السبت، 13 أبريل 2013

حـدوته البريـد المصري !!..


لم استطع خلال هذا الأسبوع عن التوقف في التفكير في ذكريات أبله فضيلة، وبرنامجها المميز "غنوه وحدوته"، فجاء الدور الآن لسرد حدوته البريد المصري بعد غنوته السابقة، فتلك حدوته  لطالما تكررت  رغم آلمها ومرارتها وعذاباتها، إلا أنه يجب أن تحكي على مسمع ومشهد من الجميع، فحدوته البريد المصري، لا مثيل لها رغم انتشارها وتواتر روايتها.

فذات يوم وأنا أعمل مفتش مجموعة بالإدارة العامة لمنطقة بريد شرق القاهرة، ذهبت للمرور على أحد المكاتب البريدية النائية بالمنطقة، فإذا أجد العاملين داخل المكتب يرفعون أرجلهم بعيدا عما طفح من مياه المجاري، ومع ذلك يواجهون كم هائل من جمهور المتعاملين بالمكتب، دون كلل أو تبرم، ورئيسهم الطاعن في السن، يكاد يختنق من زحام الجمهور وما ينبعث من روائح كريهة بالمكتب، ومع ذلك قدم كل العون في إنجاز مهمتي التفتيشية، وانتقلت في نفس اليوم لمكتب آخر، فوجدته ليس به مجال للتهوية إلا بوابته الرئيسة والتي تمتلئ بالعشرات من الجمهور، والعاملون بالمكتب لا يستنشقون إلا الغبار والتراب، وكأنهم في عذاب أليم.

هذه للأسف حدوته البريد المصري، فمنذ توسع أعمال البريد المصري لتشمل أعمالاً مالية بالدرجة الأولي من توفير وحوالات مالية وصرف معاشات وحسابات جارية وغيرها، واضمحلال الأعمال البريدية التقليدية والعاملون بتلك المكاتب البريدية يزاولون أعمالاً مماثلة تماماً لأعمال البنوك، بينما لا مقارنة بين العاملون بالبنوك حتى الحكومية منها والعاملون في البريد المصري، لا من حيث الرواتب أو المزايا أو تهيئة ظروف العمل، ولا حتى في المعاملة الإنسانية.

فالفرق بين هؤلاء السعداء وهؤلاء البؤساء، أمر وحيد لا يمكن إنكاره، إلا وهو حسن الإدارة بالبنوك، فالإدارات العليا بالبنوك تحرص على إدارة رأس المال بطريقة صحيحة تحقق أرباحاً، تمكنهم من رفع مستوي العاملين لديها مالياً وأدبياً وفنياً، إما الإدارة العليا بالبريد المصري، فتعمل وكأنها تدير أموال يتامى، لا صحاب لها ولا وريث، فالأموال تضخ في استثمارات فاشلة، وشركات خاسرة، وأوراق مالية بالية، وسيارات فارهة بالإيجار التمويلي، ومع ذلك يحصلون هؤلاء القادة على مزايا نقدية وعينية تفوق مزايا ما يحصل عليه قيادات البنوك.

لطالما يوجـه قيـادات البريد المصري نداءات للعاملين بزيـادة الإنتـاج، والحـرص على معامـلة الجمهور، وعـدم الاعتصـام والتظـاهر، وفي المقـابل هؤلاء البؤسـاء يواجهـون ظروف عمل صعبة، وطوفـان من جمهـور المتعاملين يوميـا، ومزايـا نقـدية وعينية ضئيلة، بينـما المناصب والحوافـز والبدلات والمكافـآت تمنح للمقربين والمطبلين وأصحـاب المصالح، لدرجـة وصل إلى التسابق والتناحر فيما بينهم على تقاسم الغنائم، دون إحساس أو ضمير.  

حدوته قد تكون اقتربت من نهايتها، وسيرويها القاصي والداني، سواء في برنامج أبله فضيلة أو غيره، وسيعلمها جيداً قيادات البريد المصري، فلا عمل إلا مقابل آجر مجزئ، وظروف عمل مناسبة، فالعاملون بالبريد المصري ليسوا أقل من العاملين بالبنوك، وكفي سرقة ونهب وسيارات بالإيجار التمويلي ....
  

ليست هناك تعليقات: