الجمعة، 26 نوفمبر 2010

استثمارات البريد المصري !!..

.
"مصير بنك الاستثمار القومي إلـى زوال..." تصريح صحفي للدكتور يوسف بطرس غالي، وزير المالية، رداً على سؤال عن مستقبل البنك حال تطبيق قانون التأمينات الجديد (المصري اليـوم 20/7/2010)... "تحويل هيئة البريد إلى مؤسسة مالية قادرة على تمويل مشروعات تكنولوجية عملاقة..." تصريح للدكتور طارق كامل، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، أثناء انعقاد المؤتمر السنوي الأول لجمعية إتصال (موقع أموال الغد 27/10/2010).
.
التصريحات العديدة والمتكررة عن استثمارات البريد المصري في تلك الأيام، تثير الدهشة، وتبدو وكأنها كمن يضع العربة أمام الحصان، فالمعروف أن الهيئة القومية للبريد، هيئة خدمية أنشئت بموجب مراسيم وقوانين متعاقبة منذ صدور اللائحة الخاصة بتنظيم أعمال البريد في ديسمبر عام 1865 نهاية بالقانون رقم 19 لسنة 1982 لأداء مهام محددة في تقديم كافة الخدمات البريدية من نقل مراسلات وطرود وحوالات مالية، بالإضافة لبعض المهام التي أسندت إليها مؤخراً كصـرف المعـاشات وتراخيص السيارات وغيرها، والتي تنـدرج جميعـاً ضمـن فصـل خـاص بميزانية الهيـئة يسمي فصـل بريـد (1)، وعـادة ما يحقــق خسـائر سنــوية، ناتجـة عن التـذرع الدائـم بتقـديم تلــك الخـدمـات بصـورة تراعـي البـعـد الاجـتـمـاعي، بخـلاف فصــل بريـد (2) الخـاص بمطـابـع البريـد، وفصـل بريـد (3) الخاص بصندوق توفير البريد، الذي يحقق فائضاً مالياً يغطي خسائر الفصل الأول ويزيد بنحو 200 مليون جنية سنوياً.
.
هذه الفوائض المحققة بميزانية البريد المصري مصدرها الوحيد نسبة الـ 80% من الأموال المودعة بصندوق توفير البريد والمستثمرة ببنك الاستثمار القومي بموجب قانون إنشاء البنك رقم 119 لسنة 1980 بفائدة قدرها 9.35% سنوياً، بينما العائد الممنوح لجمهور المودعين يقدر الآن بنحو 9% سنوياً، بفارق 0.35%، بخلاف ما تحصله الهيئة من ناتج المصادقات وعموله السحب من مكاتب آخر والاستفادة من عدم احتساب العائد لشهري السحب والإيداع، بينما يقوم بنك الاستثمار القومي بإقراض وتمويل شركات قطاع الأعمال بفوائد تصل لنحو 12% سنوياً... أما نسبة الـ 20% الباقية فتقوم الهيئة باستثمارها في محافظ صناديق وسندات خزانة والمشاركة في مشروعات بقطاع النقل وشركة اتصالات مصر التي تمتلك نسبة 24% من أسهمها، بالإضافة لإمتلاك عدة شركات بنسبة 100% كشركة البريد للتوزيع، وشركة انترالوت ايجيبت، وشركة سمارت، وشركة الحلول المتكاملة للموانئ، وشركة جيرونيل، وجميعها لم يكشف عن أنشطتها أو ميزانيتها، كما لم يتم الإعلان لماذا تحديداً الاستثمار بتلك الشركات؟!.. خاصة بعدما أثير حول فقدان شركة جيرونيل على سبيل المثال لقيمة أسهمها بنسبة 98% في البورصة والتي يقدر رأس مالها بنحو 630.7 مليون جنية، طبقاً للبلاغ المقدم من النائب البرلماني محمد العمدة إلى المستشار عبد المجـيد محمـود، النائب العام، استنـاداً إلى تقـرير الجهـاز المركـزي للمحاسبات الخـاص بالحساب الختامي للمـوازنة العـامة للدولة، وأشار كذلـك إلى أن تلـك الاستثمارات تضمـنت نحو 2.6 مليـار جنـيه في العديـد من الشركات يرجع تاريخ مساهمة البريد المصري فيها إلى عام 2004 ولم تدر هذه الشركات أي عائد حتى 30/6/2008 (صحيفة المصري اليوم بتاريخ 4/3/2009).
.
ولكن ماذا بعد زوال بنك الاستثمار القومي، وتوجيه باقي أموال مودعي صندوق توفير البريد للاستثمار في تمويل مشروعات تكنولوجيا عملاقة ؟!.. ولماذا قطاع الاتصالات تحديداً هو الذي يحظي بهذا الاهتمام؟!.. رغم توجه القطاع الخاص نحوه بقوة خلال السنوات الماضية والاستثمار فيه محققاً أرباحاً طائلة... ولماذا لا يتم استثمار تلك الأموال في شركات إنتاجية مماثلة للشركات التي قام بإنشائها بنك مصر بداية القرن الماضي برئاسة طلعت باشا حرب؟!.. ولماذا لا نتعلم من التجربة اليابانية في توجيه أموال صندوق توفير البريد لديها في مشاريع صناعية ضخمة أو استثمارات عقارية تعود بعوائد استثمارتها على هؤلاء المودعين الصغار، ليس فقط في ما يحصلون عليه من عائد، بل وفي توظيف وتشغيل أبنائهم وتأمين مستقبل أحفادهم؟!..
.
التجربة الرائدة التي خاضها الراحل العظيم طلعت باشا حرب بداية القرن الماضي في استثمار أموال بنك مصر في إنشاء وتأسيس نحو خمسون شركة إنتاجية، صناعية وزراعية وخدمية في كافة المجالات، ستظل منارة يحلم بها كل مصري في هذا الوطن، يحلم ويأمل بطفرة اقتصادية تحقق له قيمة مضافة فعلية لاقتصاده القومي، تحقق له الإكتفاء الذاتي من الغذاء والكساء والمسكن الملائم، يحلم بشركات وطنية خالصة تأمن له حياة كريمة ومستقبل أفضل لأبنائه.
.
وما نخشاه بعد زوال بنك الاستثمار القومي أن يكون مصير أموال صندوق توفير البريد غير معلوم أو مراقب أو مباح للاستثمار في شركات وقطاعات لا تحقق أي قيمة مضافة للاقتصاد القومي، أو يتعرض لهزات عنيفة وتقلبات مالية لا يحمد عقباها... ما نأمله استثمار تلك المدخرات والتي بلغت ما يقرب من 84 مليار جنيه في مشاريع إنتاجية حقيقية، تكون ذراعاً قويةً لتنمية الاقتصاد القومي وتخدم كل مصري في هذا الوطن، بالتوظيف والتشغيل وتوفير ما يحتاجه من سلع وخدمات، ويطمئن على مستقبل أولاده وأحفاده في حقهم في العمل والتوظيف، وتوفير ما يحتاجونه مستقبلا من غذاء ودواء ومسكن وملبس وموبايل وانترنت..
.
وللحديث بقية أن شاء الله ...
Ashraf_mojahed63@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: