السبت، 26 يونيو 2010

الجباية البريدية !!..


الجباية هي الجمع والتحصيل واستخراج الأموال من مظانها، كما في لسان العرب، وقيل أنها كانت تعرف قديماً بالمكسُ (بضم السين)، وهي دراهم كانت تؤخذ من بائع السلع في الأسواق في الجاهلية، وفي الحديث "لايدخل صاحب مكسُ الجنة"... وقد استخدمها ابن خلدون في تاريخه بمعني الحصيلة أي الموارد المالية أو الدخل، وأفاض في مضمونها وأسباب قلتها وكثرتها في الفصل الثامن والثلاثون، وأظهر مفسدتها في الفصل الأربعون... وتعرف الجباية حديثاً بأنها اقتطاعات نقدية تقوم بها الدولة على الأفراد لتغطية نفقاتها، دون مقابل خدمة بعينها تقدم للأفراد، على خلاف الرسم الذي يدفع لقاء إداء خدمة معينة تقدمها الدولة إليه.

والبريد المصري كمؤسسة قومية يقوم بإداء خدمات متنوعة حددها القانون رقم 19 لسنة 1982 أهمها احتكار العمل البريدي، بالإضافة للعديد من الخدمات الأخري المرتبطة بالنشاط الاقتصادي والاجتماعي بالدولة كصرف المعاشات والخدمات المالية من حوالات وحسابات جارية وتوفير وغيرها... خدمات متنوعة وعديدة، بعضها يحقق أرباحاً كبيرة ويسهم في النشاط الاقتصادي للأفراد والدولة، ومنها من إندثر أو تقلص وأصبح عبئاً على الإدارة البريدية، تقوم به من باب تأدية خدمة للمجتمع.

وفي سبيل تحقيق الأرباح والفوائض المالية، شرع البريد المصري منذ فترة بفرض أنواع من الرسوم الإضافية دون مقابل خدمات فعلية يقدمها لجمهور المتعاملين، جباية تفرض على العميل خروجاً على مفهوم الرسم مقابل الخدمة... هذه الجباية ظهرت بأشكال متعددة ومتنوعة في السنوات الأخيرة حتى صار مفهوم المقابل المادي مقابل الخدمة أصبح مندثراً ومبدأ يتأكل يوماً بعد يوماً، ليس في الخدمات البريدية فحسب، بل في معظم الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطن... فلصق طابع البريد على مظروف الخطاب كأجرة تخليص أمراً مفهوماً ومستوعباً نظير إرساله، وتحصيل مبلغ إضافي للخطاب المسجل نظير مزيد من الخدمة والعناية بالتسجيل والقيد ودفع الأجرة الإضافية لبلد المورد أمراً مبرراً، ولكن لصق طابع البريد على كل نموذج يباع بشباك مكتب البريد، كإقرار الذمة المالية الذي يقدم لإدارة الكسب الغير مشروع التابعة لوزارة العدل فهي جباية لا مبرر له.

أمثلة عديدة يمكن ذكرها كمثال الطابع الإضافي الذي يلصق على النماذج المباعة، بعضها مازال يحصل رغم صدور بعض الأحكام القضائية بعدم جوازه وتحصيله من المواطن ومنها:
عمولة المعاشات... حيث يقوم البريد المصري باستقطاع مبلغ متدرج من كل صاحب معاش يقوم بصرف معاشه من مكاتب البريد، حتى بلغت تلك الحصيلة بنحو 62 مليون جنية في عام واحد دون سند قانوني رغم صدور العديد من الأحكام ببطلان تحصيل تلك المبالغ، وذلك طبقاً لتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات (صحيفة اليوم السابع 2/4/2010).
مصادقات عملاء صندوق التوفير... حيث يقوم البريد المصري باستقطاع ما قيمته 16 جنية سنوياً من كل صاحب حساب توفير يزيد رصيده عن ألف جنيه بطريقة إجبارية ودون سند قانوني لإرساله مصادقة للعميل كل ستة شهور، بخلاف ما جري عليه العرف بضرورة أخذ موافقة العميل كتابياً قبل إجراء تلك الاستقطاعات.
الحوالات الحكومية ... حيث تعمد بعض الجهات الحكومية بعدم تحصيل رسومها بطريقة نقدية، فتطلب من عملائها بالقيام بتحويل رسومها بحوالات بريدية حكومية وإرفاق أصل إيصال الحوالة مع الأوراق المقدمة لها، ومن ثم يقوم البريد المصري بتحصيل مبلغ الجهة الحكومية المطلوب بالإضافة لثمن الحوالة الورقية، مع بعض الرسوم المتدرجة طبقاً لمبلغ الحوالة، الأمر الذي يزيد من المبلغ المطلوب دفعه من العميل أو صاحب الخدمة لتلك الجهة الحكومية دون مبرر، ناهيك عن متاعب الانتقال إلى مكتب البريد لإستخراج الحوالة والعودة للجهة المعنية بإداء الخدمة.
الإيداع النقدي لحساب بمكتب بريد آخر... حيث يقوم البريد المصري بتحصيل مبلغ 2 جنية عن كل مبلغ يتم إيداعه بحساب بريدي، إذا ما تم السداد عبر مكتب بريد آخر دون مبرر، رغم أنها جميعاً تصب في نهاية المطاف صالح البريد المصري.

أمثلة كثيرة تمثل جباية أو إتاوة يقوم بها البريد المصري من جيوب عملائه المساكين، جباية دون مقابل خدمات حقيقية أو منفعة تعود على العميل، بينما تترك الخدمة الأصيلة والمنوط بها مرفق البريد من إرسال البعائث والطرود والبريد السريع ونقل الأموال فريسة سهلة لشركات البريد السريع الخاصة، لدرجة أنها استحوذت على نحو 90% من حجم تعاملات البريد في السوق المصري...

فتحقيق الربحية ورفع كفاءة المنشأة البريدية لا يتم إلا باستحداث خدمات جديدة حقيقية وفعلية وإداء تلك الخدمات بالصورة اللائقة والمناسبة التي تجذب جمهور العملاء، وبالتنافس الحقيقي في السوق البريدي، وليس بفرض الجبايات والإتاوات، فاستغفال العملاء واستنزاف أموالهم أمر لا تعرفه البلدان المتقدمة والتي آثرت بنفسها عن هذا الأسلوب لزيادة مواردها وتحقيق وفورات مالية غير حقيقية من جيوب العملاء والزبائن...

وللحديث بقية ...

ليست هناك تعليقات: