الأحد، 8 نوفمبر 2009

إضراب البريد البريطاني !!..


البريد الملكي البريطاني من أعرق المؤسسات البريدية على المستوي الدولي، وله السبق في العديد من الابتكارات البريدية وتطوير وتحديث الأعمال البريدية... فمنذ أن أنشئ بأمر من الملك هنري الثامن في عام 1516م لتسليم رسائل البلاط الملكي إلى مختلف أجهزة الدولة، ثم تعميمه ليصير متاحاً للجمهور في عام 1635م، إلى أن تم استعمال أول طابع بريد تم طباعته في انجلترا والمسمي بيني بلاك عام 1840م لتحصيل الأجرة من المرسل منه... هذه العراقة والتاريخ الطويل إضاعته حكومة العمال الحالية برئاسة جوردون بروان وحكومة سلفه توني بلير.

فالبريد الملكي البريطاني الذي يعمل فيه نحو 141 ألف عامل، يستخدمون نحو 30 ألف شاحنة و33 ألف دراجة، يقومون بتوزيع أكثر من 75 مليون رسالة وطرد يومياً على أكثر من 28 مليون عنوان في شتي أنحاء المملكة المتحدة، مروراً عبر 113 ألف صندوق بريد و14300 مكتب بريد و70 مركز حركة و8 مراكز توزيع إقليمية و3 الآف مكتب تسليم... هذا الحجم الهائل من الأعمال يدر على الخزانة البريطانية أكثر من 14 مليار دولار سنوياً رغم ما تعانيه قطاعات البريد عموماً من تطور قطاع الاتصالات وانتشار استخدام الانترنت والبريد الإلكتروني في السنوات الأخيرة.

فمنذ عشر أعوام تقريباً والبريد الملكي البريطاني يحقق خسائر فادحة، تلك الخسائر بلغت ذروتها عام 2001 بنحو 1ر1 مليار جنية استرليني، وعلى أثرها تم إلغاء نحو 17 ألف وظيفة، حسب ما أوردته صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 14/6/2002، هذه الخسائر تعود بالأساس للسماح للعديد من الشركات الخاصة في دخول سوق البريد البريطاني بطريقة متدرجة حتى أصبحت تلك الشركات تعمل بصورة قانونية اعتباراً من أول يناير 2006م، وبذلك فقد البريد الملكي البريطاني حقه الاحتكاري الذي تمتع به على مدي 250 عاماً، وأصبح سوق البريد مفتوح للجميع... كما أن إنصراف البريد الملكي البريطاني عن أعماله الأساسية المكلف بها وفقاً للقانون بتقديم الخدمات البريدية للمواطنين، بالدخول في أعمال أخري كاليانصيب والمضاربات وغيرها، بالإضافة إلى سياسة إدارته الليبرالية الممزوجة بأفكار الخصخصة، والتي تدعو عموماً إلى تقليص دور الدولة برفع قبضتها عن كافة ما تقدمه من خدمات للمواطنين، والتفرغ لوضع السياسات والاستراتيجيات العامة أدي كل هذا لمزيد من الخسائر، وصولاً بتلك المشكلات المعقدة بينها وبين العاملين بها.

وهذا الإضراب الأخير والذي يعد ثاني أكبر إضراب، لم يكن الإضراب الأول الذي ينظمه عمال البريد الملكي، حيث سبق لهم القيام بالعديد من الإضرابات منذ عام 2003 بسبب إصرار حكومة حزب المحافظين في السابق على تخصيص جزء من البريد الحكومي وبيعه تدريجياً بحجة تحقيقه لخسائر مالية بسبب المنافسة الشديدة الذي يواجها من الشركات الخاصة، والتي تقدم الخدمة بصورة أفضل، إلا أن الغريب في الأمر أن يقوم حزب العمال بقيادة توني بلير ومن بعده جوردون بروان بإعادة المحاولة وتكرارها رغم أنه يفترض أنها حكومة عمالية تعمل لصالح العمال!!..

والسبب الرئيسي لهذا الإضراب الأخير ما أعلنه رئيس الوزراء البريطاني جوردون بروان بتاريخ 13/10/2009 عن عزمه طرح للبيع أصول حكومية بقيمة 16 مليار جنية استرليني (4ر25 مليار دولار) بما فيها خط القطارات الواصل بين بريطانيا وفرنسا، ونحو30% من البريد الملكي البريطاني، وذلك بهدف خفض الديون الناجمة عن الأزمة الاقتصادية الحالية، مما أثار مخاوف العاملين بالقطاع البريدي بمزيــد من الاستغــناء عن الوظائف، خاصة إذا ما عرف أن المشتري قد يكون شركة T.N.T أو DHL ، حيث بــدأ الإضــراب لمــدة يومــين في جميــع انحــاء البــلاد اعتبــاراً من يوم 22/10/2009 وذلك طبقاً لما نقلته وكالة رويترز بقيام نحو 42 ألف عامل وسائق في مراكز البريد بالإضراب، وسيتبعهم 78 ألفا من العاملين في جمع وتسليم البريد في خطوة من المتوقع أن تتسبب في تعطيل حاد لعمليات تسليم البريد، وعلق ديف وورد نائب الأمين العام للنقابة لتلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية بي.بي.سي بقوله: «إنهم لا يطورون الخدمة.. إنهم يخططون لخفض أعداد كبيرة من الوظائف.. ما نريده هو فرصة لتسوية الأمر.. لا نريد إلحاق الأضرار بعملائنا.. ليس لدينا بديل».

عمال البريد في بريطانيا يدافعون عن حقهم في تحسين أجورهم والحفاظ على مزايا التأمين بعد التقاعد، يدافعون عن حيـاة كريمة آمنة تحميهم من أخطار إلغاء الوظائف وإحالتهم للتقاعد، يأملون أن تتاح لهم الفرصة لمنافسة تلك الشركات الأجنبية الخاصة بمزيد من التدريب والتطوير والعمل الجاد، بعكس ما تفعله الإدارة الحالية في السعي لتوظيف نحو 30 ألف عامل موسمي لمواجهة الإضراب، عمال البريد في بريطانيا يتسألون هل التطوير والتحديث يعني الاستغناء عن خدماتهم ؟!.. يعني خفض أجورهم ومخصصات التأمين بعد التقاعد ؟!.. هل التطوير يعني توجيه أعمال مؤسساتهم إلى مهام غير مهام الخدمات البريدية والسماح للشركات الأجنبية بالإستيلاء على السوق البريدي في بلادهم ؟!..

ما يثــير الانـتــباه وأعجـبـني بشــدة وجعـلني أحـيي بعــض نــواب حــزب العمــال ما ذكــرته صحــيفة انــدبنـدانت أون صنـدي بتـاريـخ 25/10/2009 أن نحو 120 نائب من حزب العمال البريطاني يقفون ضد مشروع خصخصة جزء من البريد الملكي البريطاني، وسوف يصوتون بحجب الثقة عن زعيم حزبهم جوردون بروان مع نواب حزب المحافظين إذا ما تم مناقشة الموضوع بالبرلمان... ويذكر أن أحدث استطلاعات للرأي أظهرت أن حكومة حزب العمال انخفضت شعبيته إلى أدني مستوي لها منذ بدء تسجيل تلك الإستطلاعات، حيث وصلت إلى 23% وهو أسوأ معـدل له منـذ بـدء الإستـطلاعـات الرسـمية في عـام 1943... فهل سيـكون إضـراب عمال البريد الملكي البريطـاني القشة التي تقصـم ظهـر البعـير ؟!..

وللحديث بقية أن شاء الله ...

Ashraf_mojahed63@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: