السبت، 19 مارس 2011

البريد المصري... " للخلف در" !!.


كلمات ومصطلحات عديدة يمكن أن تتعلمها فقط إذا ماالتحقت بالتجنيد بالقوات المسلحة المصرية، فالتدريب على الحياة العسكرية بالقطع يغير من شخصيتك وأفكارك، وأحياناً من بعض السلوكيات الاجتماعية والشخصية، وأول هذه التدريبات التي يتلقها المجند تتعلق بانتظام المشي والتجانس مع الآخرين وطاعة الأوامر، فالخلف در، ومعتدل مارش، والسير بالخطوة المعتادة شمال يمين، وكتفاً سلاح وغيرها، ما هي إلا حركات تدريبية لتصبح ترساً في آلة، دون تفكير أو مناقشة، فالمهام القتالية في العادة تتطلب إطاعة الأوامر وتنفيذها دون تردد.

أما الحياة المدنية، فأمر آخر يختلف تماماً، فالنقاش والحوار وتبادل الآراء، والخضوع لرأي الأغلبية، وليس لقائدها أمراً يميز المجتمعات الديمقراطية المدنية، وهو ما قد نفتقده في حياتنا اليومية، حتى بعد ثورة 25 يناير، فالعسكرة أصبحت جزء لا يتجزأ من حياتنا، والأوامر والتعليمات هي صياغة وأسلوب من يتمسكون بالقيادة حتى بالهيئات والمصالح الحكومية المدنية، هذه القيادة من الصعب أن تتخلي عن أفكارها وطريقتها بسهولة، سواء تحت مسمي ديمقراطي أو غير ديمقراطي، حزب وطني أو حزب غير وطني، التنازل عن القيادة أمر مازلنا لا نعرفه، ولو قمنا بثورة أو عدة ثورات..

ويبدو أن هذا واقع مجتمعنا في العموم، وواقع البريد المصري على وجه الخصوص، بنظامه الإداري العتيد، ولوائحه الإدارية والمالية الصلبة، فجيمعها يكرس هذا المفهوم، مفهوم إطاعة الرؤساء وتلبية أوامرهم، حتى لو زعمنا إنشاء عشرات الوظائف المرتبطة بالتكنولوجيا والميكنة والتخطيط الاستراتيجي والعلاقات الاستراتيجية، والتي لا أعلم لها أصل إلا من أسماء من أحتلوا قيادة تلك الوظائف من مستشارين ومعارف رؤساء مجالس الإدارة السابقين، وأصدقاء لجنة السياسات بالحزب الوطني..


وما أشبه اليوم بالبارحة، فالمهندس هاني محمود، رئيس مجلس إدارة البريد المصري رقم 30، والذي أشرنا إليه بمقالنا بتلك المدونة بتاريخ 21/7/2010 لم يلبث أن قدم استقالته بعد أقل من ثلاثة شهور من صدور قرار تعيينه من قبل الدكتور أحمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء السابق في 14/12/2010، بعدما تعثر في مواجهة المحتجين والمتظاهرين بعد ثورة 25 يناير، أو لأنه أيقن أنه لن يستطيع تحقيق المشاريع التكنولوجية العملاقة التي كان يخطط لها الدكتور طارق كامل، وزير الاتصالات السابق بأموال الهيئة، وآثر العودة لعمله بشركة فودافون العالمية، أو كما يقال أنه حاول إبعاد العشرات من المستشارين والقيادات الفاسدة بالبريد المصري وفشل بسبب عدم وجود مساندة له من رؤسائه، واستحكام قبضة هؤلاء على مجريات الأحداث وعظم الفساد وروافده في المناطق البريدية الممتدة لكافة محافظات مصر... وكلها أسباب وتخمينات إعادتنا بالقطع إلى الخلف در..

هذا الرجوع والتقهقر والركون للأمر الواقع بعد ثورة 25 يناير أمر يثير الشك والريبة، وقد تكون تلك بوادر الثورة المضادة التي أشيع عنها في تلك الأيام، ولكني ما أؤكده وأقسم عليه أن الفساد في البريد المصري قد بلغ مدى أكثر بكثير من الركب، فالقيادة القادرة على إلغاء وظيفة مراقب عام الحسابات التابع لوزارة المالية المنوط بمراقبة الصرف طبقاً للقانون رقم 127 لسنة 1981 بشأن المحاسبة الحكومية، واستبداله بمراقبي حسابات من موظفي البريد المصري خاضعين لأوامر تلك القيادة، والقيادة التي تستطيع اتخاذ قرارات بضخ مليارات الجنيهات من أموال مودعي صندوق التوفير في استثمارات وشركات لا ينشر حتى عن أسمائها ونشاطها، والقيادة التي تبدد ملايين الجنيهات في إعلانات وهمية ودعاية للحزب الوطني ورئيسه السابق، والقيادة التي أجلت عشرات العاملين من مكاتبهم بالمبني الرئيسي بالعتبة واستبدلتها بمكاتب فارهة ومكيفات وقامت بتأجير سيارات تويوتا ومرسيدس لزوم الفخفخة والفشخرة، قيادة غير جديرة بالثقة، ويجب أن ترحل، وبمن جاءوا معهم من قيادات ومستشارين لم يقدموا للبريد المصري أي قيمة مضافة أو فائدة..

للخلـف در، تعني أننا نسير في الاتجاه الخطأ، تعني أننا على أبواب كارثة محققة، تعني أننا في حاجة إلى ثورة جديدة لمحاسبة المفسدين وطرد الخائنين لضمائرهم ولوطنهم، تعني أننا في أشد الحاجة لمجلس إدارة جديد ولرئاسة حكيمة واعية تستطيع تنظيف القيح وتطهير الجروح من هذا الجسد المريض المعتل منذ أن أصابه مرض الفكر الجديد، فكر الحزب الوطني عام 2002.


وللحديث بقية أن شاء الله ...
ashraf_mojahed@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: