السبت، 31 مايو 2008

مريض يريدياً ..


خلال الأسابيع القليلة الماضية تعرضت لوعكة صحية جعلتني ألزم الفراش لفترات طويلة من الليل والنهار، شعرت خلالها ببعض الآلام الشديدة في رأسي وجانبي الأيسر، ورغم طمأنة الطبيب وتناول بعض الأدوية المسكنة، إلا أنني مازلت أشعر بمعاودة تلك الآلام من حين لآخر، أوصفها مجازاً بأنها قد تكون تهيج القولون العصبي أو التهاب المرارة أو تورم نفسي، أوصاف أعبر بها أحياناً عن حالة الغيظ والغضب وأحياناً عن اليأس والحسرة.
.
وطبيعي عندما يجلس الإنسان في فراشه لفترات طويلة، يجد فرصة للتفكير والتأمل فما حدث له في الماضي، ومجريات حياته في العمل ومع زملائه ورؤسائه وغيرها من هموم الحياة، تجدها جميعاً تمر أحياناً كشريط سينمائي يمر أمام عينيك، تمعن النظر فيما تحب أن تراه وتغمضها فيما لا تحب أن تراه. قد تكون طبيعة بشرية، فالإنسان يحب أن يتذكر فقط ما يريد أن يتذكره... لكن هذه المرة أردت وأن أنظر إلى سقف الغرفة أن أحدد بدقة أسباب هذا الغضب أو اليأس أو هذا التورم النفسي - سمها ما شئت- أردت تحديد المشكلة، لكي أسعي للعلاج، وأستشير فيه من هو أكبر سناً وخبرة، فوجدت أن السبب يرجع إلى أمرين لا ثالث لهما :
.
الأول : وهو سبب عام يشاركني فيه كثير من الناس، خاصة زملاء العمل أو العاملين بالقطاعات الحكومية المختلفة بوجه عام، ويرجع بالأساس إلى ما نلاقيه عموماً من معاملة وتجاهل بعض الرؤساء أو الزملاء بصفة يومية... ولك أن تتخيل أن رئيسك في العمل يمنعك من مزاولة عملك، أو أن ينشر عنك الأكاذيب، أو يحرض عليك الزملاء والرؤساء الآخرين، أو يقف حجر عثرة أمام حصولك على حقوقك المالية والأدبية، أو يتلاعب بما تقدمه من أفكار واقتراحات، أو يتلذذ بإثارة أعصابك واستفزازك بصورة مستمرة لتخرج عن طبيعتك، أو يتفنن في خلق لك المشاكل ووضع أمامك العراقيل والخوازيق بصفة يومية... ولك أن تتصور أنني أقابل كثير من الزملاء وهم مطأطئ الرأس، تشعر بأنفاسهم المكسورة، وعقولهم المدلاة على صدورهم، تشعر بهم من نبض أيديهم ونظرات عيونهم، فبعضهم يعاني ما أنت فيه، وبدرجات متفاوتة، تشعر بالتهامس فيما بينهم أو بالحديث معك، فالذي يحدث لك يحدث لهم، وكلنا يا عزيزي في الهم سواء... أو تتخيل أنك لا تستطيع أن تنجز عملك الذي تحبه بالطريقة الصحيحة، أو تنجز الحد الأدنى الذي يحقق طموحك المهني، أو ما يدفعك لتحقيق أمنياتك بالتقدم في العمل وإنجازه بصورة أفضل... هل تتخيل يوماً أن يطلب منك أن تكون كالكرسي الذي تجلس عليه، أو أن يطلب منك أن تلغي عقلك وضميرك لتصبح خارج نطاق الخدمة وأنت في عمر الشباب... كل هذا بالتأكيد سوف يزيد آلام مرضك ويضاعف أوجاع جسدك...
.
والسبب الثاني : وهو سبب خاص جداً، متعلق بي شخصياً لكوني أعمل بمجال أحبه، ولا أستطيع الانقطاع عن التفكير فيه ولو لبرهة واحدة وهو البريد... أو بالأخص الدراسات البريدية الدولية والحسابات الدولية، الذي جعلني منفتحاً على العالم الخارجي، مدققاً لكل ما يرد إلي من الإدارات البريدية الأجنبية، متصفحاً وباحثاً بصفحات الانترنت عن كل ما هو جديد وتقني في مجال البريد ونشاطه الدولي... تفكير مستمر ومتواصل للبحث عن المعلومات البريدية، والأنشطة المرتبطة به، لدرجة أنني لا أستطيع النوم إلا بعد تصفح الاتفاقية البريدية الدولية أو نظامها التنفيذي أو ما يصل إلى من استقصاءات أو نشرات الاتحاد البريدي العالمي... هذا التفكير والبحث جعل مدار حديثي اليومي عن البريد ونشاطه وأهميته وتاريخه ووسائل نقله وتطوره عبر السنين .. عن الطوابع البريدية وأشكالها وتاريخها وأهميتها، عن مؤتمرات البريد العالمية ومقرات انعقادها وما تمخض عنها من اتفاقات ومعاهدات ..
.
مريـض بريــدياً !!.. هذا المرض يزداد يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة بسبب ما أتصفحه يومياً عما يحدث من تطورات هائلة في مجال البريد، مقارنة بما نحن فيه، فعندما تعرف أن البريد البرازيلي يقدم من خلال 8000 مكتب بريد وعلى شبكة الانترنت خدماته للتصدير الخارجي لمنتجات نحو أكثر من 6000 مؤسسة صغيرة ومتوسطة، بكل ما فيها من خدمات لوجيستية وإجراءات جمركية ... وعندما تعرف أن البريد التونسي يسجل ريادة معلوماتية من خلال ربط الرسائل المرسلة بواسطة الهاتف المحمول SMS وبالبريد الإلكتروني عبر الهاتف المحمول MMS معلومات عن بعائث البريد السريع ويضمن الإشعار بالاستلام لحوالات الدفع ويبلغ معلومات عن التغيرات في حسابات التوفير والحسابات البريدية الجارية عبر الهاتف ... أو تعرف أن إدارة بريد قطر وبالتعاون مع إدارة بريد الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية أقدمت منذ مارس الماضي على قياس مدة توجيه بريد الرسائل المتداول فيما بينها بفضل شرائح تقنية التعرف بواسطة الترددات الراديوية RFID التي يتم قراءتها عن بعد ودون اتصال بصري عند المرور عبر سبع بوابات أو بفضل أجهزة قراءة هذه التقنية المركبة في منشآت معالجة البريد ... أو تعرف أن إدارة بريد المملكة العربية السعودية من خلال مشروع واصل أنها ركبت نحو خمسة ملايين صندوق بريدي منزلي لتسهيل مهام التوزيع وضبط دقته إلكترونياً .... كل ذلك بالتأكيد يجعلك تزداد مرضاً ويجعلك تلزم فراشك وتتورم نفسياً وعقلياً... أدعو لي بالشفاء..
.
وللحديث بقية أن شاء الله ...

ليست هناك تعليقات: