الخميس، 1 يوليو 2010

الملتقي الإبداعي للبريد المصري!!..


جميل أن يحتفل البريد المصري بالأدباء والمثقفين، وجميل أن يكون لدينا من الثقافة ما يدعو لتكريم الإبداع والمبدعين... فبحضور نخبة من أدباء ومثقفي مصر تم انعقـاد ملتـقي الإبداع الأول للبريد المصري في مايو 2009 تحت أسم الأديب الراحـل "يحيي حقي" تكريماً له، حيث شارك فيه نحو عشرون من النقاد والروائيين الذين بحثوا العلاقة بين الإبداع والبريد من خلال بعض المحاور منها : البريد .. تاريخ وتوثيق، البريد في العصر الإسلامي، يحيي حقي في البوسطجي، قمم ورموز على طوابع البريد، رسول التواصل الإنساني... واستمرار للنهج نفسه تم عقد ملتقي الإبداع الثاني للبريد المصري في يونيو 2010 تحت أسم الأديب الراحل "توفيق الحكيم" تكريماً له، وشارك فيه أيضاً عدد من الأدباء والروائيين من خلال مائدة مستديرة بعنوان "البريد في خيال المبدعين"...

الموضوع في شكله العام يدعو للفخر أن يقوم البريد المصري بتكريم تلك النخب من المبدعين والمثقفين، ولكن أهم ما يدعو للدهشة العلاقة المضطربة التي تربط البريد المصري تحديداً بهؤلاء الأدباء والمثقفين، والأعمال التي تتقاطع أو تتشابك مع البريد وأثره في الإبداع الفني والأدبي... ذلك أنه لم يكن للبريد المصري في أدبيات من كرموا مرتكزاً لرؤية واضحة لأهمية البريد ودوره الاجتماعي والثقافي، بل جاء في العادة بصورة سلبية ومهمشة بدرجة يصعب معها الإحتفاء والإشادة بدور هؤلاء الكتاب والمثقفين في إحياء ثقافة احترام هذه المؤسسة والعاملين بها.

فالملتقي الأول والذي انعقد تحت أسم الأديب الراحل يحيي حقي، والذي لا ينكر أحد إبداعاته الإدبية والفنية، كان واضحاً بسبب قصته "دماء وطين" والتي حولها المخرج الراحل "حسين كمال" لفيلم سينمائي عام 1968 بعنوان "البوسطجي"، مصوراً شخصية البوسطجي "شكري سرحان أو عباس افندي" والذي ينتقل من العمل بالقاهرة إلى العمل بقرية بصعيد مصر تسمي كوم النحل بصورة مخجلة بملابسه الحكومية الرثه، وأخلاقياته المنعدمة بالتلصص على الخطابات، ومعاقرة الخمور، واقتناء المجلات الإباحية، واستباحة النساء... والتي بسببه أضحت صورة رجل البريد متجزرة بالعقل العربي بتلك الشخصية الغير مؤتمنه... كما أن الرواية الإدبية ما قصد منها تصوير حال هذا البوسطجي، بل كانت مرتكزة على إيضاح حال المرأة الصعيدية وكيف كانت تنتهك حقوقها وآدميتها، وتصويرها على أنها مكمن الرذيلة والعار والفضيحة في تلك المجتمعات القبلية، فالبوسطجي لم يكن محورياً بالقصة، وأضحي في الفيلم رمزاً للرذيلة والفساد وانحطاط الأخلاق، فعلاما التكريم أذن؟!.. كما أن تكريماً آخر تم للكاتب المبدع إبراهيم أصلان الذي ارتبط أسمه بالبريد لكونه بدأ حياته موظفاً للبريد!!..

أما الملتقي الثاني والذي انعقد تحت اسم الأديب الراحل توفيق الحكيم، كان بسبب قصته القصيرة "موزع البريد" والتي عرفت أيضاً "بموزع الحظ"، والتي تم تحويلها لفيلم تسجيلي قصير، للمخرج الشاب محمد الشهابي ولا ترتبط بشخصية ساعي البريد إلا من خلال ملابسه، فالقصة منصبة على فلسفة توزيع الحظ والعطايا، ولاعلاقة لها بالبريد المصري لا من قريب أو بعيد...

فالبريد رغم رسالته السامية، ومهامه الإنسانية والحضارية لم يكن يوماً مناص اهتمام الأدباء والمثقفين المصريين، بل كان البريد المصري دائماً محط سخرية وازدراء في تلك الأدبيات - اللهم ما ندر- والقصص والروايات والأدبيات العربية شاهده على هذا التجني الغير مبرر، فساعي البريد لم يظهر بتـلك الأدبيات يومـاً بطـلاً أو منقذاً أو بصـورته الحقيقية التي تدعــو للفخـر وامتزاجـه بروح الوطنـية، كمـا صـورته الروايـة الأمريكـية الفائـزة بأدب الخيـال العلـمي لديفـيد برين عــام 1985 والتي تحـولت لفيلم سينمائي باسم ساعي البريد "The Postman"بطولة كيفين كوستنر، حيث صورته الرواية والفيلم معاً معبراً عن الاتحاد الأمريكي التي يجمعها شبكة من الاتصالات التي إذا سقطت جميعها بفعل الحروب فإن البريد سوف سيظل ليعيد اتحادها ويبعثها من جديد... أو ذلك الشاعر بابلو نيرودا الذي يروي سيرته الذاتية في المنفي ممتزجاً بتاريخ وطن وشعب مع ساعي البريد، والذي تحولت لفيلم سينمائي عام 1994 "ساعي البريد" سيظل عالقاً في الأذهان لفترة طويلة، حيث نال أكثر من 18 جائزة عالمية ورشح لخمس مرات لجوائز أوسكار...

والواقع الذي نراه أن تلك الاحتفالات واللقاءات ما هي إلا نوعاً من الدعاية والإعلان وديكوراً لتجميل صورة البريد المصري يساير هوي بعض الأدباء والمثقفين بالحصول على جوائز مادية وليس له علاقة بالأدب والإبداع، وإلا فأين تلك الدراسات والأدبيات والإبداعات المتعلقة بالبريد المصري ودوره الثقافي والحضاري؟!..، ومتي وأين تم نشرها خلال السنوات الماضية؟!.. فالشكوي التي أرسلها رئيس اتحاد الكتاب محمد سلماوي لوزير الإتصالات ورئيس البريد المصري متضمنة توقيعات أكثر من أربعين كاتباً بسبب تأخر هيئة البريد في عقد "المؤتمر الإبداعي الأول" لأكثر من عام وعدم حصول الأمانة العامة للمؤتمر والذي بذلت جهداً كبيرا -على حد قوله- في كتابة الأبحاث والدراسات والشهادات على حقوقها المادية والمعنوية، مطالباً بالحقوق المادية لأعضاء اللجنة في حالة عدم انعقاد المؤتمر، خير شاهد على ما ذكرناه (صحيفة اليوم السابع 27/2/2009).

ومـا أعتـبره تأكيـداً على هـذا الواقــع ، ما نشـرته صحـيفة اليـوم السـابع بتـاريخ 26/6/2010 عن قيام هيئة البريد المصري بالإعلان عن أول جائزة للإبداع، حيث صرح الشاعر حزين عمر سكرتير عام اتحاد الكتاب والأدباء عن أربعة مجالات لتلك الجوائز هي: الشعر الفصيح والعامي، القصة القصيرة، فن الكاريكاتير، البحث العلمي ويحصل فيها الفائز الأول فقط على جائزة قدرها عشرون ألف جنية، بينما يمنح الثلاثة الفائزون في مجالات الفروع الثلاثة الأول جائزة قدرها عشرة آلاف جنية للأول، وخمسة آلاف للثاني، وثلاثة آلاف للثالث... وأوضح أن الجائزة ستكون سنوية وسوف يتم تبديل فروعها في كل دورة جديدة مشيراً ألي أنه في العام المقبل ستكون الرواية بدلا من القصة القصيرة، والفن التشكيلي بدلا من الكاريكاتير، على أن تكون هناك جائزة خاصة للموهوبين من موظفي هيئة البريد...

جوائز مالية واحتفالية وتكريم سيقام لأدباء وشعراء ومثقفين لن يستفيد منه العاملون أو الكادحون في هذا المرفق وما يعانونه من مشاكل جمة وظروف عمل قاسية، ولك أن تتصور أن عشرات بل مئات المكاتب البريدية تم إنشائها بدون دورات مياه، والبعض الآخر به دورات مياه رثة وضيقة وغير آدمية، مكاتب عديدة لا يوجد بها عامل للنظافة، وأخري ضيقة ولا توجد بها تهوية مناسبة أو آثاث مناسب أو أجهزة تساعد علي إنجاز العمل المثقل به موظف البريد... مشاكل وهموم يومية لا يعرفها إلا العشرات بل المئات من العاملين بالمكاتب البريدية ومناطـق التوزيع الذين يواجهـون سيلا وزحـاماً يوميـاً من جمهـور المتعـاملين، هذه المشاكل والهمـوم أجـدر بأن تبحـث وتناقش وتحـل... أما الأدبـاء والشعـراء والمثقفـون فجـوائز الدولة وعطـايا وزارة الثقـافة ورجـال الأعمال أولي بهم من أمـوال البريد، مع كامل الاحتـرام للأدب والإبـداع!!..

وللحديث بقية ...

ليست هناك تعليقات: