الأربعاء، 23 يونيو 2010

الفهلوي البريدي وأخيه الهباش !!..


أعترف أنها المرة الأولي التي أتابع فيها الأستاذ القدير فاروق شوشه، صاحب برنامج "لغتنا الجميلة" وهو يتحدث في حوار تلفزيوني مع المذيع المتميز يسري فودة، وأعترف كذلك أنني صدمت، بل فزعت، فهو يتحدث بلغة جميلة راقية عن ذكريات جميلة مقارنة بما نحن فيه من زمن لا يوجد فيه إلا القبح والمقبوحين!!..

تحدث عن كيف التحق بالعمل الإذاعي والآليات والتدابير التي كانت تتخذ في عملية اختيار المذيعين ومقدمي البرامج لضمان اختيار الأجدر والأكفأ دون واسطة أو محسوبية أو فهلوة... وأفقت عما نواجه اليوم من عناصر دخيلة آثمة تقتل كل مبدع أو مجتهد، وتذبح العدالة بالطرف الغليظ من السكين، تحدث عن الفهلوي الذي تغلغل في صفوفنا وعقولنا وحياتنا وأصبح صاحب السطوة والحظوة، حتى أصبح هباشاً بفضل التطور الزمني ونموه المضطرد وبفعل فاعل آثم مقيت...

فشخصية الفلهوي، كما يراها الباحث حامد عمار تتسم بالقدرة على التكييف والتلون السريع واستغلال الفرص السانحة، وبدهاء في التصرف وميكانيزمات التفاعل والتوافق مع الاتجاهات العامة، وبصورة سطحية تدعو إلى ما لايؤمن به، وفي انتهازية وتملق للوصول إلى ما ينشده... ويضيف إلي صفاته القدرة على اللجوء إلى أقصر الطرق الغير مشروعة وعلى التظرف وخفة الدم للوصول إلى أهدافه عن طريق حلاوة اللسان أو الخداع أو المرواغة، وبقدرة كبيرة على النفاق والمسايرة مع التيارات السائدة دون التزام بمبادئ أو قيم أو كرامة ذاتية أو مقاومة واجبة لتصحيح مسار خطـأ... هذا الفهلوي تتغير شخصـيته مع تغيير الأجــواء السياسية والاقتصادية والتركـيبة الاجتمـاعية خصـوصا في أجــواء الانفتـاح الاقتصادي وسياسات السوق الطليق وهيمنة رأس المال(صحيفة الأهرام المسائي بتاريخ 31/12/2009).

هذا الفهلوي قد يكون طبيباً أو محامياً أو مهندساً يرفع راية الشطارة، ويركب قطار النفاق، ويجعل من نفسه مهرج سيرك أو بهلواناً، المهم أن يرضي رؤسائه وينتصر لأهدافهم العليا، وتحقيق رغباتهم السامية... فالولاء والانحناء والتزلف والابتكار في ركوب الموجه سمة هذا الفهلوي، سمة العصر الجديد، عصر الانفتاح بمفهومه الجديد، الولاء قبل الكفاءة... كذلك الفهلوي البريدي كالطبيب والمحامي والمهندس، مصري بطبيعته يساير عصره وينفتح على ما ينفتحون عليه، يحاول بقليل من التظرف والتخفف أن يستولي على حقوق غيره، يساعده في ذلك ما نراه من محسوبية أو انتماءات حزبية وقوانين مطاطة يمكن التحايل عليها وتفسيرها بطرق ملتوية، أو عدم تطبيقها من الأساس، فلا حساب ولا رقيب.

والمشكلة التي تؤرقني أن هذا الفهلوي البريدي أصبح شائعاً، ومعظمهم من صغارالسن، حديثي العهد بالعمل، جبلوا على التلون والتزلف والاجتهاد بكل الطرق لكسب رضاء إدارتهم الآتية من مؤسسات خاصة وهيئات لا تعرف إلا الولاء والانكفاء وسيلة للترقي وإعتلاء المناصب، ومن ثم وجد هذا الفهلوي ضآلته، وجد ملعبه وساحته التي يرتع فيها هاضماً حقوق غيره من الكفاءات والمجتهدين، والذين لم يعتادوا تلك الوسائل الفهلوية... وهذا الفهلوي يشيع نوعاً من الاضطراب في الإدارة، يشيع التشاحن والتباغض والتشاجر، يشيع جواً من الصراع على المناصب والسفريات والبدلات والمكافأت، يجعل المجتهد لا يجتهد، والمبدع غير مهتم، فالملعب خصص لمن يجيد الرقص والطبل والزمر...

وأكثر ما أخشاه على مؤسستي البريدية التي أنتمي إليها أن يصبح هؤلاء في يوم من الأيام من يملكون قيادة القاطرة، فيتبعون نفس الأساليب والممارسات مع الأجيال القادم، فيظل الولاء والانحناء هو المعيار في الترقي وسلب المناصب والمزايا، نظل جيلا بعد جيل في هذا النفق المظلم، لا إبداع ولا كفاءات ولا قيم عادلة تحكم وتعطي للمجتـهد حقه، وللمثـابر حظه... وأن يتحـول هذا الفهلوي البريدي في مرحـلة تالـية جـديدة هباشاً ذا سلوك أعمـق وأخـطر، لا ينفـع معه تقويم أو إصلاح...
وللحديث بقية ...
Ashraf_mojahed63@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: