الجمعة، 10 ديسمبر 2010

عباقرة البريد المصري !!..

.
العاشر من ديسمبر 2010 ذكري مرور 25 عاماً على صدور قرار تعييني بالبريد المصري، ولو عاد بي الزمن مرة أخري لما أقدمت على تقديم أوراقي للالتحاق للعمل به أو بأي جهة حكومية أخري!!.. تعلمت من البريد أشياء كثيرة، وتركت أشياء قد تكون أكثر أهمية، ولكن الدرس الأهم الذي خلصت به وحفظته عن ظهر قلب، أنك لن تنصف أو تأخذ حقك مهما كان علمك أو كفاءتك أو مجهودك، إلا إذا كنت على دين الملك، تابع لظله، طوعا لأوامره ورغباته، وكلها طبائع لا أتسم بها أو أدين لأصحابها... هذا التاريخ الفارق في حياتي العملية والذي شاهدت خلالها عجائب وعباقرة لا يمكن مع حلول هذا التاريخ إلا أن أذكرهم وأذكر بعضاً من عبقريتهم الفذة ...
.
فأول تلك العبقريات صاحب فكرة تغيير شعار البريد المصري وإبدال علم مصر من عليه، وتغييره إلى اللون الأخضر بدلا من ألوان العلم الثلاثة المعروفة، وما أتبعه من تغيير كافة صناديق إيداع البريد المنتشرة بشوارع مصر المحروسة من اللون الأحمر والأزرق إلى اللون الأخضر وبالشعار الجديد، ثم أتبعه تغير واجهات المكاتب البريدية لتناسب المرحلة الجديدة... لم يدرك هذا العبقري أنه أقدم على محو جزء من تراثنا البريدي وتراث حضاري تحتفظ به الأمم والشعوب المتحضرة دون تفريط، ففي بريطانيا على سبيل المثال، بدأت عام 2003 حملة لإنقاذ صناديق البريد الحمراء التي أوضح رئيس هيئة التراث البريطاني "أن الصناديق الحمراء التقليدية تشكل شعاراً تقليدياً لبريطانيا ومرتبطة إلى حد كبير بصورتنا الوطنية"، وقام بوضع خطة بالتعاون مع البريد البريطاني لطلاء ما يقرب من 115 ألف صندوق كل ثلاث سنوات وإصلاحها وإزالة ما عليها من ملصقات دعائية (صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 5/10/2002)... أما نحن فما أسهل علينا محو تراثنا، وتاريخنا، والشعار الذي يحمل علم دولتنا، وكأنه أراد أن يعلمنا أن ثمة دولة جديدة بفكر جديد سوف تولد بشعارات أخري وألوان أكثر شفافية، فقرر طمس الشعار الذي يحمل ألوان العلم من على مطبوعات ومكاتب وصناديق البريد!!..
.
عبقري آخر قرر وبالاستعانة بأحد ترزيه اللوائح والقوانين وتفسيره، أن يضع قوانين التوظيف والتعيين التي أقرتها الدولة بكامل إرادتها وبموافقة نوابها المنتخبين بالشفافية والنزاهة بثلاجة مكتبه، فالقانون رقم (47) لسنة 1978 بشأن نظام العاملين المدنيين بالدولة، والقانون رقم (5) لسنة 1991 بشأن الوظائف المدنية القيادية فى الجهاز الإدارى للدولة، أصبـحا من ذكريـات الماضي، وديكــوراً للتجميـل ولإسقاط حجـج ودعــاوي المعـارضين، فالقانـون رقـم (5) لسنة 1991 رغم عواره وضيق أفقه ونصوصه في تمكين القيادات العليا في ترقيه وندب القيادات الأقل من درجة مدير عام فأعلي بالاختيار فقط، إلا أنه حافظ على المدة البينية لشغل تلك الوظائف، وتقديم ما يثبت الخبرة العملية في نفس تخصص الوظيفة الذي يراد شغلها، فقرر محو نصوص القانون بتوظيف مديرين عموم ورؤساء قطاعات ونواب لرئيس مجلس الإدارة تجاوز عمرهم الثلاثين بقليل، وغيرها من عشرات التعينيات وشغل الوظائف القيادية العليا دون إعلان أو اختبارات، وإذا حدث إعلان يتم بطريقة صورية استفزازية، يتقدم بناءاً عليه عشرات من الراغبين في شغل الوظيفة بأوراق ومقترحات وطلبات، وقد شغلها من تم اختياره سلفاً لأنه ببساطة استيقظ مبكراً وحجز المقعد قبل غيره!!.. وتلك بالطبع تجربة شخصية وليست من وحي الخيال..
.
ثالث العباقرة ذلك المسئول الإعلامي الذي ما ينفك ينصح قيادات البريد المصري بالتصريح بما حققه البريد المصري من تكنولوجيا، وما صار إليه من تطبيق أحدث النظم العالمية، والخدمات الجديدة التي يقدمها... هذه التكنولوجيا، واقدر ما تحقق منها، لم نري معها على سبيل المثال الاستغناء عن البطاقة اليدوية لحسابات صندوق توفير البريد، كما فعلت معظم البنوك، والتي لم تخفف من عناء عملاء صندوق التوفير، ولم تخفف من طوابير صارفي المعاشات أمام المكاتب البريدية، كما أننا لا نعرف مصير ما أعلن عنه من خدمات جديدة كخدمة حساب التوفير الدولاري، أو خدمة محفظتي وهديتي، وهل يتم بالفعل صرف تذاكر الطيران وسداد الضرائب وفواتير التيلفون واستخراج شهادات الميلاد والوثائق الرسمية من شباك البريد؟!.. هذا الواقع عبر عنه الكاتب الصحفي عبد الله نصار، النائب الأول لرئيس تحرير صحيفة الجمهورية بتاريخ 19/11/2009 بقوله "... وليس مفهوماً أن البريد المصري يواصل دعاية فجة دون أن يكون هناك تطوير أو تحديث أو خدمات جيدة، ويبدو أن البريد المصري قد تم تطويره بأسلوب تحديث المستشفيات في الماضي حيث تم الاهتمام بأحواض الزهور والرخام والسيراميك في مداخل المستشفيات بينما كانت تعاني من نقص الأدوية والمستلزمات العلاجية.. فهل نضحك على أنفسنا.. ونخدع من.. والناس تراقب على أرض الواقع هذه الأخطاء والتراكمات واللوائح القديمة في البريد دون تعديل أو مراجعة أو متابعة.. ومن حقنا أن نصرخ أنقذوا البريد المصري"...
.
ما يثير الدهشة من تلك العبقريات، هي القدرة الفائقة على فرض المشهد الخيالي ليبدو كمشهد حقيقي واقعي نعيشه، ولا شك فيه، فيجب أن تقتنع بأن الشعار الجديد للبريد المصري أفضل من القديم، ويجب أن تكون على قناعة بإن الإدارة العليا أعطتك الفرصة كاملة وبحياد تام وبشفافية للالتحاق بإحدي الوظائف القيادية، ولكن التقصير كان من جانبك، ويجب أن يكون لديك يقين بأن موظف شباك البريد، رغم ما يعانيه، لديه عصا سحرية لتنفيذ طلبات العملاء... مشاهد أصبحت تكسو واقع حياتنا، كمشهد انتخاباتنا البرلمانية الأخيرة، الكل حاضر والنزاهة تعم والشفافية تمطر، ولكن العيب في هؤلاء الفاشلين الذين لم يعرفوا طريق النجاح أبداً، وهذا الناخب البليد، الكسول الذي رضي أن يبيع صوته بثمن تذكرة سينما درجة ثالثة ليشاهد فيلم من أفلام الخيال...
.
وللحديث بقية أن شاء الله ...
Ashraf_mojahed63@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: