الأحد، 21 نوفمبر 2010

الفكر البريدي الجديد !!..

.
منذ أن طالعت أول استقصاء إستطلاعي إرسل من المكتب الدولي للاتحاد البريدي العالمي بشأن تغيير مصطلح "إدارة بريدية" بكافة وثائق الاتحاد إلى "بلد عضو و/أو مستثمر معين"، إيقنت أن ثمة تحولاً عالمياً وإقليمياً سوف يحدث تغييرات جذرية في مجال الخدمات البريدية... فمنذ إقرار الحكم C29 بمؤتمر سيول عام 1994 بوجود هياكل متنوعة في البلدان الأعضاء بالاتحاد تقوم بإداء الخدمات البريدية والتأكيد بمؤتمر بكين عام 1999 بالحكم C110 على ضرورة التمييز بوضوح بين الأدوار والمسؤليات الحكومية والتشغيلية فيما يخص توفير الخدمات البريدية الدولية، وصولاً إلى قيام مجلس إدارة الاتحاد بتقديم 32 اقتراحاً بمؤتمر جنيف 2008 لتغيير المصطلح المشار إليه، والتي تم إقرارها بالفعل ضمن وثائق الاتحاد، أصبح هناك واقعاً جديداً يجب التعايش معه والتأقلم في ظله.
.
ويبدو أن الوصول لإدخال الكيانات الغير حكومية أو المستثمرون الخواص لأداء الخدمات البريدية كان الهدف المتدرج والحقيقي الذي سعي إليه الاتحاد من خلال جملة الدراسات والاستقصاءات التي أجراها مجلس الإدارة بهذا الشأن منذ مؤتمر سيول 1994، فالاندفاع نحو العولمة والسوق الحر والاستثمار في الخدمات البريدية أصبح قاب قوسين أو أدني من البلدان النامية والفقيرة، فالإدارات البريدية الحكومية بتلك البلدان من وجهه نظر المهيمنين على الاتحاد لم تستطع وحدها النهوض بالخدمات البريدية بالدرجة الكافية، ومن ثم كان من الضروري إشراك الكيانات الخاصة وتمثيلها من خلال المجلس الاستشاري، الذي يعد نافذة جديدة بجوار مجلسي الإدارة والاستثمار ليمثل تلك القطاعات والمنظمات الغير حكومية بالاتحاد.
.
هذا الفكر الجديد في اعتقادي كان ومازال يلائم البلدان الأوروبية والأمريكية، وبعض البلدان الأسيوية الأكثر انفتاحاً كاليابان وسنغافورة وتايوان وهونج كونج، وما لديها من قدرة هائلة من شركات عملاقة وسوق بريدي تنافسي يهيمن عليه الشفافية والحرية الأقتصادية بمفهومها الحقيقي، تبعده بطريقة آلية عن الاحتكـارات والاستـغلال، ولم يكن في يـوم من الأيــام ملائـماً للعـديد من البلدان النامية في أمريكـا اللاتيـنية وأفريقـيا وبعض البلـدان العربية النامية والناهضـة، والتي تسلك طـرق عــدة ومتنـوعة في إقتصـادياتها وتشغيل خـدمـاتها البريدية، وتعـج بالفساد وعـدم الشفافية.
.
فبعض البلدان العربية التي تتشبث بالأفكار الغربية كالأردن والسودان ولبنان على سبيل المثال وهرولت إلى خصخصة خدماتها البريدية، سرعان ما تراجعت بإعادة دراسة موقفها بعدما استشعرت خطر هيمنة الاستثمارات الأجنبية على مرفقها البريدي، بينما عالجت البلدان الخليجية الأكثر نضجاً وانفتاحاً وقدرة مالية موقفها بالمضي قدماً في تحسين خدماتها البريدية بشراكات فنية وتكنولوجية مع شركات عالمية ذات خبرات متعددة بما يسمح لها بالنهوض بتلك الخدمات، دون الرضوخ للشركات الحاكمة، وهناك بلدان أخري أكثر حذراً وإنكفاءً كسوريا وليبيا والجزائر التي مازالت تمسك بتلابيب مؤسساتها البريدية، رغم ما تعانيه من ضغوط دولية لفتح أسواقها البريدية أمام الشركات الدولية.
.
أما البريد المصري، فالتصريحات الصحفية المتكررة منذ عام 2007 بعدم خصخصة الخدمات البريدية أو تحويل هيئة البريد إلى شركة قابضة، يثير الكثير من المخاوف، في ظل السماح لنحو سبعة عشر شركة دولية للعمل في المجال البريدي ونقل الطرود، والإعلان عن قرب إنشاء هيئة مستقلة لإدارة الخدمات البريدية ممثلة في جهاز قومي للبريد علي غرار الجهاز القومي للاتصالات، بالإضافة إلى ما أنتهي إليه البرلمان المصري في مايو الماضي من إقرار قانون مشاركة القطاع الخاص في البنية الأساسية والمرافق العامة، وما أثير حوله من مخاوف من إعادة السيطرة والامتيازات للشركات الأجنبية وتحكمها في فرض أسعاراً للخدمات العامة تفوق قدرة المواطن المصري.
.
وبقليل من التبسيط، نذكر أن الأنشطة الجـارية الخاضـعة للبريد المصري والتي تدرج ضمن ميزانيته العمومية تشتمل على ثلاثة فصول: فصل بريد(1) ويتمثل في الخدمات البريدية التقليدية، ويعاني في العادة من خسائر سنوية متراكمة، فصل بريد (2) ويتمثل في مطابع البريد، وتحقـق له طفرة خـلال السنوات الثلاثة الماضية بضخ أموالاً لزيادة استثماراته ونشاطه، فصل بريد (3) ويتمثل في صندوق توفير البريـد، الذي يحقـق فائضـاً ماليـاً كبيراً يغـطي خسائر الفصل الأول ويدعـم الفصل الثاني، وينـظر إلي مدخـراته بانفـتاح عمـيق لتوجيـه أمـواله نحو تمـويل مشروعـات تكنولـوجية عملاقة بقطـاع الاتصالات، طبـقاً لتصريح الدكتـور طـارق كامـل وزيـر الاتصـالات وتكنـولـوجيا المعلومات أثنـاء المؤتمـر السنوي الأول لجمعـية اتصـال (موقع أمـوال الغـد 27/10/2010).
.
اذاً نحن أمام فكر بريدي مصري جديد يتمثل في التخلص أو التقليل من أعباء الخدمات البريدية التقليدية، التي لم ولن تحقق فوائض مالية، وتمثل عبئاً على ميزانية الهيئة، بالسماح لشركات القطاع الخاص بإلتهام النصيب الأكبر منها، والاكتفاء بالإشراف والتنظيم أسوة بالجهاز القومي للاتصالات، وكذلك لمسايرة توجهات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والالتزام باتفاقية الجات وغيرها من الاتفاقيات المنظمة لحركة التجـارة العالمـية، والاستفـادة من أمـوال صندوق توفـير البريد في استثمارات بقطـاع الاتصالات، خاصة بعد ما أعلن عن قرب زوال بنك الاستثمار القـومي (صحيفة المصري اليوم 20/7/2010).
.
وللحديث بقية أن شاء الله ...
Ashraf_mojahed63@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: