الثلاثاء، 14 سبتمبر 2010

السياسة × البريد !!..


المقولة الشهيرة التي كان دائماً ما يرددها الرئيس الراحل أنور السادات "لاسياسة في الدين ولا دين في السياسة"، تحورت في تلك الأيام الصعبة بفعل فاعل، وأصبحت "السياسة تفسد الدين والدين يفسد السياسة"... وظني أن كلاهما باطل وأريد بهما باطل!!.. ذلك أن الدين الصحيح لا يفسد لا سياسة ولاغيرها، وإنما جاء الدين الحق ليصلح ما أفسده الساسة، وغيرهم من بني البشر، ولو كان الدين يفسد كما تزعم تلك المقولة ما بعث الله الأنبياء والرسل حاملين إياه لإفساد البشر، فإبليس كان وحده كفيلاً بتلك المهمة...
.
هذه المقدمة كانت ضرورية بعدما تلقيت رسالة من أحد الأصدقاء الذين يتابعون مدونتي "حوارات بريدية" يقول فيها أن آخر مقـالين بالمدونة غلب عليهما الطـابع السياسي، وأقحمتها في البريـد بشكل لافت، وأنه أراد أن يذكرني استنــاداً للمقــولة المشار إليها بأنه "لا سياسة في البريـد ولا بريـد في السياسة".... فكــان لزامــاً علي الإيضـاح.
.
في اعتقادي أن البريد حياة، أو جزء من تلك الحياة، بمشاكلها وتعقيداتها، بحلوها ومرها، بتنافسها وصراعات أهلها، فالبريد بمشاكله وهمومه وصراعات موظفيه وتنافسهم والتحامهم اليومي مع بقية البشر جزء من تلك الحياة، واستمراره يتطلب نوعا من التواصل الإنساني والتداخل والتدافع الاجتماعي... وهو شأنه شأن باقي الأنشطة، يتفاعل مع من حوله من بيئة مجتمعية مستقرة كانت أو غير مستقرة، يترجم واقع الحياة بواقعه الصغير الممتد ليس داخل بلادنا فحسب، بل داخل عشرات البلدان التي تنتمي لمنظومة الاتحاد البريدي العالمي. إلا أنه يمتازعن غيره بأنه متلاصق مع التاريخ، مدوناً له ومسجلا لفتراته وأزمانه، ولذلك نجد ثمة اهتمام غيرعادي وتداخل من الساسة ورجال الدولة في شئونه وإدارة دفته.
.
فالبريد المصري منذ إنشائه عام 1865 ارتبط بسياسة الدولة، حيث آثر الخديوي إسماعيل سياسة الاحتواء عند شراء الحكومة المصرية شركة البوستة الأوربية من صاحبها موتسي بك الإيطالي الجنسية، بتعيينه مديراً لها بغية إدارتها بالطريقة التي تخدم مصالح البلاد، فمعظم العاملين من الأجانب الأوروبيين، والإدارة تتطلب نوعاً من السياسة والحكمة، وتدريجياً وبإدخال العمالة المصرية، تم تكليف حسن باشا مظلوم كأول مصري يترأس هذا المرفق الهام عام 1923 ليكون مصرياً خالصاً ... كما ثمة مؤشراً آخر، حيث لعبت السياسة دوراً رئيسياً في إزاحة طلعت باشا حرب عن رئاسة بنك مصر في سبتمبر1939، حينما رضخ فؤاد حسيب مدير مصلحة البريد لأوامر وزير المالية حسين سري باشا بسحب ودائع صندوق توفير البريد من البنك استجابة للاحتلال البريطاني، مما أدي لتسارع آلاف المودعين بسحب أموالهم من البنك، وكان الشرط الوحيد لحل الأزمة هو أن يقوم طلعت حرب بتقديم استقالته، وهو ما تم بالفعل، فأعيدت الودائع مرة أخري.
.
أما بعد ثورة يوليو 1952 فقد تحولت هيئة البريد كباقي الهيئات والمرافق الحكومية، خاضعة لسياسة وحيدة، وهي سيطرة الصف الثاني والثالث من الضباط الأحرار، بتفضيل أهل الثقة على أهل الكفاءة، ومكافأة لهم على ما قاموا به من جهد خلال الثورة، فتغلغل ونفوذ ضباط الجيش في كافة الهيئات الحكومية والوزارات كان السمة الرئيسية لمرحلة ما بعد الثورة حتى أوائل السبعينات، وخاصة هيئة البريد التي استخدم طوابعها للدعاية السياسة بشكل كبير، فالطوابع المصرية تلونت بأحلام الثورة وشعاراتها وصارت تعبر عن مواقـف سياسية، كتأميم قناة السويس، وجلاء القوات البريطانية، والدفاع عن بورسعيد من العدوان الثلاثي، بالإضافة لإحياء ذكري الثورة العرابية وموقعة حطين وعين جالوت وغيرها من الانتصارات التي حققها العرب، فالسياسة مورست عبر الطوابع الرسمية لإلهاب روح الحماسة والانتصار علي الغرب... كما أن السيطرة على أموال صندوق التوفير بإلزام هيئة البريد بإيداع حصيلة التوفير في صندوق الاستثمار وفقاً للقانون رقم 45 لسنة 1966 كان قراراً سياسياً لتمويل خطة الدولة ومشروعاتها الاقتصادية.
.
أما حالياً فالسياسة في اشتباكها بالبريد بات أمراً ساطعاً سطوع الشمس، وإلا ما كان ليفرز لنا البريد المصري وزيرين متعاقبين يخرجان من رحمه، وماكانت عودة سياسة أهل الثقة بثوبها الجديد وبشكلها الإنفتاحي تغزو معاقل البريد المصري من جديد، وما وجدنا هذا الاهتمام البالغ باستثمار أموال مودعي صندوق التوفير فيما يخدم اتجاهات أصحاب الفكر الجديد، فكر المستقبل !!..
.
فالسياسة لعبت وتلعب دوراً بارزاً في توجيه البريد المصري منذ إنشائه حتى يومنا هذا، سياسة الحكومات تارة، وسياسة الأفراد تارة أخري، سياسة المحرك عن بعد، والمقطور دون رؤية القاطر...
.
وللحديث بقية إن شاء الله ...
Ashraf_mojahed63@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: