الأحد، 7 نوفمبر 2010

الناخب البريدي ...

.

شهر نوفمبر الحالي سوف يشهد في نهايته انتخابات مجلس الشعب المصري، وسط صخب وجدل وعراك سياسي لم نشهده من قبل بين دعوات للمشاركة وأخري للمقاطعة، فمنذ عودة الحياة الحزبية في مصر عام 1977 وسيطرة الحزب الوطني على مقاليد السلطة، لم نشهد دنو حزب آخر يستطيع تتويج المبدأ الديمقراطي بتداول السلطة، فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة، حسب تعبير مفكرنا الدكتورأحمد كمال أبو المجد.

.

في اعتقـادي أن أسـاس العمـلية الانتخـابية ومحـورها الرئيسي هو الناخب، إذا ماأعطي حريته، فالناخب في البلدان الأوروبية المتقدمة ديمقراطياً يستطيع إجبار حكامه وأحزابه وإخضاع برامجهم وآرائهم لما يريده من تقدم ورفع مستواه المعيشي، بخلاف ناخبنا وما يعانيه من سوء تقدير وعدم وعي بالمصالح الجماعية والوطنية، واهتمامه بمصالحه الشخصية والمنافع الذاتية التي تعود عليه من انتخاب نائب بعينه، بالإضافة للسلبية وعدم المبالاة للجزء الأكبر من هؤلاء الناخبين، أما لجهل أو إنشغال بلقمة العيش أو ليأسه من جدوي العملية الانتخابية برمتها.

.

أما الناخب البريدي، فواقعه الانتشار في إرجاء القطر المصري، خمسة وخمسون ألف موظف وعامل يعملون في العشرات من المناطق البريدية ومراكز الحركة ونقاط التوزيع ومئات المكاتب البريدية في مدن وقري ونجوع مصر، إنتشار جعله لا يمثل كتلة تصويتية في دائرة من الدوائر الإنتخابية بعينها، بيد أن إنتشاره هذا قد يكون ميزة وأفضلية إذا ما صار إيجابياً، واعياً، مدركاً بأهمية العملية الانتخابية في الحفاظ على حقوقه ومستقبله ومستقبل أبنائه وأحفاده...

.

ولكن كيف يكون ناخباً حقيقياً، وقد تربي على السمع والطاعة وإتباع الأوامر والتعليمات منذ أن التحق بمراحل التعليم الأساسي، يحرم عليه إبداء رأيه، لا يختار ممثليه بالاتحادات الطلابية، مقهور في مدرسته، ثم في جامعته، حيث تزور انتخابات الاتحادات الطلابية، ويعين العمداء ورؤساء الأقسام... كيف يكون ناخباً صالحاً وهو لا يستطيع انتخاب عمدة قريـته أو رئيس حي مدينـته، أو محافـظه، فهو تربي ونشاة في طـواعية رؤسائه ومديـريه المعينين، لا يستطيع بإرادة حـرة انتخـاب مجلس إدارة هيئته أو نقابته أو من يمثله ويدافع عن حقوقه، يترك وحيداً لكي يفترس فرادا وواحداً تلو الآخر...

.

هذا حال الناخب البريدي التقليدي المنتشر في المدن والقري، ناخب لا وزن له ولا حول ولا قوة لإرادته، فهو ناخب هزيل، كل ما يعنيه ما يحصل عليه من فتات راتبه وبدلاته التي لا تكاد تسد رمقه ورمق عائلته، فيتجه تلقائياً لعمل إضافي أو تجارة منزويه ليستكفي حاله هو وعائلته، فعقله ووقته منهكان وراء لقمة العيش، ولا وقت للسياسة أو العمل السياسي... بخلاف الناخب البريدي الجديد الذي ابتدعته ودربته السلطة خلال السنوات القليلة الماضية، فجلب العشرات من لواءات وقـادة الجيش لشغل المناصب القيادية بالبريد المصري، والعشرات من أنصـار الحزب الوطني واتبـاعه لتولي مناصب علـيا وقيادية، جعل اصطفـاف الناخب البريدي الجديد مرهـوناً بنيل رضا رؤسائه ومديريه، أملاً في الترقي وجني مكاسب وظيفية، فنشئ جيلاً من الناخبين البريدين أكثر التصاقاً بالمصالح الفئوية والحزبية، تتحول رويداً لمصالح شخصية، لا تدرك مصالح الأمة ولا مصالح مؤسسته.

.

الناخب البريدي الحقيـقي، مع التماس العـذر لـه، يجب أن يكـون هدفـه الإنتخـابي الأول إقـامة العـدل في المجتمع، ســواء كان مع الحزب الوطني أو مع غيـره، فالعـدل أسـاس الملـك... فكم من حضـارات فقـدت، وأمم فنـيت، وزعامــات كسـرت، بسبب شطـطـها عن العـدل، فالعـدل وحـده هو الذي يضـمن البقــاء والاستمـرار، وبدونـه ستـزول مهمـا طــال الاستبداد، ستـزول وتلعـنك الأمـم ويلعـنك اللاعنـون...

.

وللحديث بقية أن شاء الله ...

Ashraf_mojahed63@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: