الجمعة، 14 يناير 2011

المواطن البريدي !!..


الأيـام القليلة الماضية مـرت علينـا بمزيـد من الحـزن والآسي، بسبب تلـك الحـادثة التي وقعـت أمـام كنيسة القديسين بالإسكندرية، مرت كباقي الأيـام التي نمر بها، هموم وأحزان تمر بالوطـن الذي تشعر إليه بالحنـين، خاصة إذا كنت مسافراً بعيـداً عنه، هذا الحنـين عبـر عنه الجاحـظ في كتـابه البديـع "الحنين إلى الأوطان" معتبراً أن من علامات الرشد أن تكون النفس إلى مولدها مشتاقة وإلى مسقط رأسها تواقة، ومما يؤكد نزعة الإنسان لحب الأوطان قول الله عز وجل حين ذكر الديار يخبر عن مواقعها من قلوب عباده "وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ..." فسوٌى بين قتل أنفسهم وبين الخروج من ديارهم...
.
هذه الحادثة استدعيت معها كلمة المواطنة، حيث تكررت مئات المرات بالصحف والمجلات والقنوات الفضائية، وكأن الكلمة ابتدعت فقط للحفاظ على حقوق المواطن القبطي دون المواطن المسلم، ولم تستدعى حين يهضم مواطن مسلم حق أخيه المسلم، أو يهضم مواطن قبطي حق أخيه القبطي، فالكلمة تستخدم بالطلب، لزوم الشو الإعلامي، ومقتضيات التوجيه الحكومي، في زمن ترعي فيه الذئاب الغنم...
.
المواطنة التي نص عليها الدستور المصري بمادته الأولي "جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم على أساس المواطنة، والشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة"، ومادته الأربعون "المواطـنون لدي القانـون سـواء، وهم متساوون في الحقـوق والواجبـات العامة، لاتمييز بينهم في ذلـك بسبب الجنس أو الأصـل أو اللغـة أو الديـن أو العقـيدة"... لا تظهر إلا في حالات الاحتقان الطائفي للتخفيف من تداعياته وآثاره، وتظل كامنة خامدة حبيسة الأذهان والعقول فيما نشهده من تمييز وإنعدام تكافئ الفرص، وإنحسار العدالة الاجتماعية، والإتساع في استغلال السلطة والنفوذ، ورأس ماله الطبقي المستغل...
.
المواطنة تعني حقوقاً متساوية ليس بين المسلمين والأقباط فقط، بالحديث عن زيادة عدد الكنائس أو تقلد الأقباط لبعض الوظائف العامة، بل تعني حقوقاً متساوية بين كافة المصريين، وكأن البعض يغض الطرف عما نراه من تكدس للمسلمين داخل المساجد لأداء الصلاة وما يفترشونه خارجها لاستيعاب أعدادهم المتزايدة، وكذلك من يغض الطرف عن العشرات من المسلمين الذين تم هضم حقوقهم في التعيين بالجامعة أو الخارجية أو جهاز الشرطة أو القوات المسلحة أو البنوك الكبري رغم تفوق ونبوغ البعض منهم، بسبب الواسطة أو المحسوبية أو المعايير الاجتماعية المنسجمة لتلك الوظائف، والتي أبتدعها أكابر القوم واضعي الدستور ومشرعي تلك القوانين... فهل المواطنة تعني أن يكون ابن الأستاذ الجامعي معيد بالجامعة، وابن رئيس المحكمة قاضي، وابن لواء الشرطة ضابط شرطة، وابن الدبلوماسي سفيرا، في الوقت الذي يستنكر فيه مطالب العاملين بالبريد المصري بالمساواة بينهم وبين موظفي الشركة المصرية للاتصالات، وجميعاً تضمهم وزارة واحدة، أو يستنكر مطلبهم لتعيين أبنائهم بالبريد...
.
المواطنة مفقودة، مختطفة، مسروقة، لا عدالة ولا تكافئ فرص، فالحنين إلى الأوطان محفوفاً بحضورها وتفعيل معناها وإشاعة روح المساواة والعدل، بزرع الانتماء والولاء لهذا الوطن... ينسحب ذلك على المواطن البريدي، فاختطاف الوظائف القيادية بالبريد المصري من رؤساء قطاعات ومستشارين ومديرين من خارج السلم الوظيفي، وترك كفاءات وعاملين من مسلمين وأقباط أفنوا حياتهم في العمل والاجتهاد يحقق المواطنة، وما نراه من طبقية في التعامل والرواتب والحوافز وبيئة العمل المكتبي يحقق المواطنة، عدم تثبيت مئات المؤقتين يحقق المواطنة، عدم تشغيل مئات من خريجي شعبة البريد وتشغيل غيرهم من ذوي المؤهلات التي لا تتفق مع العمل البريدي يحقق المواطنة...
.
المواطن البريدي لم يكن يوماً يشعر بالغربة ولا بالتمييز إلا في تلك الأيام، يشعر بالمرارة والاكتئاب، يشعر أنه لا محل للمجتهدين ولا للمبدعين، يشعر أن أعماله واجتهاده يصب في جيب غيره، في مجد غيره، في فئة محدودة تجني ثمار جهده، وتقطف ما تزرعه يده...
.
وللحديث بقية أن شاء الله...
Ashraf_mojahed@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: