الخميس، 28 نوفمبر 2013

لعبة الأرقـام في البريد المصري!!...


تعد معرفة الأرقـام من الشواهد على العبقرية الإبداعـية لدي الجنس البشري، فتلك الأرقـام كانت المدخـل الأساسي لمعرفـة الكتـابة قبــل قـرابة ستة آلاف سنة، تغير أشكـالها وأنماطـها عبر إسهـامـات السومـريين، والبابلـيين، والمصريين القدمـاء، والصينـيين، واليونانـيين، والعرب المسلمين، حتى صـارت أساساً للعـديد من العـلوم الطبـيعية والتطبـيقية.   

إلا أن الفضل الكبير في تطوير منظومة تلك الأرقـام يرجع إلى محمد بن موسي الخوارزمي، مؤسس علم الحساب والجبر، بإضافاته الجوهـرية التي قـادت الغرب فيما بعد إلى استخدام الأرقـام العربية التسعة مع رمز الصفر، فجعلت من بدايات معرفـة علم الحساب والجبر وسيلة دفع  للأمام لأبعد من بداياتها الأولية، لحل كثير من المشاكل العلمية المعقدة.

هذه الأرقام وعمليات الحساب البسيطة التي نتعايش معها يومياً، تكاد تكون الحقيقة المنطقية الوحيدة في حياتنا، فهي ذات بناء صلب من المنطق والعقل، فلا يمكن أن تخدع أو تزيف أو تواري ما خلفها من دلالات واستنتاجات غير حقيقية... فالأرقام والأعداد لغة الحقيقة، ولا حقيقة سواها.

كل هذه النظـريات الحسابية العبقـرية التي اكتشفت منذ الخـوارزمي حتى جـون نابيير، ما كانت لتضاهي إبداعـات بعض العاملين بالبريد المصري بالتدليس والإيهـام باللامعقول بالإصـرار على نشر بعض الأرقـام الاقتصـادية عن الهيئة، كالأرقـام الوردية التي كانت تطلقـها دائماً حكـومات الرئيس المخلـوع، عن ارتفاع معـدلات النمو الاقتصادي المزعـوم، والذي لطالـما كان يصب في جيـوب حفنة من رجال أعماله وأصحاب المصالح المقربيـن منه.
 
فنجد التأكيد الدائم على ارتفاع معدل إيداعات صندوق توفير البريد عاماً بعد عاماً لتصل لنحو 7ر123 مليار جنيه، وارتفاع حساباتها لتصل إلى 5ر22 مليون حساب، للدلالة على الثقة في جذب العملاء، بينما يتم إغفال حقيقية عدم القدرة على استثمار تلك الأموال لتغطية الأعباء التمويلية تجاه المودعين، مما يزيد من الخسائر الهيئة سنوياً، وكذلك التأكيد على زيادة أعداد المكاتب البريدية سنوياً لتصل لنحو 4 آلاف مكتب، للدلالة على التوسع في النشاط البريدي وتقديم الخدمات المجتمعية، بينما لا تتم دراسة الجدوى الاقتصادية من تلك التوسعات، مما يزيد من الأنفاق والتكاليف دون مبرر، وأخيراً ما تم الإعلان عنه من زيادة حوافز العاملين لتصل إلى 90 مليون جنية سنوياً، دون معالجة خلل توزيع تلك الحوافز، حيث يستولي على معظمها فئة قليلة من العاملين، بالمكافآت والبدلات وخلافه، لتظل الشريحة الكبرى من العاملين بالمكاتب البريدية والتوزيع في انتظار الفتات...   

سحرة البريد المصري، لو علم الخوارزمي بقدومهم واستغلال إسهاماته الجليلة في علم الحساب والجبر، للتضليل والتدليس بالأرقام والأعداد، كسحرة فرعون الذي ألقوا حبالهم وعصيهم فخيل للناظرين من سحرهم أنها تسعي، لتوقف نادماً عن تلك الإسهامات والإبداعات التي غيرت مجري التاريخ!!.. 

وللحديث بقية أن شاء الله...

الجمعة، 22 نوفمبر 2013

حكاية بلتـون والبريد المصري!!...


حكـاية بلتـون والبريـد المصري، حكاية قديمة ولكنها متجـددة، كحكاية المرأة التي نقضت غزلها من بعد قـوة أنكـاثاً, وكشعب يعشق العبـودية والفساد والتخـلف، فبعـد أن قــام بثـورة شـهد لها العـالم، انقلـب عليـها أنكـاثاُ، ليعـود إلى فساده وضلاله القـديم!!..

أما بلتـون، فهـي شركة بلتـون القابضـة، والتي كانت ضمـن عـدة شـركات مالـية تعاقـد معـها البريـد المصري لإدارة محافـظه المالـية، فكـان نصيــبها مبـلغ 640 مليـون جنـيه، ضمـن حـزمـة مالـية لتلـك الشركات بلغــت نحـو 35ر3 مليار جنيه، ثم انتقــلت بمسمي آخـر "دلتـا رسمـلة 5"، لتضـاف إلى مبـلغ 365 مليـون جنـية "دالتـا رسمـلة 1"، لتصـبح محفـظة واحـدة مضـمـونة رأس المال بمبـلغ مليــار وخمسة مليـون جنـية، تحــت مسـمي "شـركة دلتــا رسمـلة".

هذه الشركات التي تديـر المحـافظ المالية للبريد المصري أصبحت مثار جـدل وشك، فمنذ التعـاقد معها من عـدة سنوات وهي في العـادة لا تغطي عوائـدها الأعبـاء التمويلية التي يتحملها البريد المصري تجـاه الفوائد المدينة عن أمـوال مـودعي صندوق التوفير، حيث بلغـت نسبة عوائـدها خـلال السنوات الثلاثة الأخيـرة على التـوالي: 36ر4% ،  92ر4 % ، 11ر4 % ، مما يعــني تحمـل البريد المصري النسبة الباقــية من الـ 9% التي تدفـع لمودعي الصندوق، بإجمـالي يقـدر بنحـو 457 مليون جنـية للسنوات الثلاثة فقـط ، بخـلاف التكـاليف الإدارية المتـرتبة على إدارة تلـك الأمـوال سـواء داخـل الهيئة أو خـارجها.

الحكاية تبدأ من هنا، حيث تم الإعلان مجدداً عن التعاقد مع الشركة المذكورة "بلتون المالية القابضة" في منتصف أكتوبر الماضي، لإدارة محفظة مالية تديرها الشركة لصالح البريد المصري بمبلغ 2 مليار جنيه (290 مليون دولار)، حيث تم اختيارها من خلال ممارسة من بين ثلاث شركات استشارات مالية هي: سي أي كابيتال وبلتون وهيرمس.  

والحكاية قد تكون غامضة، أو لها جوانب فنية واقتصادية معقدة تتعلق بإستراتيجية إدارة أموال مودعي صندوق التوفير، وقد تكون سياسية وذات أبعاد تتعلق بإطار الخطة الاقتصادية والاستثمارية للدولة، المهم أن يكون ضخ تلك الأموال في صالح البريد المصري، لتحقيق عائد يفـوق الأعبـاء التمويلية التي يتحملها تجاه الفوائد المدينة عن أموال مودعي صندوق التوفير، حيث فروق ما تحمله البريد المصري من تلك الأعباء من جـراء ضـخ أمـوال مودعي صندوق توفير البريد في محافظ مالية وسندات وأذون خزانة وأوراق مالية وشركات بعيـداً عن بنـك الاستثمار القومي خـلال السنوات الثلاثة الأخـيرة بلغ نحـو 2ر3 مليـار جنيه، بينما كانت مجـمل خسائر البريد المصري عن نفس تلك الفترة نحو 9ر1 مليـار جنية.

يعني الحكاية باختصار أن مجهـود العاملين في تعظـيم إيـرادات الخدمـات البريـدية المتنوعة، يذهب هبـاءً منثـورا في تغطية جـزء من خسائر تلـك الاستثمارات المالية الفاشلة، تمـاماً كالمـرأة التي نقضـت غـزلها من بعـد قـوة أنكـاثاً !!..
 
وللحديث بقية أن شاء الله...

الأربعاء، 20 نوفمبر 2013

فكاهة البريد المصري!!...


يعد أدب الفكاهة من أرقـي الآداب قديـماً وحديـثاً، فمثل هذا اللـون من الأدب يمتـاز بالإنسانية والشمول ويصلح لكل زمان ومكان، فالإنسان ليس حيــواناً ناطــقاً فقـط، بل ضاحـكاً أيضاً، ولديه رغـبة عـارمة في التخفيف بالضحك عن نفسه من أعبـاء الانفعـالات الوجـدانية والتأثيرات العاطفية.

واختلف الأدباء والباحثون في وضع تعريف دقيق للفكاهة لكثرة أنواعها واختلاف مقاصد كل منها، إذ تشمل السخرية والتهكم والهجـاء والنـوادر والطـرفة والدعـابة والمـزاح والنكـتة والقفـشة والتـورية والهـزل والتصوير الساخر... وإذا كانت السخرية هي أرقـي أنواع الفكاهة، وأكثرها تأثيراً لما تحتـاج من دهـاء وخفـاء ومكـر، إلا أن فكـاهة البريد المصري فاقـت كـل هذه الأنواع.

فكاهة البريد المصري هي فكاهة جديـدة من نوعـها، قائـمة على الاستغـفال والاستخـفاف بالعقـول، فهي فكـاهة تفـوق نـوادر جحـا، وبخـلاء الجاحظ، وحكـايات أبو الشمقمق ودعـابات أبو الرقعمق، وغيرهم من ظرفـاء وأذكيـاء العرب، فهي فكاهة ساخرة، ماجـنة بالعقـول، كالذي يقـتل القتـيل ويتـقدم جنـازته ثم يخـلد ذكـراه بنصـب تذكــاري!!..      

فكلما أطل علينا رئيساً جديداً لتلك المؤسسة العريقة، صـال وجـال بمنـع مـزايا من قبله، من مكافآت ومنـح وبـدل سهر لبعض العاملين استهـدافاً للعدالة، ثم ما يلبث أن يمنـح أضـاعفها لمريـديه ومؤيـديه والمقربيـن منه، استخـفافاً واستغـفالاً بالعقـول، لدرجـة أن بدل سهر أحـداهن حالياً يفـوق راتبـها الشهري الشامل، تماماً كفكـاهة شغل المناصب القيادية من خلال لجان حيادية وطبقاً لبطاقات الوصف الوظيفي المعتمدة، بينما يتم جلب بعض شاغلي تلك الوظائف من خارج الهيئة دون معايير أو اختبارات، وتصدر قرارات أخري لبعض العاملين في الخفاء لزوم الدعابة، ناهيك عن العشرات من تلك الوظائف القيادية التكرارية التي لا يوجد لها بطاقة وصف أصلاُ، ويمنح شاغلوها مميزات وحوافز مالية من باب المجاملة والتورية...   
  
كثيراً ما تكون تلك الفكاهات وسيلة للهزل والضحك، والتفريج عن القلوب، أما في عالم البريد المصري، فأنها تكون في العادة سبباً من أسباب ارتفاع ضغط الدم، وتورهم عضلة القلب، ومزيد من الدعاء على هؤلاء الساخرين الظالمين...

احذروا دعاء أبو الشمقمق وقنوت ليل أبو الرقعمق!..

وللحديث بقية أن شاء الله...

السبت، 16 نوفمبر 2013

حديث المدينة في البريد المصري!!...


حديث المدينة في البريد المصري هذه الأيام حديثاً غثـاً لا معني له ولا جدوى، فهو حديث متكرر ونمطي وممل، فكلما تولي قيادة الهيئة رئيس، وما أكثرهم خـلال السـنوات الثلاثة الماضـية، إلا وبدأت الصراعـات والشائعـات والتصريحـات التي تصـيب المـرء بالغثيـان...

من مع من ؟!.. ومن ضد من ؟!.. سؤال يتـردد مع إلصــاق تهمة العمل لحساب النظـام البائـد، ولا أدري ما هو النظـام البائـد؟!.. نظــام مبـارك وحزبـه، أما نظــام مرسي وجمـاعته، أمـا النظــام الجديــد وبيادته!!.. فأصحـاب المصالح كثـر، والمنافقـين والمطبلـين أكثر، والكـل يلعـب على حبـال منافـعه وذاتيـته، فهذا ما زرعه وخلـفه نظــام مبـارك وحزبـه خــلال ثلاثـة عقــود من الزمن، وحصـاده الآن كالصـريم...

فما أن تولي الرئيس الجديد مع مطلع شهر إبريل الماضي، إلا واكتظـت المصلي بالمصلين، واحتجبت النساء، وتم ترقية بعض الملتحين... ثم ما لبـث أن جـاء 30 يونيو، وتبدل الحال وتنصـل الجميع، فأصبح المصلي خاليـاً، إلا من رحم ربـي، والنساء عدن لسيرتهن الأولي، وصال وجال أتباع مبارك الطامعين بالعودة، باتهام الرجل في الصحف والمنتديات وصفحات التواصل الاجتماعي بأنه من خلايا الإخوان النائمة، وجاء بأمر مكتب الإرشاد للترويج لبيـع الصكوك الإسلامية وإنشاء دفتر توفير إسلامي، فكان منه النفي المتكرر أمـراً طبيعياً تماشياً مع الموجة الجديدة، ورغبة النظام الجديد في إبادة كل ما قبل 30 يونيو، وإعادة نظام ما قبل 25 يناير في ثوبه الجديد...  

البعض يحاول الزج ببعض العاملين في صراعات ومعارك وهمية، من أجل مصالحه الذاتية، فالبريد المصري من الهيئات الاقتصادية ذات الطابع الحساس المرتبط ارتباطاً وثيقاً بنظام الدولة العميقة، فلا إخوان ولا غيرهم يستطيعون في عام تغيير تركيبة شبكة فساده ومصالحه من الداخل وجهات أخري خارجه أكثر فساداً، بيد أنه من يقرأ المشهد يعرف أن لكل مرحلة متطلباتها ورجالها الأوفياء، وإدوار الرؤساء الأربعة السابقين منذ ثورة 25 يناير شاهدة على ذلك.  

الاتهامات ونشر فضائح وفساد القيادة الحـالية بالصحف والمنتديات، سواء كانت صحيحة أو باطـلة، لن تعـفي من سبقـوه من تأسيس هذا الفساد، فمن تم ترقيـتهم ملتحـين أو غير ملتحـين، أبنــاء وتلاميـذ من سبقوه، وكذلـك من أبعـدهم، ومازالت هناك الأكثرية الفاسدة التي تلعب على كل الحبـال وتستطيع مسايرة الجميـع وتعمل في الخفـاء لخدمة مصالحها وأغراضـها الذاتية، سـواء بارتـداء الحجـاب أو المايـوه، حسب الطلب، فالفساد ليس له دين أو وطن...

المهم أن تعرف أين أنت من هؤلاء ؟!..

وللحديث بقية أن شاء الله...

الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

هيئـتي البريـدية !!...


ما كنت أظن يوماً أنني سوف أكون أسيراً لتأثير كلمات يلقيها شاعر أو كاتب، وما كان بخاطري تصديق تلك الحالة الشعورية والنفسية التي وصل إليها شاعرنا الكبير فاروق جويدة، حين ألقي قصيدته الرائعة "هذه بلاد  لم تعد بلادي"... فعندي يقين دائم بجنوح وغلو الشعراء في عواطفهم وأفكارهم، إلا أن واقع بلادنا الآن يشعرك بتلك الحالة، فضاقت بنا الأرض بما رحبت، وضاقت علينا أنفسنا، ولا ملجـأ من الله إلا إليه.

هكذا حين يصل الإنسان بالكفر ببلاده، حين يري الفساد والاستبداد، حين تكمم الأفواه، وتقصف الأقلام، وتسحب الأجساد، وتسجن النساء، ولا تسمع إلا نغمات الساقطين والمنافقين، من اخترناك حتى تسلم الأيادي... فيقول شاعرنا الكبير  في بعض أبيات متفرقة من قصيدته...  
كم عشت أسأل...أين وجـه بلادي
أيـن النخـيل.. وأيـن دفء الوادي
لا شيء يبــدو في السماء أمـامنا
غيــر الظــلام.. وصــورة الجــلاد
لم يبـق غيـر صـراخ أمس راحـل
ومقـابــر سئـمــت مـن الأجــــداد
وعصابة سرقـت.. نزيـف عيوننا
بالقـهــر والتـدليـــس والأحـــقـاد
شيء تكــسر في عيــوني بعــدما
ضــاق الزمـان بثورتـي وعنـادي
أحبـبــتها .. حتى الثمــالة بينــما
باعــت صباهـا الغــض للأوغــادِ

في تلك اللحظات تمنيت لو كنت شاعراً أو كاتباً لأسطر بعض الكلمات التي يضيق بها صدري ويعجز عنها لساني، تخيلت نفسي شاعراً، ولست كذلك، فالشعراء يتبعهم الغاوون، وفي كل واد يهيمون، ويقولون مالا يفعلون، إلا الذين أمنوا منهم... ولكني أعشق التجربة والمحاولة بتلك الكلمات التي أرثي بها حال هيئتي البريدية، والتي أعمل بها منذ أكثر من ربع قرن من الزمن، والتي هي بمثابة بلادي الصغيرة، فأقول ...     
أكلـها الذئـاب .. كاللحـم عنـد الحــاتي
فضــاع الحـق فيها وتبـددت حكــايـتي
بوعــود وأمـاني رؤسائها حتى الآتـي
وحصـاد أرضـها نفــاق كبـوار الوادي    
فلسـت مع راقصـــي تسـلـم الأيــــادي
أو من يهزؤون بالفيسـبوك والإيبـادي
ولكني أحببــتها مثــل أمــي وبنـــاتـي
ضقـت من ظلـمـها وتبــددت أحــلامي
هذه الهيـئة لم تعـــد هيئــتي كبـــلادي

وللحديث بقية أن شاء الله...

الجمعة، 8 نوفمبر 2013

ميكـانيكي البريـد المصري!!...


كل واحد منا له معلم أثر فيه خلال مراحل دراسته، وترك في داخله بصمة أو ذكري، تظل عالقة في ذهنه وذاكرته مهما تقدم في العمر، معلمي هذا رحمه الله كان من يلقي علينا دروس التاريخ في بدايات المرحلة الثانوية، حيث كنا ندرس تاريخ النهضة الأوروبية الحديثة.

كان رحمه الله مثقفاً عالماً بأصول التاريخ وحضارات الأمم، يدلل على أسباب تلك النهضة، لاعتمادها بالكلية على التخصص في أداء الأعمال، فالكل كان يعرف دوره ومهنته وتخصصه، وذلك من خلال دعابة ساخرة ومثل كان يردده "أنه إذا تعطلت سيارتك فلابد من الذهاب إلى الميكانيكي، أما إذا ذهبت إلى الجزمجي، فأنه سوف يربط الماتور بدوبارة"... هكذا لخص باقتدار سر النهضة الأوروبية الحديثة وتقدم حضارتها ثقافياً واقتصادياًً، وأسباب عجز وتخلف عالمنا العربي، حيث الفهلوة والفكاكة، وإدعاء المعرفة، وبسبب شخصيته وثقافته الواسعة ودعابته الساخرة، أصبحت مولعاً مثله بدراسة التاريخ وحضارات الأمم.

هذا بالضبط واقعنا وواقع البريد المصري، وسبب نكبته لأكثر من عشر سنوات ومازال، فغياب التخصص، وانتهاج مبدأ الفهلوة والإدعاء الدائم من بعض القيادات بالمعرفة بالإدارة والشأن البريدي، جعل إدارتنا في ذيل الإدارات البريدية، هذا الإدعاء كنا نسمعه ونجالس أصحابه خاصة في مجال العلاقات البريدية الدولية، حيث عملي لأكثر من ربع قرن من الزمن، فالحرص الشديد من تلك القيادات على المشاركة في مجلس الإدارة ومجلس الاستثمار التابعين للاتحاد البريدي العالمي لثلاث دورات متتالية، دون مساهمة فعالة أو تقديم دراسة واحدة أو مقترح واحد للمؤتمرات الثلاثة الماضية (بوخارست / نيروبي / الدوحة) لمجرد التمتع بالسفر إلى سويسرا مرتين في العام للنزهة والحصول على بدلات الإقامة والانتقال وخلافه، جعل إدارتنا أضحوكة بين تلك الإدارات، خاصة البلدان الأفريقية والتي تمتنع في العادة عن الترشح للمجلسين، فتشارك إدارتنا بحكم التوزيع النسبي لمقاعد القارة بالمجلسين.  

وواقع أخر مماثل حيث تم إغلاق شعبة البريد بكلية التجارة وإدارة الأعمال، بدل من تطوير دراستها واستغلال إمكانيات طلابها وتشجيع الدراسات البريدية التخصصية، لمجرد حرمان خريجيها من الالتحاق بالقافلة البريدية، لاستبدالهم بآخرين لهم تخصصات في الآداب والخدمة الاجتماعية والزراعة ، لمجرد الدعاية الانتخابية، ومجاملة أعضاء الحزب الوطني المنحل بتعيين أقاربهم ومعارفهم وأبناء دوائرهم الانتخابية.  

أما الواقـع الأمـر هو بدعـة أصحـاب الخبـرات الخاصة والقـرار الوزاري رقـم 99 لسنة 2007 وما خلـفـه من مجمـوعة فاسدين ومزوريـن، فكـان تخصصـهم الوحيــد في كيفــية نهــب وسـرقة أمــوال الهيئة بتعاقـدات مشبوه وصفقــات مريبـة، فأضـحي البريد المصري بخسائر متتالية لأربع سنوات بنحـو ثلاثة مليــارات من الجنيـهات، والتعاقـدات الجديـدة قد تكـون أشد قبحــاً ومـرارة...              

قاطرة البريد المصري في أشد الحاجة إلى ورشة  صيانة وفريق عمل ماهر،  يقودهم أسطى ميكانيكي، لأن ماتور تشغيلها مازال مربوط بدوبارة !!...

وللحديث بقية أن شاء الله...

الثلاثاء، 5 نوفمبر 2013

طبائع الاستبداد البريدي!!...


يبدو أن طبائع الاستبداد تتصف بميزة الثبات في كل عصر وفي كل مكان، من الفراعنة حتى يومنا هذا، ومن المشرق للمغرب، ومن رؤساء الدول والحكومات حتى رؤساء المصالح والهيئات.

هذا الاستبداد وطبائعه سجله الشيخ الأمام عبد الرحمن الكواكبي، بكتابه الرائع "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"، فهذا الأمام الذي ولد في مدينة حلب السورية عام 1854 من أسرة كريمة، لم يكتفي بتلقي دروس الشريعة والأدب والطبيعة بالمدرسية الكواكبية، بل واصل دراسته واجتهاده ونشر أفكاره التحريرية، حتى صار علماً من إعلام النهضة العربية الحديثة في الفكر والأدب والسياسة، تعرض للسجن والاضطهاد مراراً وصودرت أمواله وممتلكاته عدة مرات، وتتلمذ علي يديه كوكبة من العلماء والأدباء، حتى توفاه الله في القاهرة عام 1920 متأثراً بسم دس له في فنجان قهوة.

فالاستبداد لغة هو غرور المرء برأيه والأنفة عن قبول النصيحة أو الاستقلال في الرأي وفي الحقوق المشتركة، وسياسياً هو تصرف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف أو تبعة... وأشد مراتب الاستبداد هي حكومة الفرد المطلق، الوارث للعرش، القائد للجيش، الحائز على سلطة دينية، فالمستبد عدو الحق، عدو الحرية، وقاتلهما، بينما هذا المستبد في سبيل استبداده يستعين فقط بحواريه وشيعته من المنافقين وأصحاب المصالح، يسمع منهم ما يعجبه، ويجزي لهم العطاء والسخاء...    

كلما جاء واقعاً جديداً في بلادنا أو بريدنا المصري عدت للكتاب لمطالعته، لأوجه اللائمة على هذا المستبد الغاشم، بينما أعذر دائماً المستبد بهم، المستعبدين المستضعفين في الأرض، الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، الذين ظلموا أنفسهم في الدنيا والآخرة، بترك هذا الاستبداد ولم يصارعوا الاستعباد والفساد...

هذا واقعنا في تلك الأيام الصعبة، خاصة تكراره في البريد المصري، نلقي باللائمة دائماً على غيرنا، من واقع إلى واقع ومن قيادة إلى قيادة، فلا صوت يعلو في البريد المصري على صوت المنافقين وأصحاب المصالح، ومن ترقوا وتقلدوا إدارته ً في ظل الفساد والاستبداد، فالاستبداد صار الآن أكثر قبحاً وتطاولاً، ويفوق الاستبداد الذي وصفه الأمام الكواكبي رحمه الله في كتابه الرائع. 

فلو كان هذا الرجـل حيـاً الآن بين أظهـرنا لمات حـزناً وألمـاً من استبـداد المستبدين، وقبـح وتطـاول المنافقين، لا بجـرعة سم دست في فنجان قهوته!!..  

وللحديث بقية أن شاء الله...

الجمعة، 1 نوفمبر 2013

الإفصاح في البريد المصري !!...


الإفصاح كلمة خارج قاموس البريد المصري، فالكلمة التي تتردد في العادة بين أوساط المستثمرين وأسواق المال وأروقة البورصة، غيبت تماماً منذ نحو أكثر من عقد من الزمن بالبريد المصري، في ظل التلاعب والاستهانة بالقانون، وتهميش وغض طرف بعض الأجهزة الرقابية.

فإفصاح الإدارة عما تتخذه من قرارات سواء على المستوي التنظيمي والإداري أو المستوي المالي والاستثماري، يزيد من شفافية قراراتها، ويعزز من قدرتها على مواجهة المتنافسين، ويرسخ في الأذهان مفاهيم ثقافة الالتزام والقيم سواء تجاه المتنافسين أو العاملين بالمنشأة، فالدقة والشفافية والوضوح ضمانة أساسية لنجاح الإدارة الرشيدة.

أما إذا كانت إدارة غير رشيدة، كالإدارات المتعاقبة مؤخراً على البريد المصري، فإن نظرية الإفصاح تلك تكون في العادة غائبة بفضل السياسات المتخبطة والقرارات المتضاربة، وتغلغل شبكات المصالح الفاسدة، يجعل أسلوب الإخفاء والمراوغة نهجاً مستمراً من إدارة لأخرى للتغطية على فساد من سبقها.       

فالمتابع للقرارات الإدارية والتنظيمية بالبريد المصري، يجد قيام الإدارة بنشر وإعلان ما يحلو لها دون الآخر، رغم وجود موقع إلكتروني رسمي للبريد المصري، وموقع آخر بشبكته الداخلية، وقد لا يعرف أسبابها ومضمونها، فالبعض يتم ترقيته بدون مسابقة أو إعلان، والبعض الآخر بإعلان ومسابقة واختبارات شكلية، والبعض تخفض درجته الوظيفية دون معرفة الأسباب، وآخر يتم إرضائه لعدم إضراره مالياً وهكذا... ناهيك عن سرية ما يتم التعاقد معهم من خارج الهيئة من ذوي الخبرات الخاصة، وأعداد المستشارين الذين لا يعرف رواتبهم ومزاياهم المالية والعينية الأخري، مما يثير ريبة وغضب الكثيرين من العاملين.

أما الناحية المالية والاستثمارية ، فحدث عن الإفصاح ولا حرج، فأموال البريد المصري واستثماراته المتعددة بالمليارات تضخ في شركات سواء كانت تابعة أو شقيقة أو أوراق ومحافظ مالية وغيرها... وجميعها بالإضافة لقوائمها المالية وحساباتها الختامية هي داخل صندوق أسود، يتملك مفتاحه من فتح الله عليه من الهيئة.

عـدم الإفصاح عن تلك الاستثمارات والشـركات، رغم مخالفته الواضحة لمعايير المحاسبة المصرية وقانون سوق المال، ومخالفـته لمنشور وزارة الماليـة رقم (3) لسنة 2012 بشأن تعـزيـز مبـدأ الإفصاح والشفافية، مؤشـر على فساد الذمم والضمير، إلا أنه مفـيد للغاية لصحة من يعانون من أمراض القلـب وضغـط الدم!!..   
  
وللحديث بقية أن شاء الله ...