الجمعة، 26 نوفمبر 2010

استثمارات البريد المصري !!..

.
"مصير بنك الاستثمار القومي إلـى زوال..." تصريح صحفي للدكتور يوسف بطرس غالي، وزير المالية، رداً على سؤال عن مستقبل البنك حال تطبيق قانون التأمينات الجديد (المصري اليـوم 20/7/2010)... "تحويل هيئة البريد إلى مؤسسة مالية قادرة على تمويل مشروعات تكنولوجية عملاقة..." تصريح للدكتور طارق كامل، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، أثناء انعقاد المؤتمر السنوي الأول لجمعية إتصال (موقع أموال الغد 27/10/2010).
.
التصريحات العديدة والمتكررة عن استثمارات البريد المصري في تلك الأيام، تثير الدهشة، وتبدو وكأنها كمن يضع العربة أمام الحصان، فالمعروف أن الهيئة القومية للبريد، هيئة خدمية أنشئت بموجب مراسيم وقوانين متعاقبة منذ صدور اللائحة الخاصة بتنظيم أعمال البريد في ديسمبر عام 1865 نهاية بالقانون رقم 19 لسنة 1982 لأداء مهام محددة في تقديم كافة الخدمات البريدية من نقل مراسلات وطرود وحوالات مالية، بالإضافة لبعض المهام التي أسندت إليها مؤخراً كصـرف المعـاشات وتراخيص السيارات وغيرها، والتي تنـدرج جميعـاً ضمـن فصـل خـاص بميزانية الهيـئة يسمي فصـل بريـد (1)، وعـادة ما يحقــق خسـائر سنــوية، ناتجـة عن التـذرع الدائـم بتقـديم تلــك الخـدمـات بصـورة تراعـي البـعـد الاجـتـمـاعي، بخـلاف فصــل بريـد (2) الخـاص بمطـابـع البريـد، وفصـل بريـد (3) الخاص بصندوق توفير البريد، الذي يحقق فائضاً مالياً يغطي خسائر الفصل الأول ويزيد بنحو 200 مليون جنية سنوياً.
.
هذه الفوائض المحققة بميزانية البريد المصري مصدرها الوحيد نسبة الـ 80% من الأموال المودعة بصندوق توفير البريد والمستثمرة ببنك الاستثمار القومي بموجب قانون إنشاء البنك رقم 119 لسنة 1980 بفائدة قدرها 9.35% سنوياً، بينما العائد الممنوح لجمهور المودعين يقدر الآن بنحو 9% سنوياً، بفارق 0.35%، بخلاف ما تحصله الهيئة من ناتج المصادقات وعموله السحب من مكاتب آخر والاستفادة من عدم احتساب العائد لشهري السحب والإيداع، بينما يقوم بنك الاستثمار القومي بإقراض وتمويل شركات قطاع الأعمال بفوائد تصل لنحو 12% سنوياً... أما نسبة الـ 20% الباقية فتقوم الهيئة باستثمارها في محافظ صناديق وسندات خزانة والمشاركة في مشروعات بقطاع النقل وشركة اتصالات مصر التي تمتلك نسبة 24% من أسهمها، بالإضافة لإمتلاك عدة شركات بنسبة 100% كشركة البريد للتوزيع، وشركة انترالوت ايجيبت، وشركة سمارت، وشركة الحلول المتكاملة للموانئ، وشركة جيرونيل، وجميعها لم يكشف عن أنشطتها أو ميزانيتها، كما لم يتم الإعلان لماذا تحديداً الاستثمار بتلك الشركات؟!.. خاصة بعدما أثير حول فقدان شركة جيرونيل على سبيل المثال لقيمة أسهمها بنسبة 98% في البورصة والتي يقدر رأس مالها بنحو 630.7 مليون جنية، طبقاً للبلاغ المقدم من النائب البرلماني محمد العمدة إلى المستشار عبد المجـيد محمـود، النائب العام، استنـاداً إلى تقـرير الجهـاز المركـزي للمحاسبات الخـاص بالحساب الختامي للمـوازنة العـامة للدولة، وأشار كذلـك إلى أن تلـك الاستثمارات تضمـنت نحو 2.6 مليـار جنـيه في العديـد من الشركات يرجع تاريخ مساهمة البريد المصري فيها إلى عام 2004 ولم تدر هذه الشركات أي عائد حتى 30/6/2008 (صحيفة المصري اليوم بتاريخ 4/3/2009).
.
ولكن ماذا بعد زوال بنك الاستثمار القومي، وتوجيه باقي أموال مودعي صندوق توفير البريد للاستثمار في تمويل مشروعات تكنولوجيا عملاقة ؟!.. ولماذا قطاع الاتصالات تحديداً هو الذي يحظي بهذا الاهتمام؟!.. رغم توجه القطاع الخاص نحوه بقوة خلال السنوات الماضية والاستثمار فيه محققاً أرباحاً طائلة... ولماذا لا يتم استثمار تلك الأموال في شركات إنتاجية مماثلة للشركات التي قام بإنشائها بنك مصر بداية القرن الماضي برئاسة طلعت باشا حرب؟!.. ولماذا لا نتعلم من التجربة اليابانية في توجيه أموال صندوق توفير البريد لديها في مشاريع صناعية ضخمة أو استثمارات عقارية تعود بعوائد استثمارتها على هؤلاء المودعين الصغار، ليس فقط في ما يحصلون عليه من عائد، بل وفي توظيف وتشغيل أبنائهم وتأمين مستقبل أحفادهم؟!..
.
التجربة الرائدة التي خاضها الراحل العظيم طلعت باشا حرب بداية القرن الماضي في استثمار أموال بنك مصر في إنشاء وتأسيس نحو خمسون شركة إنتاجية، صناعية وزراعية وخدمية في كافة المجالات، ستظل منارة يحلم بها كل مصري في هذا الوطن، يحلم ويأمل بطفرة اقتصادية تحقق له قيمة مضافة فعلية لاقتصاده القومي، تحقق له الإكتفاء الذاتي من الغذاء والكساء والمسكن الملائم، يحلم بشركات وطنية خالصة تأمن له حياة كريمة ومستقبل أفضل لأبنائه.
.
وما نخشاه بعد زوال بنك الاستثمار القومي أن يكون مصير أموال صندوق توفير البريد غير معلوم أو مراقب أو مباح للاستثمار في شركات وقطاعات لا تحقق أي قيمة مضافة للاقتصاد القومي، أو يتعرض لهزات عنيفة وتقلبات مالية لا يحمد عقباها... ما نأمله استثمار تلك المدخرات والتي بلغت ما يقرب من 84 مليار جنيه في مشاريع إنتاجية حقيقية، تكون ذراعاً قويةً لتنمية الاقتصاد القومي وتخدم كل مصري في هذا الوطن، بالتوظيف والتشغيل وتوفير ما يحتاجه من سلع وخدمات، ويطمئن على مستقبل أولاده وأحفاده في حقهم في العمل والتوظيف، وتوفير ما يحتاجونه مستقبلا من غذاء ودواء ومسكن وملبس وموبايل وانترنت..
.
وللحديث بقية أن شاء الله ...
Ashraf_mojahed63@yahoo.com

الأحد، 21 نوفمبر 2010

الفكر البريدي الجديد !!..

.
منذ أن طالعت أول استقصاء إستطلاعي إرسل من المكتب الدولي للاتحاد البريدي العالمي بشأن تغيير مصطلح "إدارة بريدية" بكافة وثائق الاتحاد إلى "بلد عضو و/أو مستثمر معين"، إيقنت أن ثمة تحولاً عالمياً وإقليمياً سوف يحدث تغييرات جذرية في مجال الخدمات البريدية... فمنذ إقرار الحكم C29 بمؤتمر سيول عام 1994 بوجود هياكل متنوعة في البلدان الأعضاء بالاتحاد تقوم بإداء الخدمات البريدية والتأكيد بمؤتمر بكين عام 1999 بالحكم C110 على ضرورة التمييز بوضوح بين الأدوار والمسؤليات الحكومية والتشغيلية فيما يخص توفير الخدمات البريدية الدولية، وصولاً إلى قيام مجلس إدارة الاتحاد بتقديم 32 اقتراحاً بمؤتمر جنيف 2008 لتغيير المصطلح المشار إليه، والتي تم إقرارها بالفعل ضمن وثائق الاتحاد، أصبح هناك واقعاً جديداً يجب التعايش معه والتأقلم في ظله.
.
ويبدو أن الوصول لإدخال الكيانات الغير حكومية أو المستثمرون الخواص لأداء الخدمات البريدية كان الهدف المتدرج والحقيقي الذي سعي إليه الاتحاد من خلال جملة الدراسات والاستقصاءات التي أجراها مجلس الإدارة بهذا الشأن منذ مؤتمر سيول 1994، فالاندفاع نحو العولمة والسوق الحر والاستثمار في الخدمات البريدية أصبح قاب قوسين أو أدني من البلدان النامية والفقيرة، فالإدارات البريدية الحكومية بتلك البلدان من وجهه نظر المهيمنين على الاتحاد لم تستطع وحدها النهوض بالخدمات البريدية بالدرجة الكافية، ومن ثم كان من الضروري إشراك الكيانات الخاصة وتمثيلها من خلال المجلس الاستشاري، الذي يعد نافذة جديدة بجوار مجلسي الإدارة والاستثمار ليمثل تلك القطاعات والمنظمات الغير حكومية بالاتحاد.
.
هذا الفكر الجديد في اعتقادي كان ومازال يلائم البلدان الأوروبية والأمريكية، وبعض البلدان الأسيوية الأكثر انفتاحاً كاليابان وسنغافورة وتايوان وهونج كونج، وما لديها من قدرة هائلة من شركات عملاقة وسوق بريدي تنافسي يهيمن عليه الشفافية والحرية الأقتصادية بمفهومها الحقيقي، تبعده بطريقة آلية عن الاحتكـارات والاستـغلال، ولم يكن في يـوم من الأيــام ملائـماً للعـديد من البلدان النامية في أمريكـا اللاتيـنية وأفريقـيا وبعض البلـدان العربية النامية والناهضـة، والتي تسلك طـرق عــدة ومتنـوعة في إقتصـادياتها وتشغيل خـدمـاتها البريدية، وتعـج بالفساد وعـدم الشفافية.
.
فبعض البلدان العربية التي تتشبث بالأفكار الغربية كالأردن والسودان ولبنان على سبيل المثال وهرولت إلى خصخصة خدماتها البريدية، سرعان ما تراجعت بإعادة دراسة موقفها بعدما استشعرت خطر هيمنة الاستثمارات الأجنبية على مرفقها البريدي، بينما عالجت البلدان الخليجية الأكثر نضجاً وانفتاحاً وقدرة مالية موقفها بالمضي قدماً في تحسين خدماتها البريدية بشراكات فنية وتكنولوجية مع شركات عالمية ذات خبرات متعددة بما يسمح لها بالنهوض بتلك الخدمات، دون الرضوخ للشركات الحاكمة، وهناك بلدان أخري أكثر حذراً وإنكفاءً كسوريا وليبيا والجزائر التي مازالت تمسك بتلابيب مؤسساتها البريدية، رغم ما تعانيه من ضغوط دولية لفتح أسواقها البريدية أمام الشركات الدولية.
.
أما البريد المصري، فالتصريحات الصحفية المتكررة منذ عام 2007 بعدم خصخصة الخدمات البريدية أو تحويل هيئة البريد إلى شركة قابضة، يثير الكثير من المخاوف، في ظل السماح لنحو سبعة عشر شركة دولية للعمل في المجال البريدي ونقل الطرود، والإعلان عن قرب إنشاء هيئة مستقلة لإدارة الخدمات البريدية ممثلة في جهاز قومي للبريد علي غرار الجهاز القومي للاتصالات، بالإضافة إلى ما أنتهي إليه البرلمان المصري في مايو الماضي من إقرار قانون مشاركة القطاع الخاص في البنية الأساسية والمرافق العامة، وما أثير حوله من مخاوف من إعادة السيطرة والامتيازات للشركات الأجنبية وتحكمها في فرض أسعاراً للخدمات العامة تفوق قدرة المواطن المصري.
.
وبقليل من التبسيط، نذكر أن الأنشطة الجـارية الخاضـعة للبريد المصري والتي تدرج ضمن ميزانيته العمومية تشتمل على ثلاثة فصول: فصل بريد(1) ويتمثل في الخدمات البريدية التقليدية، ويعاني في العادة من خسائر سنوية متراكمة، فصل بريد (2) ويتمثل في مطابع البريد، وتحقـق له طفرة خـلال السنوات الثلاثة الماضية بضخ أموالاً لزيادة استثماراته ونشاطه، فصل بريد (3) ويتمثل في صندوق توفير البريـد، الذي يحقـق فائضـاً ماليـاً كبيراً يغـطي خسائر الفصل الأول ويدعـم الفصل الثاني، وينـظر إلي مدخـراته بانفـتاح عمـيق لتوجيـه أمـواله نحو تمـويل مشروعـات تكنولـوجية عملاقة بقطـاع الاتصالات، طبـقاً لتصريح الدكتـور طـارق كامـل وزيـر الاتصـالات وتكنـولـوجيا المعلومات أثنـاء المؤتمـر السنوي الأول لجمعـية اتصـال (موقع أمـوال الغـد 27/10/2010).
.
اذاً نحن أمام فكر بريدي مصري جديد يتمثل في التخلص أو التقليل من أعباء الخدمات البريدية التقليدية، التي لم ولن تحقق فوائض مالية، وتمثل عبئاً على ميزانية الهيئة، بالسماح لشركات القطاع الخاص بإلتهام النصيب الأكبر منها، والاكتفاء بالإشراف والتنظيم أسوة بالجهاز القومي للاتصالات، وكذلك لمسايرة توجهات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والالتزام باتفاقية الجات وغيرها من الاتفاقيات المنظمة لحركة التجـارة العالمـية، والاستفـادة من أمـوال صندوق توفـير البريد في استثمارات بقطـاع الاتصالات، خاصة بعد ما أعلن عن قرب زوال بنك الاستثمار القـومي (صحيفة المصري اليوم 20/7/2010).
.
وللحديث بقية أن شاء الله ...
Ashraf_mojahed63@yahoo.com

الأحد، 7 نوفمبر 2010

الناخب البريدي ...

.

شهر نوفمبر الحالي سوف يشهد في نهايته انتخابات مجلس الشعب المصري، وسط صخب وجدل وعراك سياسي لم نشهده من قبل بين دعوات للمشاركة وأخري للمقاطعة، فمنذ عودة الحياة الحزبية في مصر عام 1977 وسيطرة الحزب الوطني على مقاليد السلطة، لم نشهد دنو حزب آخر يستطيع تتويج المبدأ الديمقراطي بتداول السلطة، فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة، حسب تعبير مفكرنا الدكتورأحمد كمال أبو المجد.

.

في اعتقـادي أن أسـاس العمـلية الانتخـابية ومحـورها الرئيسي هو الناخب، إذا ماأعطي حريته، فالناخب في البلدان الأوروبية المتقدمة ديمقراطياً يستطيع إجبار حكامه وأحزابه وإخضاع برامجهم وآرائهم لما يريده من تقدم ورفع مستواه المعيشي، بخلاف ناخبنا وما يعانيه من سوء تقدير وعدم وعي بالمصالح الجماعية والوطنية، واهتمامه بمصالحه الشخصية والمنافع الذاتية التي تعود عليه من انتخاب نائب بعينه، بالإضافة للسلبية وعدم المبالاة للجزء الأكبر من هؤلاء الناخبين، أما لجهل أو إنشغال بلقمة العيش أو ليأسه من جدوي العملية الانتخابية برمتها.

.

أما الناخب البريدي، فواقعه الانتشار في إرجاء القطر المصري، خمسة وخمسون ألف موظف وعامل يعملون في العشرات من المناطق البريدية ومراكز الحركة ونقاط التوزيع ومئات المكاتب البريدية في مدن وقري ونجوع مصر، إنتشار جعله لا يمثل كتلة تصويتية في دائرة من الدوائر الإنتخابية بعينها، بيد أن إنتشاره هذا قد يكون ميزة وأفضلية إذا ما صار إيجابياً، واعياً، مدركاً بأهمية العملية الانتخابية في الحفاظ على حقوقه ومستقبله ومستقبل أبنائه وأحفاده...

.

ولكن كيف يكون ناخباً حقيقياً، وقد تربي على السمع والطاعة وإتباع الأوامر والتعليمات منذ أن التحق بمراحل التعليم الأساسي، يحرم عليه إبداء رأيه، لا يختار ممثليه بالاتحادات الطلابية، مقهور في مدرسته، ثم في جامعته، حيث تزور انتخابات الاتحادات الطلابية، ويعين العمداء ورؤساء الأقسام... كيف يكون ناخباً صالحاً وهو لا يستطيع انتخاب عمدة قريـته أو رئيس حي مدينـته، أو محافـظه، فهو تربي ونشاة في طـواعية رؤسائه ومديـريه المعينين، لا يستطيع بإرادة حـرة انتخـاب مجلس إدارة هيئته أو نقابته أو من يمثله ويدافع عن حقوقه، يترك وحيداً لكي يفترس فرادا وواحداً تلو الآخر...

.

هذا حال الناخب البريدي التقليدي المنتشر في المدن والقري، ناخب لا وزن له ولا حول ولا قوة لإرادته، فهو ناخب هزيل، كل ما يعنيه ما يحصل عليه من فتات راتبه وبدلاته التي لا تكاد تسد رمقه ورمق عائلته، فيتجه تلقائياً لعمل إضافي أو تجارة منزويه ليستكفي حاله هو وعائلته، فعقله ووقته منهكان وراء لقمة العيش، ولا وقت للسياسة أو العمل السياسي... بخلاف الناخب البريدي الجديد الذي ابتدعته ودربته السلطة خلال السنوات القليلة الماضية، فجلب العشرات من لواءات وقـادة الجيش لشغل المناصب القيادية بالبريد المصري، والعشرات من أنصـار الحزب الوطني واتبـاعه لتولي مناصب علـيا وقيادية، جعل اصطفـاف الناخب البريدي الجديد مرهـوناً بنيل رضا رؤسائه ومديريه، أملاً في الترقي وجني مكاسب وظيفية، فنشئ جيلاً من الناخبين البريدين أكثر التصاقاً بالمصالح الفئوية والحزبية، تتحول رويداً لمصالح شخصية، لا تدرك مصالح الأمة ولا مصالح مؤسسته.

.

الناخب البريدي الحقيـقي، مع التماس العـذر لـه، يجب أن يكـون هدفـه الإنتخـابي الأول إقـامة العـدل في المجتمع، ســواء كان مع الحزب الوطني أو مع غيـره، فالعـدل أسـاس الملـك... فكم من حضـارات فقـدت، وأمم فنـيت، وزعامــات كسـرت، بسبب شطـطـها عن العـدل، فالعـدل وحـده هو الذي يضـمن البقــاء والاستمـرار، وبدونـه ستـزول مهمـا طــال الاستبداد، ستـزول وتلعـنك الأمـم ويلعـنك اللاعنـون...

.

وللحديث بقية أن شاء الله ...

Ashraf_mojahed63@yahoo.com

الثلاثاء، 2 نوفمبر 2010

البريد المصري ... لماذا 24 % ؟!..


24 % هي نسبة مساهمة البريد المصري في شركة اتصالات مصر للتليفون المحمول، طبقاً لما جاء بتصريح السيد رئيس مجلس إدارة البريد المصري بصحيفة اليوم السابع بتاريخ 25/8/2010 وبتاريخ 14/9/2010، بأن أموال صندوق توفير البريد تبلغ 84 مليار جنية، يتم استثمار 80% منها في بنك الاستثمار القومي و20% يتم وضعهم في محافظ صناديق وسندات خزانة، إضافة إلى المشاركة في مشروعات كبيرة في قطاع النقل وشركة اتصالات مصر التي يمتلك البريد 24% من أسهمها.
.
هذه الشراكة تمت حين أعلن الجهاز القومي للاتصالات في فبراير 2006 طرح كراسة الشروط لترخيص الشبكة الثالثة للتليفون المحمول في مصر، والتي شهدت تنافساً محموماً بين عدة تحالفات للفوز بهذا الترخيص، أسفر في نهاية المطاف وبعد أربعة جولات، تنافست فيه تسعة تحالفات عالمية مؤهلة فنياً وتقنياً بفوز تحالف مكون من شركة اتصالات الإمارات بنسبة 66% والبريد المصري بنسبة 20% والبنك الأهلي المصري بنسبة 10% والبنك التجاري الدولي بنسبة 1% ومؤسسة النابودة وشركة الاستثمارات التقنية بنسبة 5ر1% لكل منهما... وبلغت قيمة الرخصة نحو 7ر16 مليار جنية بما يعادل 9ر2 مليار دولار أمريكي، بالإضافة إلى رأس مال مدفوع بلغ 10 مليار جنية، تم زيادته عام 2009 لمبلغ 14 مليار جنية لتعزيز تواجد الشركة بالسوق المصري.
.
أعلن عن تأسيس الشركة ومجلس إدارتها في أكتوبر 2006، والذي تتضمن في عضويته كل من المهندس علاء فهمي، رئيس مجلس إدارة البريد المصري، والمهندس أحمد قدري، نائب رئيس مجلس إدارة البريد المصري لشئون تطوير الخدمات، ممثلين بصفتهما عن البريد المصري، ولم يعلن حتى الآن عمن حل محلهما، منذ أن تم تعين الأول وزيراً للنقل في يناير 2010، وانتقال الثاني للعمل مساعداً له بالوزارة، فلا يتصور أن يظلا يمثلان البريد المصري بعضوية مجلس إدارة الشركة... تم تدشين الخدمة رسمياً في الأول من مايو عام 2007 كأول شركة للتليفون المحمول تستخدم الجيل الثالث المتطور 3.5G مع حملة إعلامية واسعة ونشاط وترحيب من الأوساط المالية والحكومية بإنعاش الخزانة العامة بنسبة الشريك الأجنبي، على أساس أنها سوف تضخ استثمارات مباشرة للسوق بما يقرب من 11 مليار جنية بالعملة الصعبة.
.
جميع الأحاديث واللقاءات الصحفية التي تمت مع المهندس علاء فهمي منذ الإعلان عن فوز التحالف وتأسيس الشركة، أن البريد المصري سوف يغطي حصته في التمويل من خلال فوائض الهيئة المالية أو التسهيلات الائتمانية التي يمكن أن تحصل عليها، وأن شراكة البريد المصري في شركة اتصالات مصر هي الأكثر والأفضل ربحية حتى في ظل الأوضاع المالية العالمية المتدهور، نافياً الاستعانة بأموال صندوق توفير البريد لتمويل الصفقة... ثم أتبعه الدكتور أشرف زكي رئيس مجلس إدارة البريد المصري الحالي في مديح تلك الشراكة التي أبدي تفاءلاً بأن قيمة أسهمنا في شركة اتصالات مصر تضاعفت، وإذا قررنا بيع تلك الحصة غداً فسوف تحصل على أضعـاف ما دفعـته عند تأسيس الشركة، وأتوقع أن يبـدأ الشركاء في الحصول على عائد استثمارهم في اتصالات خلال عامين على الأكثر (صحيفة الوطني اليوم بتاريخ 19/10/2010).
.
ورغم تلك التصريحات المتفائلة، فإن إنسحاب الشريك الثالث البنك الأهلي المصري وبيع أسهمه البالغة 10% لمستثمرين لم يكشف عنهم بعد، وزيادة نسبة البريد المصري من 20% إلى 24% أمراً يثير الدهشة، فالبنك الأهلي المصري ومالديه من خبراء في مجال الاستثمار آثر عدم الاحتفاظ بأسهمه في تلك الشراكة رغم التصريحات الوردية والمتفائلة بقرب جني الأرباح، بينما في نفس الوقت أقدم على منح الشركة قرضاً بالاتفاق مع بنك مصر وبنك أبو ظبي الوطني بما قيمته نحو 2ر7 مليار جنية، لتقوم الشركة لسداد جزء من الالتزامات المالية المطلـوبة منها خاصة سداد القسـط المستحق عليها من قرض حصـلت عليه سابقاً من مجموعة البنك العربي بمشاركة ستة بنــوك عالمــية وإقليمــية بمقــدار 845 مليـون دولار(حـوالي 8ر4 مليار جنية)، إلي جانب تطــوير الشبكة وإقــامة توســعات جـديـدة (روزاليوســف بتاريخ 26/9/2010).
.
ثمة تناقض واضح بين موقف كل من البنك الأهلي المصري والبريد المصري من تلك الشراكة، يدعمه غموض الشركة في عدم نشر تفاصيل موقفها المالي خلال السنوات الثلاثة والنصف السابقة منذ تأسيسها وبيان ميزانيتها ونشاطها الجاري... والأخطر أن جزءاً من أسهمها يمول من أموال صندوق توفير البريد المصري، وأن تلك النسبة التي قرر البريد المصري زيادتها من 20% إلى 24% لا تُخضع الشركة من الناحية القانونية لأيه رقابة من الجهاز المركزي للمحاسبات طبقاً لنص القانون رقم 144 لسنة 1988 بأن "الرقابة على الهيئات العامة الاقتصادية والمؤسسات العامة وهيئات القطاع العام وشركاته والمنشآت والجمعيات التعاونية التابعة لأي منها والشركات التي لا تعتبر من شركات القطاع العام والتي يساهم فيها شخص عام أو شركة قطاع عام أو بنك من بنوك القطاع العام بما لا يقل عن 25% من رأسمالها، وكذلك المؤسسات الصحفية القومية والصحف الحزبية والنقابات والهيئات الأخري المنصوص عليها في المـادة 3 من هذا القانـون" (البـند 2 من المـادة 5 / مباشـرة الجهـاز لاختصـاصـته)، ورفـض الشركة المتكــرر لزيــادة حصـة البريـد المصـري عن تلـك النسبة (صحيفة المصـري اليـوم بتاريخ 7/7/2007).
.
في المقابل نجد نموذج أكثر شفافية ووضوح متمثل في الشركة المصرية للاتصالات، التي تستحوذ على نسبة 45% من شركة فودافون مصر، والتي حققت نسبة مبيعات قدرها 7ر42% من السوق المصري مقارنة بشركة اتصالات مصر التي حققت نحو 4ر16 % خلال العام المالي 2009/2010، والذي اسفر عن حصول الشركة المصرية للاتصالات على أرباح من شركة فوادفون نظير حصتها قدرت بنحو 35ر1 مليار جنية بزيادة قدرها 218 مليون جنية عن حصتها في عام 2008، مكنتها من توزيع أرباحاً نقدية بقيمة 5ر12 جنية للسهم الواحد...(صحيفة اليوم السابع بتاريخ 24/6/2010، وبتاريخ 19/7/2010).
.
أذاً نحن أمام شركة لم تعلن عن موقفها المالي ولم تنشر ميزانيتها خلال السنوات الثلاثة والنصف الماضية، ولا تخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، وأموالاً تستثمر فيها من صندوق توفير البريد الحكومي، بالأضافة للخدمات الجليلة التي يقدمها البريد المصري من تأسيس شركات لتقـديم للشركة خدمــات خاصة كشركة البريـد للتوزيــع، وخدمــات 3700 مكتب بريــد منتشرة بإنحــاء الجمهــورية، واستخدام بعضها في إنشــاء شبكات الشركة الهوائــية وغيرها من الخدمــات لا يعرف أن كانت ضمـن نسبة الـ 24% أو خارجــها، في انتظــار ما سوف يعلن عنه من أرباح بعد عــامين!!.. تســاؤلات كثيرة وإجابــات قليـلة، ومعلومــات غـزيرة يصعب الإفصــاح عنها الآن !!..
.
وللحديث بقية أن شاء الله ...
Ashraf_mojahed63@yahoo.com