الأحد، 16 ديسمبر 2012

نمـلة بريـدية !!...


ما أجمـل أن تجـد بارقة أمـل وشعاع ضوء قـادم إليك في ظلمات الجهل والتخلف، سعادة يمكن أن تشعر بها وأنت الواقف دائماً ضد هذا التيار من الفساد والاستبداد، تيار جـارف هتك معه كل قيمة وكل مثالية، تيـار أهلك الحرث والنسل وأفسد العقـول والقلوب، هذه السعادة الغامرة سببها زميل شاب من البريد المصري له رؤية أدبية وفكرية يطرحها من خـلال كتابه الأول" قـوة نمـلة ".

فالكتاب بشرى جيـدة لقـدوم هذا الجيـل من الشباب بقـوة وعزيمة إيمانية وفكرية لحمل أعبـاء مستقبل هذا الوطن، خاصة في مملكـتنا الصغيرة "البريد المصري"، فالإشارة إلى رمزية النمل تجعلك تراجع حكاياته وسيرته عبر التاريخ، فالنمل مملكة عجيبة ومليئة بالأسرار في القدرة على الاتصال وتقسيم العمل وحل المشاكل المعقدة، ومن يراجع الدراسات والأبحاث العلمية يتوقف كثيراً حـول قـدرة تلك الحشرة الصغيرة التي لا ندرك وجودها في كثير من الأحيان.

وكثيرا ما أشير إلى عالم النمل في القصص والروايات لتمثيل الكد والجهد التعاوني، ولكني لم أري أعظم وأروع من حكاية تلك النملة التي تبسم لقولها نبي الله سليمان، والتي حكي عنها القرآن الكريم في قوله تعالي " وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ، حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ"، وهذا التبسم جاء لأنه أدرك قدرة تلك النملة على الفهم والإدراك، واليقظة والانتباه، وتحمل المسئولية تجاه قومها، حيث نبهت قومها بالإرشاد والنصح بداية بقولها "أدخلوا مساكنكم"، وبالتحذير بقولها "لا يحطمنكم سليمان وجنوده" ثم ما لبثت أن أبدت اعتذراً له ولجنوده بقولها "وهم لا يشعرون"...

أمــا شاعـرنا الكبـير أحـمد شــوقي فـله قصـيدة رائعـة، بعنـوان النمـلة وجبـل المقطم، لا يمكـنني أن أتـرك المجــال حتى أسطـرها، حيـث يقــول:
كانت النمـلة تمشي مـرة تحـت المقطم
فارتخى مفصلها من هيبة الطود المعظم
وانثنت تنظر حتى أوجد الخوف وأعدم
قالت: اليوم هلاكي حل يومي وتحتم!
ليت شعري: كيف أنجو إن هوى هذا وأسلم؟
فسعت تجري، وعيناها ترى الطود فتندم
سقطت في شبر ماء هو عند النمل كاليم
فبكت يأساً، وصاحت قبل جري الماء في الفم
ثم قالت وهي أدري بالذي قالت وأعلم:
ليتني لم أتأخر ليتني لم أتقدم
ليتني سلمت، فالعاقل من خاف فسلم!
صاح لا تخش عظيما فالذي في الغيب أعظم

أما النملة البريدية فيبدو أنها مازالت غارقة إلى أذنيها في ما خلفته سياسات الفساد، ومنظومة تحلل وتفكك ما بعد الثورة، غارقة وكأنها وقع عليها بالفعل جبل المقطم، فلا تتقدم ولا تتأخر، عاجزة عن التفكير والحركة من هول ما وقع عليها من فساد ...

قـوة النملة الحقيقة تكمن في صمودها وعزيمتها وإصرارها على الوقوف حتى لو كان القـادم نبي الله سليمان وجنوده، وهذا ما ينقص تلك النملة البريدية الضعيفة، التي ما انفكت تخشي على نفسها فتقـول كما قالت نملة أمير الشعراء، فالعاقل من خاف فسلم!!.. ولا تدرك أن الذي في الغيب أعظم... وخالص التقدير لكتابنا الموهوب.

وللحديث بقية أن شاء الله...




ليست هناك تعليقات: