الاثنين، 8 مارس 2010

ساعي البريد !!..

.
أقصد موزع البريد، دون سواه!!..فهذا الرجل الذي يجوب الشوارع والحارات للبحث والتنقيب عن عناوين ومنازل أصحاب الرسائل، قد يساهم في صناعة تاريخ بعض الأشخاص، قد يدخل السرور على قلب طفل تركه أباه مسافرا باحثاً عن رزقه، وقد يكون بشير نور وضياء كبشير يعقوب عليه السلام، فهو يحمل معه حكايات القدر وتصاريفه، أخبار الفرح والحزن، الحياة والموت، الفرج والكرب، كثيرا منا لا يعرف المعاناة التي يلاقيها موزع البريد، فعملية إيصال البعائث البريدية لأصحابها تمر بمراحل عديدة تنتهي بقيام موزع البريد بإيصالها لأصاحبها، وهذا الأمر الأخير قد يفوق المشقة ذاتها.

هناك اعتقاد سائد أن وظيفة موزع البريد عالة أو عبء على زملائه من العاملين بالحقل البريدي، فهو يقدم خدمة بلا مقابل ودون تحصيل أي أجرة أو رسوم من جراء عملية تسليم البعائث البريدية، هذا الاعتقاد الخاطئ جعل منه موظفاً مهملاً، لا حقوق له، لا يستطيع المطالبة بتحسين ظروف عمله أو بحقوقه من مكانة وظيفية أو بدلات مالية ومخاطر مهنة، بينما هذا الاعتقاد الخاطئ يناقض الحقيقة، فمن المتعارف عليه دولياً أن البلد المصدرة للبعائث البريدية تقوم بدفع تكاليف عمليات الفرز والتوزيع لبلد المورد، بما يعرف في المحاسبة الدولية البريدية بالنفقات الختامية، وهذه النفقات أخذت حيزاً كبيراً في الأونة الأخيرة من نقاشات ومداولات بالمؤتمرات البريدية الأخيرة بغية الوصول إلى ربط بين قيمة ما يدفع من تلك النفقات بنوعية وجودة الخدمة المؤداه من قبل بلدان المورد، ومن ثم فأن معيار تحقيق العدالة أن ترتبط تلك النفقات والحوافز والمميزات الإضافية التي تدفعها بلد المصدر لبلد المورد بما يقوم به هذا الموزع من جهد وعرق ودقة في عملية التوزيع، فموزع البريد الذي يحسن عمله طبقاً للمعايير الدولية قد يصبح الآن مصدراً لدخل ونمو إدارته وليس العكس على ما يعتقد البعض.

وتاريخياً يحدثنا التاريخ عن أول وثيقة جاء بها ذكر البريد حوالي عام 2000 ق.م وهي وصية كاتب لولده يوصيه فيها عن أهمية صناعة الكتابة والمستقبل الزاهر للعمل في وظائف الحكومة، ومن بين ما قاله "أما ساعي البريد فانه يحمل أثقالا فادحة، ويكتب وصيته قبل أن ينطلق في مهمته توقعا لما يصيبه، من الوحوش، والآسيويين".
.
وحديثاً أجد نماذج باهرة من هؤلاء الموزعين عبر العالم:
فالموزع الهندي أنادي بهاشارجيه، يعمل موزع للبريد بالنهار وممثل مسرحي بالليل، التحق بالعمل بالبريد الهندي منذ خمسة عشر عاماً، بجزر آندامان الهندية، ومتزوج وأب ودخله الشهري لا يتجاوز 275 دولار أمريكي، أهتدي لطريقة لتأمين عيشه هو وأسرته بالعمل كممثل مسرحي ليلاً بعدما يأس من زيادة دخله بالبريد الهندي.
وكذلك الموزع الرواندي إيمانويل هافوجيمانا، يعمل بالبريد الرواندي، ومغني بفريق كوارل بالليل، التحق بالعمل بخدمة البريد العاجل بمدينة كيغالي منذ عام تقريباً، ودخله لا يتجاوز 140 دولار شهريا، والقيام بالغناء يشبع هوايته ويؤمن له دخلاً إضافياً لتأمين عيشه وأسرته الصغيرة.
أما الأمريكية جينيفا كوبال، فتعمل كموزعة بريد منذ 22 عاماً بالولايات المتحدة الأمريكية، أم لطفلين وشغوفة بهواية التصوير الفوتوغرافي والتزحلق على الماء، راتبها الشهري يقترب من 4500 دولار (مجلة الاتحاد البريدي العالمي، الأعداد 4،3،2/2009).

أما موزع البريد المصري، فهو متهم حتى تثبت برءأته، يسير خلفه في الشوارع عشرات من المفتشين والمفاجئين والمراقبين، خوفاً على البعائث البريدية، كما أنه يقضي نهاره بالكامل في اللف والدوران على أرقام وشوارع متكررة وغير مرتبه وسط عشوائيات وشوارع غير ممهدة وطرقات ومدقات وعرة، ناهيك عما يلاقيه من معاملة سيئة من جمهور لا يعي ثقافة احترام العمل وتقديره، ويقضي ليله واضعاً قدمه في ماء ساخن وملح لتخفف من الآم قدمه، حتى يستطيع مواصلة رحلة عذابه في اليوم التالي.

وإذا كان الموزع الهندي يعمل ليلا كممثل مسرحي، والرواندي كمغني ضمن فريق كوارل لتحسين دخلهما، والموزعة الأمريكية تستمتع بباقي يومها بهواية التصوير والتزحلق على الماء، فنصيحتي للموزع المصري في ظل ظروفه الحالية ولكي يزيد من دخله أن يتوكل على الله ويشتغل ....!!. عملاً بمقولة الفنان عادل إمام في مسرحيته الشهيرة شاهد مشافش حاجة.
.
وللحديث بقية ...
Ashraf_mojahed63@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: