الخميس، 20 يناير 2011

طوابع بريد أبوالقاسم الشابي


الأحداث المتلاحقة بتونس الخضراء، صاحبة ثورة الياسمين، أنعش الذاكرة بكلمات شاعرهم العظيم أبوالقاسم الشابي، أبيات من الشعر لها سحر، رددها الشباب التونسي مفجر ثورة الياسمين، ثورة الغضب على الديكتاتور الهارب زين العابدين بن علي وزوجته ونظامهما الفاسد، هذا الشاعر الذي احتفي به البريد التونسي بإصدار عدة طوابع بريدية لتخليد ذكرى مولده وتمجيد كلماته، وتسجيل شجاعته في مقاومة الاحتلال الفرنسي منذ نحو قرن من الزمن، لابد أن نذكرها، فأبيات شعره أيقظت وألهبت روح الشباب التونسي فأزاح المحتل الوطني، بعد أن أزاح منذ نصف قرن المحتل الأجنبي، إذ يقول :

إذا الشعب يومـا أراد الحيـاة ... فلابد أن يستجـيب القـدر
ولابــد لليـــل أن ينـجــــلي ... ولابــد للقيــد أن ينكــسر
ومن لم يعـانقه شـوق الحياة ... تبخــر في جـوها واندثـر
كـذلـك قـالـت لـي الكائنــات ... وحدثـني روحـها المستتر
ودمدمت الريح بين الفجاج ... وفوق الجبال وتحت الشجر
إذا مـا طمحـت إلـى غـــاية ... ركبـت المنى ونسيت الحذر
ومن لا يحـب صـعود الجبال ... يعـش ابد الدهر بين الحفر
.
ولد أبوالقاسم الشابي في 24 فبراير عام 1909 في بلدة توزر التونسية وتوفي في 9 أكتوبر عام 1934، ورغم قصر عمره إلا أنه يعد من أفضل شعراء أدب المقاومة، ويلقب بشاعر الحرية والخلود، إذ يمتاز شعره بقوة الإنفعال والثورة المحتدمة ضد الظلم والاستبداد.
.
الثورة الشعبية في تونس، أعتقد أنها سوف تخلف آثاراً وتوابع مزلزلة لكثير من البلدان العربية المجاورة، ليس فقط لأنها أول ثورة شعبية تنتفض ضد الاحتلال والاستبداد السياسي والفساد الوطني، ولكن لأنها زرعت الأمل في نفوس كثير من المواطنين العرب في حلم تغيير أنظمة جاسمة على شعوبها بالحديد والنار وبالتنكيل والتزوير المدعوم من الغرب...
.
في الواقع يعجز القلم عن وصف الشعب التونسي المقدام، الحضاري، ولكن يطرب القلم لهذا الإنجاز العظيم، لهذا الفتح المبين، لهذه الياسمين التي سوف تهب يوما ما برائحتها العطرة على شعوبنا العربية المغلوبة على أمرها... بيد أن ثمة ملاحظتين هامتين يجب أن أسجلهما في ذاكرتي وذاكرة قارئ تلك المدونة.
.
الأولي: الإدارة البريدية في تونس، والتي حققت نجاحات غير مسبوقة في العمل والتطور البريدي خلال السنوات القليلة الماضـية، يظهر ذلك من جمـلة الخدمـات التي يقدمها البريد التونسي عبر شبكة الانترنت، وإنشـاء مدرسة للتعـليم عن بعد عــام 2002، وحصـوله مؤخـراً على جـائزة أفضـل محتـوي تعليـمي إلكتروني، وجـائزة القمـة العالمـية حـول مجتمع المعلومات لابتكـارات الهاتف الجـوال عــام 2010، حيث تم اختـيار مشروعها من خــلال مسابقة دولـية تحـت رعاية الأمم المتحـدة وبالتعاون مع منظمة اليونسكو من ضمن 420 مشـروعاً من 100 دولة أعضـاء بالأمم المتحـدة، ومع هذا فالعاملـون بالبريـد التونسـي أعضـاء مؤسسون للإتحــاد العــام للشـغل، والذي كان محركـاً أسـاسياً في انتفـاضة الشـعب التونسـي، ويحافـظ على استقلاليته وفاعليـته منذ إنشائه عــام 1946 وحتى بعد الاستقلال عـام 1956، ونراهم يحتـفون ويحتفلـون بذكـري شاعرهم العظيم أبو القاسم الشابي وشعره الرائع الذي كان يردده الشباب التونسي ليل نهار حتى أزاح هذا الديكتاتور، فمجرد الاحتفاء والتذكير بصـور هذا الشـاعر على طوابـع البريـد التونسي أعـاد الأمـل بنـبض الحيـاة في شبابـنا ونسائـنا وأطفالـنا، بخـلاف ما نـراه في كثـير من البلـدان العربيـة التي ما انفكـت مطابـعها من طبـع صـور رؤساء وزوجـات دولهم، والاحتفـاء بالمطربين والفنانين والانتصـارات والمناسبات الزائفة التافهة، فلكم منا يارجال بريد تونس كل تحية وكل فخر وكل إعزاز...
.
أما الثانية: ما شاهدته ببعض الفضائيات العربية من مظاهرات للشباب التونسي الغاضب، وبعضهم يحمل معه خبزاً (يسمي في مصر خبز فينو) جميل المنظر كبير الحجم، منتظم التكوين، يرفعونه وهم يتظاهرون للتعبير عن غضبهم من السياسات الظالمة للديكتاتور بن علي، وفساد حكمه، ليس طلباً للخبز أو رفع مستوي المعيشة، أو توفير فرص عمل للشباب العاطل، كما يصورها البعض، بينما من أجل الكرامة، من أجل الحياة الآمنة، من أجل العدالة والحرية، ولا أدري ماذا كان سيفعل هؤلاء الشباب لو شاهدوا أو أكلوا الخبز المصري المدعم، والذي استحي من وصفه لكوني مصرياً...
.
تحية للشعب التونسي، وتحية للعاملين بالبريد التونسي، ونسأل الله لهم التوفيق في إدارة بلادهم بما يرونه محققاً لخيرها وعزتها وكرامتها، وندعو الله أن يرشدنا جميعاً لخير بلادنا وأوطاننا ..
.
وللحديث بقية أن شاء الله ...
ashraf.mojahed@yahoo.com

الجمعة، 14 يناير 2011

المواطن البريدي !!..


الأيـام القليلة الماضية مـرت علينـا بمزيـد من الحـزن والآسي، بسبب تلـك الحـادثة التي وقعـت أمـام كنيسة القديسين بالإسكندرية، مرت كباقي الأيـام التي نمر بها، هموم وأحزان تمر بالوطـن الذي تشعر إليه بالحنـين، خاصة إذا كنت مسافراً بعيـداً عنه، هذا الحنـين عبـر عنه الجاحـظ في كتـابه البديـع "الحنين إلى الأوطان" معتبراً أن من علامات الرشد أن تكون النفس إلى مولدها مشتاقة وإلى مسقط رأسها تواقة، ومما يؤكد نزعة الإنسان لحب الأوطان قول الله عز وجل حين ذكر الديار يخبر عن مواقعها من قلوب عباده "وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ..." فسوٌى بين قتل أنفسهم وبين الخروج من ديارهم...
.
هذه الحادثة استدعيت معها كلمة المواطنة، حيث تكررت مئات المرات بالصحف والمجلات والقنوات الفضائية، وكأن الكلمة ابتدعت فقط للحفاظ على حقوق المواطن القبطي دون المواطن المسلم، ولم تستدعى حين يهضم مواطن مسلم حق أخيه المسلم، أو يهضم مواطن قبطي حق أخيه القبطي، فالكلمة تستخدم بالطلب، لزوم الشو الإعلامي، ومقتضيات التوجيه الحكومي، في زمن ترعي فيه الذئاب الغنم...
.
المواطنة التي نص عليها الدستور المصري بمادته الأولي "جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم على أساس المواطنة، والشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة"، ومادته الأربعون "المواطـنون لدي القانـون سـواء، وهم متساوون في الحقـوق والواجبـات العامة، لاتمييز بينهم في ذلـك بسبب الجنس أو الأصـل أو اللغـة أو الديـن أو العقـيدة"... لا تظهر إلا في حالات الاحتقان الطائفي للتخفيف من تداعياته وآثاره، وتظل كامنة خامدة حبيسة الأذهان والعقول فيما نشهده من تمييز وإنعدام تكافئ الفرص، وإنحسار العدالة الاجتماعية، والإتساع في استغلال السلطة والنفوذ، ورأس ماله الطبقي المستغل...
.
المواطنة تعني حقوقاً متساوية ليس بين المسلمين والأقباط فقط، بالحديث عن زيادة عدد الكنائس أو تقلد الأقباط لبعض الوظائف العامة، بل تعني حقوقاً متساوية بين كافة المصريين، وكأن البعض يغض الطرف عما نراه من تكدس للمسلمين داخل المساجد لأداء الصلاة وما يفترشونه خارجها لاستيعاب أعدادهم المتزايدة، وكذلك من يغض الطرف عن العشرات من المسلمين الذين تم هضم حقوقهم في التعيين بالجامعة أو الخارجية أو جهاز الشرطة أو القوات المسلحة أو البنوك الكبري رغم تفوق ونبوغ البعض منهم، بسبب الواسطة أو المحسوبية أو المعايير الاجتماعية المنسجمة لتلك الوظائف، والتي أبتدعها أكابر القوم واضعي الدستور ومشرعي تلك القوانين... فهل المواطنة تعني أن يكون ابن الأستاذ الجامعي معيد بالجامعة، وابن رئيس المحكمة قاضي، وابن لواء الشرطة ضابط شرطة، وابن الدبلوماسي سفيرا، في الوقت الذي يستنكر فيه مطالب العاملين بالبريد المصري بالمساواة بينهم وبين موظفي الشركة المصرية للاتصالات، وجميعاً تضمهم وزارة واحدة، أو يستنكر مطلبهم لتعيين أبنائهم بالبريد...
.
المواطنة مفقودة، مختطفة، مسروقة، لا عدالة ولا تكافئ فرص، فالحنين إلى الأوطان محفوفاً بحضورها وتفعيل معناها وإشاعة روح المساواة والعدل، بزرع الانتماء والولاء لهذا الوطن... ينسحب ذلك على المواطن البريدي، فاختطاف الوظائف القيادية بالبريد المصري من رؤساء قطاعات ومستشارين ومديرين من خارج السلم الوظيفي، وترك كفاءات وعاملين من مسلمين وأقباط أفنوا حياتهم في العمل والاجتهاد يحقق المواطنة، وما نراه من طبقية في التعامل والرواتب والحوافز وبيئة العمل المكتبي يحقق المواطنة، عدم تثبيت مئات المؤقتين يحقق المواطنة، عدم تشغيل مئات من خريجي شعبة البريد وتشغيل غيرهم من ذوي المؤهلات التي لا تتفق مع العمل البريدي يحقق المواطنة...
.
المواطن البريدي لم يكن يوماً يشعر بالغربة ولا بالتمييز إلا في تلك الأيام، يشعر بالمرارة والاكتئاب، يشعر أنه لا محل للمجتهدين ولا للمبدعين، يشعر أن أعماله واجتهاده يصب في جيب غيره، في مجد غيره، في فئة محدودة تجني ثمار جهده، وتقطف ما تزرعه يده...
.
وللحديث بقية أن شاء الله...
Ashraf_mojahed@yahoo.com

الجمعة، 7 يناير 2011

البريد المصري أولى ...


"أنا لا أخشى الموت ولا أرهبه فهو قضاء الله وقدره، ولكني أخشى أن يؤثر الحكم على زملائى ويصيبهم بالخوف ويقتل فيهم وطنيتهم"... هذه آخر الكلمات التي وجهها الشهيد سليمان خاطر، المجند المصري أثناء محاكمته العسكرية في 28 ديسمبر 1985، والذي فارقت روحه الطاهرة الحياة منذ 25 عاماً في صباح مثل هذا اليوم السابع من يناير عام 1986 في محبسه، والإدعاء بأنه قام بالانتحار بشنق نفسه على حد قول الطب الشرعي والصحف القومية المصرية، ورفض الحكومة إعادة تشريح جثته، ليوصف حتي الآن بأسد سيناء...
.
انتظرت هذا التاريخ طويلاً، لكي أبكي هذا الشهيد البطل، هذا المصري الذي كرم ذكراه البريد الإيراني بإصدار طابع بريد لتخليد اسمه، وتمجيد صنيعه، وإعلاء شأنه بين الأبطال والشهداء، هذا التخليد كنت أتمني أن يخرج من البريد المصري، فالبريد المصري أولى بتمجيد الشهداء والأبطال، بدلا من تمجيد الفنانين والممثلين والمطربين، أولى بنقش صورة هذا البطل على طابع بريد يعيد لنا كرامتنا وحريتنا، ويذكر أبنائنا وأحفادنا بعظمة الإنسان المصري ودفاعه عن أرضه، كان أولي بالبريد المصري ألا يدع التذكير بأبطالنا وشهدائنا ويقدم لنا القدوة والمثل في إعلاء شأنهم وتخليد ذكراهم...
.
والقصة كما نشرت بصحيفة الوفد أنه في يوم الخامس من أكتوبر عام 1985 وأثناء قيام الجندي سليمان خاطر بنوبة حراسته المعتادة بمنطقة رأس برقة بجنوب سيناء فوجئ بمجموعة من السياح الإسرائيليين العرايا يحاولون تسلق الهضبة التي تقع عليها نقطة حراسته، فحاول منعهم وأخبرهم بالإنجليزية أن هذه المنطقة ممنوع العبور فيها، إلا أنهم لم يلتزموا بالتعليمات وواصلوا سيرهم بجوار نقطة الحراسة التي توجد بها أجهزة وأسلحة خاصة بالقوات المسلحة المصرية وغير مسموح لأي إنسان الإطلاع عليها، أو حتى الصعود لتلك الهضبة، فما كان منه إلا أن نفذ التعليمات بإطلاق النار في الهواء أولا للتحذير، ثم أطلق عليهم النار بعدما رفضوا الاستجابة للتحذيرات المتكررة والسخرية منه بإطلاق النار فقتل سبعة منهم، ثم سلم نفسه بعد الحادث، وبدلا من أن يصدر قراراً بمكافأته على قيامه بعمله وتنفيذه التعليمات العسكرية، صدر قرار جمهوري مستغلاً قانون الطوارئ بتحويل هذا الشاب إلى محاكمة عسكرية، بدلا من أن يخضع على أكثر تقدير لمحاكمة مدنية طبقاً للدستور، لكونه من رجال الشرطة، ورغم طعن محاميه في القرار الجمهوري وطلب محاكمته أمام قاضيه الطبيعي، إلا أن الطعن رفض وتمت محاكمته عسكرياً وصدر الحكم عليه في الثامن والعشرون من ديسمبر عام 1985 بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة 25 عاماً، وتم ترحيله إلى السجن الحربي بالقاهرة، ثم نقل إلى مستشفي السجن بدعوي معالجته من البلهارسيا، وفي اليوم التاسع لمحبسه وتحديداً في مثل هذا اليوم السابع من يناير عام 1986 أعلنت الإذاعة ونشرت الصحف الموالية للحكومة خبر انتحار الجندي سليمان خاطر في ظروف غامضة، بعد الإدعاء بأنه مريض نفسياً ويعاني من اضطرابات عقلية ونفسية...
.
سليمان خاطر، شاب مصري مثل معظم شباب هذا الوطن، ولد عام 1961 بقرية أكياد بمحافظة الشرقية من أسرة فقيرة، كان هو آخر أبنائها، التحق مثل غيره بالخدمة الإجبارية بقوات الأمن المركزي التابعة لوزارة الداخلية، بينما كان يدرس منتسباً بكلية الحقوق، ساقه القدر ليكون حارساً على نقطة حدودية مع العدو الصهيوني، فدافع عن أرض وطنه، ودفع حياته ثمن جبن وتخاذل وانبطاح مسئولي هذا الوطن، دفع حياته لأنه صدق هتافات وأكاذيب وزيف من يتغنون بحب الأوطان ويطعنونه يومياً في الصدر قبل الظهر، دفع حياته وسنبكيه ونبكي رجولته وشجاعته...
.
أرقد يا سليمان بسلام وبركات من الله، أرقد يا سليمان فالكل جبان والكل مهان،
خمسة وعشرون عاماً على رحيل جسدك الطاهر، ومازلت فينا بشجاعتك وإقدامك، مازلت معنا بروحك ورجولتك التي نفتقدها جميعاً، معنا بهذا الطابع الإيراني الذي يخلد صنيعك، معنا رغم أنف من حاكموك ظلماً وجوراً، ثم قتلوك غدراً وقتلوا معك نخوتنا وكرامتنا، وعز عليهم تخليد أسمك بطابع بريد مصري!!..
.
وللحديث بقية أن شاء الله ...
Ashraf_mojahed@yahoo.com