الجمعة، 19 مارس 2010

الــ UPU و الــ FIFA !!..


ينتاب الإنسان قدر غير قليل من الحيرة حين يجد نفسه يقارن بين أمرين أبعد ما يكونا في الأهداف والمرامي، فلو أنك قارنت بين البريد المصري والبريد التركي على سبيل المثال، لقلت أن هذا أمراً طبيعياً ومتعارف عليه في دنيا المقارنات، أما أنك تقارن بين الاتحاد البريدي العالمي UPU المنوط بتيسير حركة البريد على المستوي الدولي والاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA المنوط بإدارة لعبة كرة القدم عالمياً، فهذا يحتاج لمزيد من التدقيق والتفسير!!..

وواقع الأمر أن ثمة قواسم مشتركة كثيرة تجمع الاتحادين، أذكر بعضها للاسترشاد، وذلك إيضاحاً للسبب الحقيقي لطرق الموضوع، فعلي سبيل المثال:

- الاتحاد البريدي العالمي تأسس عام 1874 على خلفية اجتماع نحو عشرين بلداً بدعوة من الحكومة السويسرية، والذي انتهي بتوقيع معاهدة برن، التي تضمنت أول اتفاقية جماعية لتنظيم الخدمة البريدية الدولية وتأسيس الاتحاد البريدي العالمي، الذي أصبح الآن يضم نحو 198 بلداً، ومقره العاصمة السويسرية برن، ويعد من أعرق المنظمات الدولية المتخصصة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، التي تهدف لتوثيق أواصر الصداقة وتمكين التفاهم بين الشعوب وتوسيع ونشر الثقافات فيما بينها... أما الاتحاد الدولي لكرة القدم فقد تأسس عام 1882 باجتماع مندوبي أربعة اتحادات كروية هي الإنجليزي والويلزي والاسكوتلاندي والإيرلندي بالعاصمة البريطانية لندن، وتم وضع مبادئ وأسس لتنظيم لعبة كرة القدم، وسرعان ما أنتشرت تلك اللعبة خلال العقدين التاليين، حيث تم إقرار الاتحاد بصفة عالمية في 1904 حتى أصبح الآن يضم 207 اتحاداً كروياً، ومقره الحالي مدينة زيورخ السويسرية.

- الاتحاد البريدي العالمي يضم الملايين من عمال وموظفي البريد بكافة أرجاء المعمورة، فمازال العنصر البشري يمثل رافده الأساسي في إتمام مهامه بطريقة منتظمة وطبقاً لقواعد وقوانين ولوائح دولية تنظمها الاتفاقات البريدية الدولية، ويعكف على تطويرها وتحديثها مجالس منتخبة كل أربعة سنوات ممثلة في مجلس الإدارة ومجلس الاستثمار واللجنة الاستشارية، بهدف تيسير الخدمات البريدية لملايين من جمهور المتعاملين حول العالم بالصورة التي تواكب التطور الحضاري والمجتمعي لتلك الشعوب... أما الاتحاد الدولي لكرة القدم فيضم كذلك الملايين من اللاعبين المقيدين بجداوله دوليا ومحلياً، وغيرهم من الإداريين والفنيين والمدربين والأجهزة الطبية المعاونة، والتي تعمل من خلال لوائح وقوانين وأنظمة تحكم قواعد اللعبة والمسابقات المحلية والدولية، وتقوم الهيئة العليا المنتخبة بالاتحاد بأعمال الرقابة والمتابعة والتجديد من أجل تفعيل دور الاتحاد وخدمة الملايين من محبي وعشاق تلك الرياضة.

- الاتحاد البريدي العالمي يعمل من خلاله عدة اتحادات قارية وإقليمة كاتحاد البريد الأفريقي، والاتحاد البريدي لدول أمريكا والكاريبي، واللجنة العربية الدائمة للبريد، وهي جميعاً اتحادات إقليمية محدودة تهدف إلى التنسيق والتشاور فيما بينها... وكذلك الاتحاد الدولي لكرة القدم يعمل من خلاله عدة اتحادات قارية محدودة كالاتحاد الأسيوي لكرة القدم ، الاتحاد الأفريقي، الاتحاد الأوروبي ..

- الاتحاد البريدي العالمي أصبح أكثر تطوراً وتحرراً في تقديم الخدمات البريدية وفي تحوله نحو المزيد من الاستثمار وسياسة السوق المفتوح، فالخدمة أصبحت في السنوات القليلة الماضية ليست خدمة جماهيرية ولا مجتمعية، بل أصبحت خدمة لمن يدفع... أما الاتحاد الدولي لكرة القدم فأضحي كذلك من الهواية والاستمتاع إلى الاستثمار في بورصة اللاعبين والاستفادة المالية من شركات الدعاية والإعلانات، والاحتكارات في البث الهوائي والتلفزيوني، فأصبحت خدماته أيضاً لمن يدفع، وكله على حساب الجمهور.

ثمة قواسم كثيرة وتشابه بين الاتحادين، إلا أن اللافت للنظر وما نود طرحه، هو أن الاتحاد الدولي لكرة القدم يفرض ضوابط ولوائح وقوانين تنظم عملية انتخاب مجالس إدارات الاتحادات المشاركة تحت لوائه، ولا يمكن للدولة التابعة له الاتحاد المشارك أن تتدخل لحل تلك المجالس المنتخبة أو تقيد مهامها أو التدخل في شئون اللعبة أو قواعد انتقال اللاعبين، وإلا واجهت عقوبات قاسية تفرض عليها بالمنع من المشاركات الدولية، أو تقيد حرية انتقال اللاعبين، أو الشطب، والأمثلة على ذلك كثيرة كالإجراءات التي أتخذت مع الاتحاد الإيراني لكرة القدم أو الاتحاد العراقي... بينما الاتحاد البريدي العالمي فلا يمكنه التدخل في شئون مجالس إدارات الهيئات والمؤسسات البريدية المشاركة تحت لوائه، فجميعها تقريباً يتم تعينها من قبل الدولة، ولا يتم انتخابها، وتلك المجالس قد تتخذ العديد من الإجراءات والقرارات التي ما كثيراً ما تصب في غير صالح الخدمة أو صالح العاملين بها، ولا يغرنك حالات المراقبة النوعية التي تحدث بين الحين والآخر لتيارات البريد، ويقف الاتحاد البريدي العالمي مكتوف الأيدي لا يستطيع التدخل أو التوجيه، فهو اتحاد أمام أعضائه لا حول له ولا قوة.

تخيل في اللعب يأتي من يقوم بالإدارة بالانتخاب واختيار الأصلح، وإلا واجه العقوبات والشطب والحرمان من المشاركة في المسابقات الدولية، بينما في الجد يأتي من يقوم بالإدارة بالتعيين، والمعين غالباً ما يكون طوع أمر من عينه لا سواه ..

كل تلك الأفكار تذكرتها حين لكزني طبيب التخدير وحين آفقت من العملية الجراحية التي أجريت لي في الأسبوع الماضي، ولولا تلك اللكزة لكان موقفي اللي نعرفه خيراً من اللي مانعرفوش!!..

وللحديث بقية ..
ashraf_mojahed63@yahoo.com


الاثنين، 8 مارس 2010

ساعي البريد !!..

.
أقصد موزع البريد، دون سواه!!..فهذا الرجل الذي يجوب الشوارع والحارات للبحث والتنقيب عن عناوين ومنازل أصحاب الرسائل، قد يساهم في صناعة تاريخ بعض الأشخاص، قد يدخل السرور على قلب طفل تركه أباه مسافرا باحثاً عن رزقه، وقد يكون بشير نور وضياء كبشير يعقوب عليه السلام، فهو يحمل معه حكايات القدر وتصاريفه، أخبار الفرح والحزن، الحياة والموت، الفرج والكرب، كثيرا منا لا يعرف المعاناة التي يلاقيها موزع البريد، فعملية إيصال البعائث البريدية لأصحابها تمر بمراحل عديدة تنتهي بقيام موزع البريد بإيصالها لأصاحبها، وهذا الأمر الأخير قد يفوق المشقة ذاتها.

هناك اعتقاد سائد أن وظيفة موزع البريد عالة أو عبء على زملائه من العاملين بالحقل البريدي، فهو يقدم خدمة بلا مقابل ودون تحصيل أي أجرة أو رسوم من جراء عملية تسليم البعائث البريدية، هذا الاعتقاد الخاطئ جعل منه موظفاً مهملاً، لا حقوق له، لا يستطيع المطالبة بتحسين ظروف عمله أو بحقوقه من مكانة وظيفية أو بدلات مالية ومخاطر مهنة، بينما هذا الاعتقاد الخاطئ يناقض الحقيقة، فمن المتعارف عليه دولياً أن البلد المصدرة للبعائث البريدية تقوم بدفع تكاليف عمليات الفرز والتوزيع لبلد المورد، بما يعرف في المحاسبة الدولية البريدية بالنفقات الختامية، وهذه النفقات أخذت حيزاً كبيراً في الأونة الأخيرة من نقاشات ومداولات بالمؤتمرات البريدية الأخيرة بغية الوصول إلى ربط بين قيمة ما يدفع من تلك النفقات بنوعية وجودة الخدمة المؤداه من قبل بلدان المورد، ومن ثم فأن معيار تحقيق العدالة أن ترتبط تلك النفقات والحوافز والمميزات الإضافية التي تدفعها بلد المصدر لبلد المورد بما يقوم به هذا الموزع من جهد وعرق ودقة في عملية التوزيع، فموزع البريد الذي يحسن عمله طبقاً للمعايير الدولية قد يصبح الآن مصدراً لدخل ونمو إدارته وليس العكس على ما يعتقد البعض.

وتاريخياً يحدثنا التاريخ عن أول وثيقة جاء بها ذكر البريد حوالي عام 2000 ق.م وهي وصية كاتب لولده يوصيه فيها عن أهمية صناعة الكتابة والمستقبل الزاهر للعمل في وظائف الحكومة، ومن بين ما قاله "أما ساعي البريد فانه يحمل أثقالا فادحة، ويكتب وصيته قبل أن ينطلق في مهمته توقعا لما يصيبه، من الوحوش، والآسيويين".
.
وحديثاً أجد نماذج باهرة من هؤلاء الموزعين عبر العالم:
فالموزع الهندي أنادي بهاشارجيه، يعمل موزع للبريد بالنهار وممثل مسرحي بالليل، التحق بالعمل بالبريد الهندي منذ خمسة عشر عاماً، بجزر آندامان الهندية، ومتزوج وأب ودخله الشهري لا يتجاوز 275 دولار أمريكي، أهتدي لطريقة لتأمين عيشه هو وأسرته بالعمل كممثل مسرحي ليلاً بعدما يأس من زيادة دخله بالبريد الهندي.
وكذلك الموزع الرواندي إيمانويل هافوجيمانا، يعمل بالبريد الرواندي، ومغني بفريق كوارل بالليل، التحق بالعمل بخدمة البريد العاجل بمدينة كيغالي منذ عام تقريباً، ودخله لا يتجاوز 140 دولار شهريا، والقيام بالغناء يشبع هوايته ويؤمن له دخلاً إضافياً لتأمين عيشه وأسرته الصغيرة.
أما الأمريكية جينيفا كوبال، فتعمل كموزعة بريد منذ 22 عاماً بالولايات المتحدة الأمريكية، أم لطفلين وشغوفة بهواية التصوير الفوتوغرافي والتزحلق على الماء، راتبها الشهري يقترب من 4500 دولار (مجلة الاتحاد البريدي العالمي، الأعداد 4،3،2/2009).

أما موزع البريد المصري، فهو متهم حتى تثبت برءأته، يسير خلفه في الشوارع عشرات من المفتشين والمفاجئين والمراقبين، خوفاً على البعائث البريدية، كما أنه يقضي نهاره بالكامل في اللف والدوران على أرقام وشوارع متكررة وغير مرتبه وسط عشوائيات وشوارع غير ممهدة وطرقات ومدقات وعرة، ناهيك عما يلاقيه من معاملة سيئة من جمهور لا يعي ثقافة احترام العمل وتقديره، ويقضي ليله واضعاً قدمه في ماء ساخن وملح لتخفف من الآم قدمه، حتى يستطيع مواصلة رحلة عذابه في اليوم التالي.

وإذا كان الموزع الهندي يعمل ليلا كممثل مسرحي، والرواندي كمغني ضمن فريق كوارل لتحسين دخلهما، والموزعة الأمريكية تستمتع بباقي يومها بهواية التصوير والتزحلق على الماء، فنصيحتي للموزع المصري في ظل ظروفه الحالية ولكي يزيد من دخله أن يتوكل على الله ويشتغل ....!!. عملاً بمقولة الفنان عادل إمام في مسرحيته الشهيرة شاهد مشافش حاجة.
.
وللحديث بقية ...
Ashraf_mojahed63@yahoo.com

الثلاثاء، 2 مارس 2010

شخصيات بريدية !!..


كان يا مكان في سالف العصر والزمان، رئيس مجلس إدارة للبريد المصري كان غلبان!!.. أعتذر، أقصد كان محترماَ وليس له في اللف والدوران والتحايل على القانون. الأستاذ/ رأفت خلوصي حسن، رحمه الله، عين رئيساً لمجلس إدارة الهيئة القومية للبريد خلال الفترة من 29/8/1996 حتى 7/3/1997 وتم تمديد له عام إضافي بعد بلوغه سن المعاش حتى 7/3/1998.

عرفته شخصياً وتعاملت معه في عدة مواقف مختلفة، كان مجتهداً ومثالاً للذكاء والانضباط والتفاني في العمل، وكذلك كان صاحب حضور وكرزمة مميزة، يجذب إليه من يتعامل معه، أهم ما كان يميزه براعته وكفاءته البريدية والإدارية، فكان رحمه الله، يمكث بمكتبه فترات طويلة لمراجعة وتدقيق ما يعرض عليه من مذكرات وأوراق، ويحمل ما تبقي منها للمزيد من الدراسة والفحص بمنزله لفترات طويلة من الليل، والتي لا تكاد تنفك منها ورقة إلا بتعليق جانبي أو طلب استفسار أوإعادة العرض لمزيد من تحري الدقة من البيانات، فكان كثير السؤال والتدقيق في كل كبيرة وصغيرة، ويتعامل مع الصغير والكبير بقدر كبير من الود والاحترام.

هذه المعلومات تيقنت منها أثناء التعامل معه، فأذكر ذات يوم أنه أرسل في استدعائي بمكتبه قبل موعد مغادرة العمل ببضع دقائق لمناقشتي في جملة ذكرتها بمذكرة تقدمت بها إليه، وأمتد النقاش معه لأكثر من ساعتين مستفسرا ومدققاً حتى في تركيبة الجملة لغوياً، وذلك قبل أن يؤشر على المذكرة بعبارة أوافق.

هذه البراعة والمواهب القيادية والإدارية النادرة سواء داخلياً وخارجياً وعلاقاته الواسعة دولياً، إلا أنه كان غلبان!!.. وأعتذر للمرة الثانية، وسوف أوضح لماذا كان كذلك؟!..لأنه ببساطة لم يستطع يوماً أن يلتف حول القانون أو يتلاعب بنصوصه أو يحصل على ميزة أو منفعة خارج حدود ما رسمه القانون، هذا ما شاهدته وعاصرته، رغم ما أتخذه ضدي ظلماً بسبب بعض الوشايات والأحقاد التي كيدت لي في ذلـك الوقت - سامحهم الله - فقد تبين خلال سنة مالية أنه قد حصل بحكم منصبه من راتب وبدلات ومزايا أخري على مبلغ تجاوز ما هو مقرر بالقانون رقم 105 لسنة 1985 بشأن الحد الأعلي للأجور، وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 615 لسنة 1986 بأنه "لايجوز أن يزيد على 54 ألف جنيه سنويا مجموع ما يتقاضاه أي شخص يعمل في الحكومة أو وحدات الإدارة المحلية أو الهيئات أو المؤسسات العامة أو بنوك القطاع العام أو هيئات القطاع العام وشركاته، بصفته عاملا أو مستشارا، أو بأي صفة أخرى، سواء صرفت إليه المبالغ بصفة مرتبات أو مكافآت أو بدلات أو حوافز أو بأي صورة أخرى"... هذه الزيادة التي صرفها على مدار السنة المالية قدرت بنحو ثلاثة الآف جنية، قام بردها على الفور بعد حصرها احتراماً للقانون ولتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات دون تردد أو مرواغة، تخيل!!..

موقفه هذا جعل ما ينشر ببعض الصحف عن رواتب وبدلات بعض العاملين بالبريد المصري حالياً والتي يقال أنها تجاوزت أكثر من ثمانيين أو مائة ألف جنية شهرياً كصحيفة المصري اليوم بتاريخ 4/5/2009 وصحيفة الدستور بتاريخ 28/12/2009 دون تعقيب أو إيضاح من إدارة البريد المصري، ظل حاكاً بصدري لعدة شهور حتى صدور حكم المحكمة الدستورية العلـيا بالقضية رقم 202 لسنة 28 قضـائية بتــاريخ 6/12/2009 بعدم دستورية نص المادة الثانية من القانون رقم 105 لسنة 1985 بشأن الحد الأعلى للأجور، وما فى حكمها، فى الحكومة ووحدات الحكم المحلى والهيئات والمؤسسات العامة والشركات والجمعيات، وسقوط قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 615 لسنة 1986، وبذلك أصبح التنويه والغمز عما ينشر ببعض الصحف، حديثاً باهتاً لا محل له، بينما أصبح صدري وكأن أمد بأنبوبة أوكجسين حديثة التعبئة...

ولا تعقيـب على أحكـام القضــاء المصري العــادل، وفي انتظـــار عدم دستورية تحــديد الحــد الأدنــي للأجـــور!!..
.
وللحديث بقية ...
Ashraf_mojahed63@yahoo.com