعلمون أن الشيطان يقبع في التفاصيل!!.. ونعوذ بالله من الشيطان وحزبه ووطنه وسياسته..
.
وللحديث بقية ...

الأربعاء، 4 أغسطس 2010

البريد الرابع !!..

.
خــلال العقـود الثـلاثة الماضـية مر البريـد المصري بمتغـيرات جـذرية وقفـزات إدارية ومالية، وفكـرية أيضـاً، انتقل بمقتضـاها من مفهوم البريد الأول إلى البريد الثالث!!..
.
فالبريـد الأول: هو البريد التقليدي، الذي عرفناه، مظروف وطابع بريد، وهو في المقام الأول خدمة مجتمعية، يقع على عاتق الدولة، ولا يهدف إلى تحقيق ربحية... البريد المصري ظل يؤدي دوره منذ إنشائه عام 1865 في تلبية احتياجات جمهور العملاء بأسعار زهيدة، وطبقا للقوانين المتعاقبة والمنظمة لمرفق البريد، وصولاً للقانون رقم 19 لسنة 1982 بإنشاء الهيئة القومية للبريد، والذي أكد على احتكار الدولة للخدمات البريدية، وتقديمها بأسعار تناسب محدودي الدخل، حتى لو تطلب الأمر المساندة المالية من الخزانة العامة، الأمر الذي جعل إداء تلك الخدمات بالشكل اللائق بمرور الوقت أمراً مستحيلا في ظل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية الناشئة عن سياسة الانفتاح الاقتصادي والتوجه نحو السوق المفتوح وإنسحاب دور الدولة في دعم النشاطات الخدمية.
.
أما البريـد الثاني: فهو التطور الطبيعي إزاء المشاكل التي واجهت البريد الأول، فإدخلت خدمة البريد السريع، كخدمة آمنة ومميزة وسريعة تلبي حاجات بعض العملاء، والذي أقدم عليه البريد المصري بقوة في بداياته، ثم تم إشراك بعض شركات البريد السريع الدولية تحت وصياته وإشرافه، وتدريجياً ولإسباب عديدة تقلص دور البريد المصري بتلك الخدمة حتى أصبحت تلك الشركات تستحوذ على نحو 80% من حجم سوق البريد السريع والطرود حسب تصريح المهندس/ علاء فهمي بصحيفة المصري اليوم بتاريخ 15/8/2007... ورغم النمو المضطرد لسوق البريد في مصر، وتعاظم إيرادته إلا أن البريد المصري فشل في مجاراة تلك الشركات التي تعتمد بشكل كبير علي دراسات تقنية وفنية في اجتذاب العملاء وتقديم الخدمة بشكل منتظم وآمن، مما دفع البريد المصري وتحت ضغوط أوروبية وأمريكية إلى توقــيع عقــود سبعة عشر شركة دوليـة ومحلية بالسـماح لها بالعمل في السـوق المصري، والتي بمقتضـاها أنهت كافة أنــواع الاحتكــار للخـدمة، كمــا أن بحلول عام 2013 سوف يسمح لشركات خاصـة أخري بتقديم خدمــات الخطابــات المسـجلة والحـوالات البريــدية بجانب بعض الخدمــات الأخــري التي مازال البريــد المصـري يحتكـرها حتى الآن (صيحفة المصري اليوم 17/5/2010)..
.
والبريـد الثالث: هو بريد الاتصالات والهواتف النقالة والانترنت، تكنولوجيا جديدة اكتسحت العالم، وجعلته قرية صغيرة، تواكب صعودها في مصر مع صعود نجم الدكتور أحمد نظيف وتوليه منصب وزير الاتصالات في حكومة الدكتور عاطف عبيد، ثم رئيساً للوزارء، هذا الصعود جعل من قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ذا وضعية خاصة في منظومة الاقتصاد المصري، وأصبح القاطرة لهذا الاقتصاد، بعد تراجع قطاعات الزراعة والصناعة... فالنمو المتسارع في هذا القطاع يلائم القطاع الخاص والشركات المتوسطة والصغيرة، ويسيل لعاب قطاع كبير من المستثمرين، ويمثل حالة فريدة في إدماج الأموال سواء من الداخل أو الخارج، حتى صارت شركات الاتصالات المورد الرئيسي لحصيلة ضرائب الدولة، وجاءت متصدرة أكبر عشرون مورداً لتلك الضريبة طبقاً لبيان الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية (اليوم السابع 18/7/2010)... والبريد المصري وجد في الشركة الثالثة "اتصالات" ضآلته المنشودة، للخروج من نفق البريد الأول التقليدي ومعضلاته الشائكة، والمنافسة الشرسة للبريد الثاني مع شركات البريد السريع الدولية، ولمواكبة عصر الهواتف والانترنت وتكنولوجيا الكلام، كانت تلك الشراكة مع شركة اتصالات الاماراتية عام 2007 كأول إدارة بريـد ية في العـالم تقـوم بالاستثـمار في شـركات الاتصـالات، والتي مـازال نشــاطها وقوائمـها المـالية، ونتـائج استثـمارتها، والشـركات المساعدة لها، طيـه الكتمـان رغم التبشـير بارتفــاع أسهم الشــركة بنحـو 25% خــلال العـــام الجـــاري، وبماسيجنـيه البريـد المصري من تلــك الشـراكة (صحيفة المصري اليوم 17/5/2010)...
.
أما البريـد الرابع: فهو بريد افتراضي، بريد مازال في الخيال، بريد يساير توجهات الوزارة الجديدة القادمة، والتي سوف تساهم بشكل كبير في تحول اقتصاديات واستثمارات البريد الثالث الاتصالاتي إلى الجيل الجديد للبريد، فإذا كان هذا التوجه على سبيل المثال زراعياً بتشكيل وزاري برئاسة وزير الزراعة، فالمكاتب البريدية سوف تصدر دفتر توفير للفلاح، وستقوم بإقراض المزارعين بدلا من بنك الائتمان الزراعي، وستقدم لهم تسهيلات في صرف الأسمدة والتقاوي، كما ستنشئ شركة توزيع للمحاصيل والمنتجات الزراعية، وستقوم مطابع البريد بطبع استكرات العبوات الزراعية القابلة للتصدير، وستصدر طوابع بريدية بمناسبة يوم الفلاح، ومن ثم سيكون شعار البريد مدمجاً بصورة فأس أو ساقية... أما إذا كان التوجه سياحياً بتشكيل وزاري برئاسة وزير السياحة، فسيكون شعار البريد المصري هو نورت مصر!!..
.
وقياساً على المثل الشعبي أقـول "من تـرك كـاره أتقـل مقـداره...."
.
وللحديث بقية ..
Ashraf_mojahed63@yahoo.com