الجمعة، 7 يناير 2011

البريد المصري أولى ...


"أنا لا أخشى الموت ولا أرهبه فهو قضاء الله وقدره، ولكني أخشى أن يؤثر الحكم على زملائى ويصيبهم بالخوف ويقتل فيهم وطنيتهم"... هذه آخر الكلمات التي وجهها الشهيد سليمان خاطر، المجند المصري أثناء محاكمته العسكرية في 28 ديسمبر 1985، والذي فارقت روحه الطاهرة الحياة منذ 25 عاماً في صباح مثل هذا اليوم السابع من يناير عام 1986 في محبسه، والإدعاء بأنه قام بالانتحار بشنق نفسه على حد قول الطب الشرعي والصحف القومية المصرية، ورفض الحكومة إعادة تشريح جثته، ليوصف حتي الآن بأسد سيناء...
.
انتظرت هذا التاريخ طويلاً، لكي أبكي هذا الشهيد البطل، هذا المصري الذي كرم ذكراه البريد الإيراني بإصدار طابع بريد لتخليد اسمه، وتمجيد صنيعه، وإعلاء شأنه بين الأبطال والشهداء، هذا التخليد كنت أتمني أن يخرج من البريد المصري، فالبريد المصري أولى بتمجيد الشهداء والأبطال، بدلا من تمجيد الفنانين والممثلين والمطربين، أولى بنقش صورة هذا البطل على طابع بريد يعيد لنا كرامتنا وحريتنا، ويذكر أبنائنا وأحفادنا بعظمة الإنسان المصري ودفاعه عن أرضه، كان أولي بالبريد المصري ألا يدع التذكير بأبطالنا وشهدائنا ويقدم لنا القدوة والمثل في إعلاء شأنهم وتخليد ذكراهم...
.
والقصة كما نشرت بصحيفة الوفد أنه في يوم الخامس من أكتوبر عام 1985 وأثناء قيام الجندي سليمان خاطر بنوبة حراسته المعتادة بمنطقة رأس برقة بجنوب سيناء فوجئ بمجموعة من السياح الإسرائيليين العرايا يحاولون تسلق الهضبة التي تقع عليها نقطة حراسته، فحاول منعهم وأخبرهم بالإنجليزية أن هذه المنطقة ممنوع العبور فيها، إلا أنهم لم يلتزموا بالتعليمات وواصلوا سيرهم بجوار نقطة الحراسة التي توجد بها أجهزة وأسلحة خاصة بالقوات المسلحة المصرية وغير مسموح لأي إنسان الإطلاع عليها، أو حتى الصعود لتلك الهضبة، فما كان منه إلا أن نفذ التعليمات بإطلاق النار في الهواء أولا للتحذير، ثم أطلق عليهم النار بعدما رفضوا الاستجابة للتحذيرات المتكررة والسخرية منه بإطلاق النار فقتل سبعة منهم، ثم سلم نفسه بعد الحادث، وبدلا من أن يصدر قراراً بمكافأته على قيامه بعمله وتنفيذه التعليمات العسكرية، صدر قرار جمهوري مستغلاً قانون الطوارئ بتحويل هذا الشاب إلى محاكمة عسكرية، بدلا من أن يخضع على أكثر تقدير لمحاكمة مدنية طبقاً للدستور، لكونه من رجال الشرطة، ورغم طعن محاميه في القرار الجمهوري وطلب محاكمته أمام قاضيه الطبيعي، إلا أن الطعن رفض وتمت محاكمته عسكرياً وصدر الحكم عليه في الثامن والعشرون من ديسمبر عام 1985 بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة 25 عاماً، وتم ترحيله إلى السجن الحربي بالقاهرة، ثم نقل إلى مستشفي السجن بدعوي معالجته من البلهارسيا، وفي اليوم التاسع لمحبسه وتحديداً في مثل هذا اليوم السابع من يناير عام 1986 أعلنت الإذاعة ونشرت الصحف الموالية للحكومة خبر انتحار الجندي سليمان خاطر في ظروف غامضة، بعد الإدعاء بأنه مريض نفسياً ويعاني من اضطرابات عقلية ونفسية...
.
سليمان خاطر، شاب مصري مثل معظم شباب هذا الوطن، ولد عام 1961 بقرية أكياد بمحافظة الشرقية من أسرة فقيرة، كان هو آخر أبنائها، التحق مثل غيره بالخدمة الإجبارية بقوات الأمن المركزي التابعة لوزارة الداخلية، بينما كان يدرس منتسباً بكلية الحقوق، ساقه القدر ليكون حارساً على نقطة حدودية مع العدو الصهيوني، فدافع عن أرض وطنه، ودفع حياته ثمن جبن وتخاذل وانبطاح مسئولي هذا الوطن، دفع حياته لأنه صدق هتافات وأكاذيب وزيف من يتغنون بحب الأوطان ويطعنونه يومياً في الصدر قبل الظهر، دفع حياته وسنبكيه ونبكي رجولته وشجاعته...
.
أرقد يا سليمان بسلام وبركات من الله، أرقد يا سليمان فالكل جبان والكل مهان،
خمسة وعشرون عاماً على رحيل جسدك الطاهر، ومازلت فينا بشجاعتك وإقدامك، مازلت معنا بروحك ورجولتك التي نفتقدها جميعاً، معنا بهذا الطابع الإيراني الذي يخلد صنيعك، معنا رغم أنف من حاكموك ظلماً وجوراً، ثم قتلوك غدراً وقتلوا معك نخوتنا وكرامتنا، وعز عليهم تخليد أسمك بطابع بريد مصري!!..
.
وللحديث بقية أن شاء الله ...
Ashraf_mojahed@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: