الخميس، 13 مايو 2010

فلسفة البريد !!..

.
فلسفة البريد تقوم على محورين أساسيين: محـور الحــق ومحـور العــدالة...

فحق التراسل للإنسان كفلته كافة المواثيق والمعاهدات الدولية، والقوانين الطبيعية التي تحض على التواصل الحضاري لبني البشر... فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان بمادته الثانية عشر أقر بحق الإنسان بأنه "لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة وأسرته أو مسكنه أو مراسلاته ... "، كما أن الدستور المصري بمادته الخامسة والأربعون أقر كذلك بهذا الحق "وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الإطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة ووفقا لأحكام القانون".

هذا الحق لم يمنح فقط للإنسان الطبيعي الحر، بل كفلته القوانين كذلك في الحالات الاستثنائية، فالمسجون والمحكوم عليه أعطي نفس الحق، فنص المادة 38 من قانون تنظيم السجون المصرية رقم 396 لسنة 1956 أعطي الحق للمحكوم عليه والمحبوس احتياطيا حق التراسل البريدي، وحتى دولياً وفي زمن الحرب لم يمنع أو يصادر هذا الحق، فالحق في التراسل لأسري الحرب مع ذويهم وأبناء وطنهم كفلته إتفاقية جنيف الموقعة في 12 أغسطس عام 1949 والمتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب، والتي دعمته الاتفـاقية البريدية الدولية بإعفـاء تلـك المراسلات من رسوم التخليص بمادتها السابعة.

إذا حق التراسل البريدي والتواصل الإنساني حق مطلق، لا تقيده قوانين ولا معاهدات، بل أقرته كافة الاتفاقات والمعاهدات الدولية، وأيدته ودعمته الاتفاقات البريدية الدولية بمبـدأ بريدي هـام وهو مبـدأ حرية العبــور، والذي يكفـل انسياب حـركة البريد الدولي من كل من المرسل والمرسل إليـه دون حواجـز أو قيـود أو رقـابة.

أما العدالة فتتمثل في كفاءة إدارة المرافق البريدية بشقيها المكاني لبلد المرسل وبلد المورد، عدالة يجب أن يلتزم بها كلا الطرفين من أول عملية الإيداع لتلك البعائث وحتى التسليم النهائي للمرسل إليه، فلا يتصور أن تقوم بلد الإرسال بأداء الخدمة على أفضل ما يكون في مقابل أداء سئ من بلد المورد، والعكس... هذه العدالة تقتضي أن تسير كلا الجهتين في التسابق في بذل المزيد من الجهد لإيصال البعائث البريدية على النحو المرجو والمأمول من أصحابها منذ عملية الإيداع حتى التسليم النهائي للمرسل إليه.

وهذه العدالة لن تتحقق إلا من خلال منظومة بريدية دولية أكثر تجانساً، أكثر ارتباطاً وتفهماً لمشاكل البلدان النامية في رفع مستوي خدماتها، لن تتحقق إلا من خلال التعاون التقني الجاد والبناء بمد جسور التكنولوجيا للعديد من تلك البلدان التي تزداد مشاكلها يوما بعد يوم بسبب تعنت بعض دول العالم المتقدم بتسييس الاتفاقات والمعاهدات لفرض مزيد من الهيمنة والسيطرة والتدخل في شئون تلك البلدان ...

كما أن تلك العدالة لن تتحقق كذلك إلا من خلال عدالة حقيقية لأصحاب تلك المهنة، والتي تقوم على سواعدهم بالأساس صناعة البريد بدرجة كبيرة، عدالة في التمتع بالخدمات الصحية والاجتماعية، ومستوي متقارب من الأجور والامتيازات، وفي توزيع موارد تلك الإدارات توزيعاً عادلاً، فلا يحرم عامل من مقعد مناسب للجلوس عليه لأداء عمله، في حين يتمتع آخر بمكتب مؤثث بأحدث الأجهزة، في أن يتكبد عامل مشقة الوصول لعمله صباح مساء باستعمال وسائل المواصلات العامة، في حين يمتطي آخر أحدث موديلات السيارات (تويوتا ومرسيدس)، في أن يحرم أصحاب التخصص البريدي من العمل بمرفقهم الطبيعي، في حين يتم تعيين العشرات بل المئات من خريجي كليــات الزراعة والخدمـة الاجتمـاعية والآداب لمجـرد دعاية انتخـابية أو انتمـاء حزبي أو مصـالح شخصية.

تلك الفلسفة التي جعلت من البريد منارة ومنظومة قائمة منذ آلاف السنين، منظومة تعرف دائماً بالتزامها بالدقة والسرعة والأمانة، وعنوانها المرفوع دائمأ بالحق والعدالة، منظومة سوف تنتعش وتعيش وتظل نابضة بالحياة طالما التزم أصحابها بتلك الفلسفة، فلسفة الحق والعدالة !!..
.
وللحديث بقية ...
Ashraf_mojahed63@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: