الأحد، 27 مارس 2011

البريد المصري والأجهزة الرقابية...


البريد المصري من الهيئات الحكومية العريقة في إحكام الرقابة الإدارية والمالية على موظفيها، خاصة مع تزايد الأعمال ذات الصبغة المالية، من صرف معاشات وأعمال توفير وحوالات مالية وغيرها، والتي تمارس من خلال شبكة واسعة من المكاتب البريدية المنتشرة بكـافة قــري ومحافظات مصر، هذه الرقابة تتمثل الآن بهيكل وظيفي مكون من قطاع وإدارات عامة وإدارات رئيسية وفرعية بكل المناطق البريدية، خاضعة بالكلية لرأي وسياسـات الإدارة العلـيا، رقـابة دقيقة وصـارمة ومتكـررة لكافـة الأشـغال البريـدية داخلياً. .

أما كافة أشغال وأعمال الإدارة العليا، فأنها تخضع لرقابة ومتابعة الأجهزة الرقابية بالدولة، هذه الرقابة قد تكون سابقة كراقبة أجهزة وزارة المالية للتقيد ببنود الصرف بالميزانية، والتأكد من تنفيذ بنود قانون المحاسبة الحكومية واللوائح المالية المنظمة لأوجه الصرف، وقد تكون لاحقة كراقبة الجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية وإدارة الكسب غير المشروع.


ما نود أن نشير إليه هنا رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، والتي عادة ما تكون لصيقة وملازمة بصفة مستمرة لبنود الصرف، بمراجعة التسويات والدفاتر المحاسبية أولاً بأول، فالجهاز الذي تم إنشاؤه عام 1942 تحت مسمي "ديوان المحاسبة" بهدف الرقابة على أموال الدولة وأموال الأشخاص العامة الأخري، والتي اتسعت اختصاصاته تدريجياً لتشمل الأحزاب السياسية والمؤسسات الصحفية القومية والحزبية والنقابات والجمعيات والاتحادات المهنية والعمالية وغيرها، لا تخلوا جهة من تلك الجهات إلا بها مكاتب لمراقبي الجهاز المركزي للمحاسبات يقومون بالفحص والتدقيق لكافة التسويات والدفاتر المحاسبية أولا بأول، وتقارير الرقابة السنوية المتلاحقة على ميزانية البريد المصري شاهده على حجم ما أشيع فيه من فساد، دون إتخاذ إجراءات عملية وفعالة لكبح جماحه، وتصويب ركائزه، ومحاسبة أركانه.

ليصدق قـول نبيـنا الكريـم صـلي الله عليـه وسلم:"إنمـا أهلـك الذين قبلـكم، أنهم كانـوا إذا سـرق فيـهم الشـريف تركـوه، وإذا سـرق فيـهم الضعيف أقامـوا علـيه الحـد" (رواه البخاري)... وليست ثمة تفسير ثالث مع شيوع هذا الكم من الفساد في ظل وجود هذا الجهاز، إلا أنه لم يقم بواجبه المنوط به طبقاً للقانون، أو أنه أصبح جزءاً من منظومة الفساد واكتفي بإرسال التقارير والمناقضات دون متابعة أو اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمحاسبة الفاسدين والمتلاعبين، بل أن إشادة المستشار جودت الملط، رئيس الجهاز بوزارة الاتصالات وهيئاتها والتمني بأن يسود نظامها باقي قطاعات الدولة أمر يثير الضيق والعجب في آن واحد من كثرة ما ينشر من تقارير صادرة من الجهاز المركزي للمحاسبات من مخالفات تلك الوزارة (موقع مجتمع المعلومات المصري بتاريخ 4/1/2011).


وحتى أكـون أكثر إيضـاحاً أذكر مثالاً جلـياً لفوضي ما يعرف برواتب بعض المستشارين بالبريد المصري ممن جـاء بهم المهندس عـلاء فهمي أثناء رئاسته للبريد المصري اعتباراً من يناير عام 2006، والتي أوردها الأستاذ عـلاء عريبي بصحيفة الوفد بتاريخ 7/3/2011 ، 8/3/2011 بعنوان "مرتبات المحظوظين بهيئة الاتصالات" و"عباقرة هيئة الاتصالات" ذكر تقريراً معداً من قبل الجهاز المركزي للمحاسبات عن رواتب بعض الذين تم تعينهم تحت بند المهارات الخاصة والذي وصلت رواتبهم إلى أرقام خيالية، منهم "أحمد ...." رئيس قطاع الاستثمار وعلاقات المستثمرين، حاصل على بكالوريوس تجارة دفعة 1997، ومن مواليد عام 1975، تم تعيينه بمرتب 78 ألف جنيه، وبدل إدارة 9 آلاف جنية، ومكافآت 5415، ثم انتقل للعمل نائباً لرئيس هيئة البريد براتب قدره 150 ألف جنيه، ثم انتقل للعمل كمساعد لوزير النقل اعتباراً من يناير 2010، عندما تولي المهندس علاء فهمي وزارة النقل، وأخيراً تم الاستغناء عن خدماته عندما تولي المهندس عاطف عبد الحميد وزارة النقل في فبراير 2011.


ويتسأل الأستاذ علاء عريبي متعجباً، من وراء هذا العبقري؟!. وهل عبقربته المعملية الفذة تستحق كل هذه المناصب، وكل هذه الأموال؟!. وهل مصر بها هيئات وشركات تدفع مرتبات شهرية بهذا الحجم؟!... سؤال كان يجب على المستشار جوت الملط أن يرد عليه قبل الإِشادة بوزارة الاتصالات وهيئاتها والتمني بأن يسود نظامها باقي قطاعات الدولة، وتعجب آخر يزيد من هذا الخنق والضيق، وهو استمرار العشرات أمثال "الحاج أحمد ..."- قام بإداء فريضة الحج على نفقة وزارة النقل (صحيفة اليوم السابع بتاريخ 12/11/2010)- مازالوا يمارسون أعمالهم التي لا قيمة مضافة لها، وبرواتب خيالية، وكأن شيئاً لم يحدث بعد ثورة 25 يناير، بل الدهشة الأكبر لدي هو استمرار المستشار جودت الملـط في استمراره وممارسة عمله بإرسال التقارير الرقابية والتصريحات المثيرة عن راتبه الذي لا يزيد عن عشرة آلاف جنيه وعن سيارته التي لم يستبدلها منذ عشر سنوات، وكأنه يريد أن يقارن عفافه بمؤهلات وخبرات الحاج أحمد...


للحديث بقية أن شاء الله...

ليست هناك تعليقات: