الخميس، 30 يونيو 2011

حماية الإيرادات البريدية..


بعد فترة غياب نحو عامين عن البريد المصري، استهللت عودتي للعمل فيه بالمشاركة بورشة عمل بجامعة الدول العربية خلال الفترة من 21 يونيه حتي 23 يونيه2011 بإشراف الاتحاد البريدي العالمي بشأن حماية الإيرادات البريدية، وكانت فرصة طيبة لإعادة نشاطي البريدي ومزاولة العمل الذي أمضيت فيه عمراً يزيد عن نصف عمري الذي شارف على الخمسين.
.
كان لقاءاً مثمراً ومفيداً للأعضاء المشاركين، خاصة وأن فريق العمل المكلف بإدارة الورشة كان علي دراية واسعة بحجم المشكلة بإعداده دراسات واستقصاءات خلال العام الماضي أكدت أن نحو75% من المرافق البريدية تعاني تسرباً لإيراداتها، مما حذا بها إصدار تعميم سمي بالكتاب الأبيض لعرض فيه أفضل الممارسات والإجراءات الكفيلة لحماية إيرادات البلدان الأعضاء بالاتحاد البريدي العالمي التي تعاني المشكلة.
.
هذه كانت البداية منذ عودتي، ولكنها لم تكن البداية في هذا المجال، فمنذ أكثر من خمسة عشر عاماً وقد بح صوتي وجف قلمي بالكتابة للقائمين على البريد المصري من ضياع أمواله تجاه العديد من البلدان الأجنبية، ناتج عن سوء إدارة ومعالجة تلك الحسابات، وعدم وجود دورة مستندية سليمة تحكم دقة تلك الحسابات. خمسة عشر عاماً بذلت فيها من الجهد والتفكير والعمل والمعارك الجانبية للحفاظ على تلك الإيرادات دون جدوي!!.. ذلك أن مشكلتنا في البريد المصري أعمق وأكبر بعدم الاعتراف بالأساس بوجود مشكلة، ومن ثم فلا اجتهادات للحل أو التفكير لأعادة النظر فيما نسير فيه، فالادارات المعنية بتلك الحسابات في ثبات كثبات الموتي، رغم التطور الهائل في تقنية إجراء تلك الحسابات وجهود الاتحاد البريدي العالمي في رفع كفاءتها وفعاليتها... وتلك كانت أطروحتي الرئيسية أثناء المناقشات وتقبله فريق العمل المشرف بالترحاب، فالاعتراف بوجود وحجم المشكلة هي الخطوة الأولي نحو الحل.
.
فالبريد المصري ومنذ أحتلاله من أصحاب الفكر الجديد عام 2002 وقياداته لا تحب سماع المشاكل، تري وتبرز دائماً الجانب الإيجابي والصورة الوردية في كافة التصريحات والمقابلات الصحفية، فكل قيادة على كافة المستويات هدفها الأول إبراز الإنجازات والافتخار والإشادة بما حققته أمام المسئولين، حتى ولو كانت تلك الانجازات ورقية لا قيمة مضافة لها، وبالطبع تأتي القيادة التالية لترفع سقف تلك الانجازات ولا تألوا جهداً في تضخيم تلك الصورة الوردية بشكل يفوق من سبقها، فالحديث عن الانجازات وإعادة افتتاح المكاتب التي فتحت في عهد الاحتلال الإنجليزى والدعاية الإعلامية والمؤتمرات والمهرجانات والندوات كانت الشغل الشاغل لتلك القيادات دون الخوض أو التفكير في حلول عملية لعشرات المشاكل المزمنة لهذا المرفق الكبير.
.
ولك أن تتخيل ونحن في عام 2011 مازالت المكاتب البريدية تعتمد على الكارت اليدوي لإثبات عمليات التوفير، والتي أصبحت تراثاُ تاريخياً بالنسبة لأعمال البنوك، هذا بالرغم ما يتم إنفاقه على البنية التكنولوجية بالهيئة وتعدد القطاعات والوظائف القيادية المعنية بالتكنولوجيا !!..
ولك أن تتخيل كذلك ونحن في عام 2011 كم الحوادث والسرقات التي تحدث للمكاتب البريدية، رغم ما ينفق على الحراسات وتجديد ونمذجة تلك المكاتب، دون مراعاة دقة واختيار القائمين على تلك المكاتب وتأهليهم العلمي والنفسي لإداء الأعمال المالية..!!
ولك أن تتخيل أيضاً حجم ما أنفق خلال السنوات السابقة على الإعلانات والدعاية والمهرجانات والمقابلات الصحفية المدفوعة الأجر دون مردود حقيقي للارتقاء بمستوي الخدمة البريدية وزيادة معدلاتها، لمجرد مصالح وطموحات شخصية لبعض القيادات من أجل الارتقاء لوظائف ومناصب أعلي بالدولة.
.
البريد المصري لا يحتاج إلى الكتاب الأبيض ولا الكتاب الأخضر، البريد المصري يحتاج لقيادات مؤهلة ذات خبرات حقيقية وصادقة مع نفسها ووطنها، ترعي الله في الحفاظ على مكانة هذا المرفق العظيم، تواجه المشاكل بشجاعة المقاتلين، قيادات قادرة على إيجاد حلول عملية وحقيقية لمشاكله المزمنة، قيادات لا تأخذ النعام قدوة لها في دفن روؤسها في الرمال...
.
وللحديث بقية أن شاء الله...
Ashraf.mojahed@gmail.com