الاثنين، 28 سبتمبر 2009

الاستعمار والطوابع البريدية ..


سنوات عديدة مرت على رحيل الاستعمار عن بلادنا العربية، والحديث عن الاستعمار التقليدي أصبح ضرب من ضروب التاريخ، اللهم إلا إذا ذكرت فلسطين بعد ستون عـاماً من النكبة وبكل ما تعـانيه الآن من الاحتــلال الصهـيوني...
.
فالاستعمار خرج بجنوده وعتاده وسلاحه، ولكنه لم يخرج من عقولنا ودمائنا، خرج شكلاً وفي الموضوع كلمات كثيرة يجب أن تقال... خاصة إذا ما تعلق الأمر بحضارة تلك الأمة وهويتها وتاريخها الثقافي، وبكل ما يتعلق بمكوناتها ونظرتها المستقبلية، خرج وقد غرس بذور ثقافته الغربية البغيضة التي ما لبثت أن أينعت، كما قال الجنرال الفرنسي شارل ديجول وهو يغادر الجزائر عام 1962 تحت ضغط الثورة الجزائرية لقد تركت بذوراً ستينع بعد حين.

فالاستعمار منذ القدم أدرك تمام الإدراك أنه سوف يخرج بجنوده وعتاده من بلادنا العربية عاجلاً أم آجلا، أدرك هذا منذ أن وطئت أقدامه النجسة غاصباً ناهباً لثرواته، أن هذه الشعوب آبية في ذاتها وحضارتها العريقة ولا تقبل الأجنبي ليكون والياً عليها محدداً لمصيرها وراسماً لسياستها ومستقبلها، أدرك هذه المعاني لما لاقاه من مقاومة وعدم الانسياق وراء مخططاته الاستعمارية.

والبريد كجزء مكون لهذه الحضارة وسجلا لتراث وتاريخ تلك الأمة، فقد عمد إليه المستعمر الغاصب منذ الوهلة الأولي وبشتي الطرق على محو جذوره وطمس هويته وتغيير معالمه، فمن يتطرق للموقع الإلكتروني لبريد الدولة العبرية يجد تلك الديباجة الخاصة بالطوابع البريدية كمقدمة للاعتزاز والافتخار http://www.israelpost.co.il/newmail.nsf/SiteContent/stamp2ar?OpenDocument&l=ar&mo=3
... في يوم الجمعة الموافق 14 ايار 1948، تم الاعلان عن استقلال دولة اسرائيل، وخلال أقل من ثمان وأربعين ساعة بعد اعلان الاستقلال، صباح يوم الاحد، عندما بدأت طيارات العدو بشن هجوم، اصدرت الدولة الجديدة أول طوابع بريد لها، وسبق دخول دولة اسرائيل الى عالم الطوابع تحضيرات حثيثة بدأت سرا لأسابيع ما قبل يوم اعلان قيام الدولة، ففي شهر نيسان 1948 أوقف البريطانيون الذين اوشكوا على التنازل عن الانتداب الذي كان لهم على فلسطين، كل خدمات البريد. المؤسسات اليهودية بدأت بتحضيرات لطباعة طوابع للدولة التي ستقوم. المشاكل كانت كثيرة، ورق لطباعة الطوابع لم يكن متوفرا تقريبا، لم تتواجد مطابع مناسبة وماكينات للثقوب، القرار حول اسم الدولة الجديدة لم يحسم بعد، هل سيطلق عليها اسم يهودا، أو ارتس يسرائيل او اسرائيل ؟ وفي النهاية تقرر أن يسجل على الطوابع بريد عبري. بالرغم من كل الصعوبات، تم إصدار طوابع البريد العبري المشهورة والمطلوبة، فورا بعد اعلان الاستقلال وتم بيعها في جميع فروع البريد في البلاد.

وما فعله الكيان الصهيوني قبل وبعد نكبة 1948 كان استمرارا لما فعله المستعمر الأوروبي بالتحالف والتنسيق للمؤامرة الكبري، فمجرد دخول القوات البريطانية الغازية فلسطين عام 1917بقيادة الجنرال اللنبي توقفت طوابع الدولة العثمانية المستخدمة نهائياً، وأصدرت قوات الاحتلال طوابع لاستعمالها الخاصة عرفت بالطوابع الزرقاء، وفي عام 1919 طالبت الحركة اليهودية بعد مؤتمر الصلح في باريس بوضح فلسطين تحت الانتداب البريطاني التي سارعت في إصدار طوابع موشحة بكلمة فلسطين باللغات العربية (8 مليمترات) والانجليزية (14 مليمتر) والعبرية (15 مليمتر) على أن يتبع الاسم العبري الحرفان أ إ اختصارا لكلمتي أرض إسرائيل تطبيقاً رمزياً لوعد بلفور.

والحال لم يكن يختلف كثيرا بالبلدان العربية الأخري، فنجد على سبيل المثال صور لأمراء وملوك انجلترا على الطوابع القديمة لإمارة رأس الخيمة وعجمان والفجيرة، رغم أن تلك الإمارات عربية الأصل والتاريخ، وعندما احتلت القوات البريطانية الموصل عام 1918 تم توشيح الطوابع العثمانية بعبارة (البريد – البعثة الهندية) ثم ما لبثت القوات البريطانية من إصدار14 طابعاً ختمت بعبارة (العراق تحت الاحتلال البريطاني) وطبعت عليها القيمة بالآنة والروبية الهندية. وفي الكويت استخدمت الطوابع الهندية بعد عام 1915 والتي كانت تحمل صور الملك إدوارد السابع والملك جورج الخامس. وفي سوريا فقد عمدت القوات الفرنسية فور الاحتلال عام 1919 بإصدار مجموعة طوابع فرنسية مختوم عليها T.E.O ، اختصار للعبارة الفرنسية التي تعني (اراضي العدو المحتلة). أما الجزائر فقد خضع البريد فيه للادارة الفرنسية التي اصدرت طوابع بصور حيوانات وطيور تنبع من البيئة الفرنسية وختمت عليها كلمة الجزائر بوصفها جزء من الجمهورية الفرنسية، أما الطوابع الليبية فقد تم توشيحها بصور الزعماء النازيين هتلر وموسوليني، وأيضا نجد طوابع الصحراء الغربية التي تم ختمها باسم جمهورية أسبانيا وعليها صور الجنرال فرانكو، وهناك طوابع للقوات البريطاني في مصر...

كان هذا زمن الاحتلال القديم، أما الآن فاحتلال اليوم ليس كاحتلال الأمس، لا يعنيه الطابع وصورته، فالتاريخ قد زور والأحداث قد زيفت والبلدان قد غيبت... فهو احتلال من نوع جديد، نوع يضرب ويلاقي، نوع يدق على الهدف دون أن نشعر به أو بنتائجه، فقد يكون احتلالا ذا تأثير بالمحافل والمؤتمرات الدولية، وقد يكون بالتشجيع على اختيار القائمين على العملية البريدية ببعض البلدان النامية بطريقة أو أخري، وقد يكون بمساعدة فريق عمل بإدارة بريدية بحوافز مالية وأدبية تحت ستار المعونات الفنية والتقنية... احتلال يحقق أغراض ما عجز عنه الاستعمار القديم إينعت بذوره الآن كما أراد الجنرال ديجول !! ...
.
وللحديث بقية ...
Ashraf_mojahed63@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: