السبت، 21 فبراير 2009

رسائل بريدية إلى الله !!..


صـدق أو لا تصـدق !!… عندما قرأت وسمعت هذا الخبر، ظننت على الفور أنها نكتة من نكت هذا الزمان، ولم أهتم به كثيراً إلا بعد تصفح بعض المواقع الإلكترونية، خاصة موقع التلفزيون الإسرائيلي وصحيفة هاأرتس الإسرائيلية، والتأكد من صحته، حيث تبين بالفعل أن إدارة البريد الإسرائيلي تتلقي آلاف البعائث البريدية المرسلة إلى الله من داخل المجتمع الإسرائيلي وخارجه، وتقوم بتحويل تلك الرسائل بحشرها داخل حجارة الحائط الغربي للمسجد الأقصي والمعروف بحائط البراق، والذي يسميه اليهود الحائط المبكي… وتلك المهمة يقوم بها حاخام الحائط الغربي شموئيل رابينوفيتش بنفسه استجابة لطلبات مرسلي تلك البعائث ظناً منهم أن رسائلهم وما تحمله من طلبات وأمنيات سيقرأها الله بعد حشرها دخل هذا المكان !!..
.
وأضافت صحيفة هاأرتس نقلا عن الناطق بلسان سلطة البريد الإسرائيلي، إسحاق راف، قوله تصل إلينا رسائل من اليهود في جميع أنحاء العالم موجهه إلى الرب، معظمها من الشباب وتلاميذ المدارس، حيث يتم فصل الرسائل المعنونة إلى الرب في كومة خاصة، وتركز غالبية تلك الرسائل على طلبات من اليهود للرب بحل مشكلاتهم، كطلب الشفاء من الأمراض، أو إرسال الأموال، أو التوفيق بين المحبين، ثم يأتي طلب المغفرة للذنوب في المرتبة الأخيرة، ونقـوم بختمها بخـاتم البريد، ومن ثم نضعها بين أحجـار الحـائط الغربي، وتشير إحصائيات من داخل البريد الإسرائيلي بارتفاع معدل تلك الخطابات خلال مايعرف برأس السنة العبرية يوم كيبور(عيد الغفران)، إذ وصلت في اليوم الواحد لنحو أكثر من ألف رسالة موجهة إلى الرب…وأعلن أحد الحاخامات اليهود أنه أصبح بالإمكان الآن إرسال الرسائل إلى الرب مباشرة عبر البريد الالكتروني حيث يتم طبع تلك الرسائل ثم حشرها في شقوق الجدار ليستجيب الرب لمطالب رعاياه !!..
.
وقصة هذا الحائط غير معروفة على وجه الدقة تاريخياً، حيث تعود أحجاره إلى عصور مختلفة، فالأحجار المنحوتة التي في أسفله تعود إلى زمن هيرودوس، تعلوها أحجار غير منحوتة تعود إلى العصر الروماني، أما الطبقات العلوية من الحجارة فبنيت منذ نحو خمسمائة سنة فقط ، حسب رأي أغلبية علماء الآثار… ويتنازع علي أحقيته كل من المسلمين واليهود، فيسميه المسلمون حائط البراق تيمناً إلى قيام الرسول محمد صلي الله عليه وسلم بربط براقه في حلقة صغيرة بتجويف بالحائط وذلك أثناء رحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ويعد جزء من الحرم القدسي الشريف، بينما يسميه اليهود الحائط المبكي، ويزعم غالبية حاخامات اليهود أن هذا الحائط هو الأثر الأخير الباقي بعد خراب هيكل سليمان، ومحظور على اليهود الدخول إلى الحرم القدسي منذ خراب الهيكل، وأنه أقرب نقطة من الهيكل يمكن لليهود الصلاة فيها حسب الشريعة اليهودية، ويسمونه الحائط المبكي نسبة إلى طقوس يؤديها اليهود قبالة الحائط حدادا على خراب هيكل سليمان… ثم بفضل الدعاية اليهودية أصبح مصلي يهودياً مشهوراً في بداية القرن السادس عشر يحج إليه اليهود من إنحاء العالم، ثم ازدادت أهميته بعد قيام الدولة العبرية منذ عام 1948.
.
أما تاريخ هذا النزاع فيرجع إلى زمن الفتح الإسلامي لبيت المقدس، حيث حول عمر بن الخطاب رضي الله عنه إدارة الحرم القدسي بما فيها حائط البراق للمسلمين، وظلت كذلك حتى في فترات الاحتلال الصليبي لبيت المقدس، إلى أن سمح أمراء الدولة العثمانية لليهود المقدسين فقط من أداء بعض الطقوس الدينية أمام الحائط ، ولكنها حظرت عليهم وضع أية مقاعد أو ستائر تجعل من المكان مصلي دائماً لليهود… ومن خلال محاولات عديدة لشراء الحائط وجعله ملكاً لليهود، أو بالتأثير السياسي لوعد بلفور الذي يعد بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، واستغلال الحالة الراهنة بعد الحرب العالمية الأولي بوضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، أستغل اليهود ما أسموه الحائط المبكي في الترويج والدعاية لجذب أكبر عدد ممكن من المهاجرين اليهود إلى فلسطين، لربطهم بأثر مقدس لهم يجمعهم فوق أرض الميعاد، شرع اليهود في اغتصاب بعض الحقوق كوضع مقاعد ومصابيح وحصر وستائر للفصل بين الرجال والنساء والسعي للاحتفال والتجمهر أما الحائط يوم السبت وغيرها… حتى انتفض المسلمون بما عرف بانتفاضة البراق عام 1929 محتجين علي تراخي سلطة الانتداب البريطاني أمام الاغتصاب اليهودي لجزء من الحرم القدسي الشريف.
.
وفي هذا الجو المتوتر بين المسلمين واليهود صدرت قرارات المؤتمر السادس عشر لليهود الذي عقد في مدينة زيورخ السويسرية أغسطس 1929 والتي كان أهم مطالبها فتح أبواب فلسطين على مصراعيها للهجرة اليهودية وبذل كل الجهود من خلال لجنة الدفاع عن الحائط المبكي بنداء لإثارة كافة يهود العالم لإعادة الحائط المبكي لليهود… وإزاء تلك المساعي اليهودية للاستيلاء على حائط البراق وإثارة حفيظة المسلمين والعرب يومياً بإساءة استعمال الحقوق التي تسامح المسلمون معهم في شأن أداء عباداتهم، زادت الاضطرابات وبلغت ذروتها عام 1929 حيث اضطرت سلطة الانتداب البريطاني آنذاك بالتدخل لوضع حد لتلك المشاكل، فطلبت من عصبة الأمم الموافقة على تشكيل لجنة دولية للنظر في حق ملكية الحائط بين العرب واليهود، وفي أول ديسمبر عام 1930 أعلنت اللجنة قرراها ورفعته لعصبة الأمم وسلطة الانتداب بأحقية المسلمين في ملكية الحائط الغربي، ولهم وحدهم الحق العيني فيه لأنه جزء لا يتجزأ من ساحة الحرم القدسي الشريف والتي هي من أملاك الوقف الإسلامي، وإن أدوات العبادة وغيرها من الأدوات التي يحق لليهود وضعها بالقرب من الحائط يتم بالاتفاق بين الطرفين ولا يجوز بأي حال أن يكون من شأنها أي حق عيني لليهود في الحائط أو في الرصيف المجاور له المعروفة بحلة المغاربة… ويعتبر هذا التقرير أول وثيقة دولية تثبت حق المسلمين وحدهم في ملكية حائط البراق.
.
وبالرغم من تلك الحقائق من كون حائط البراق المسمى زوراً بحائط المبكى ليس مكانا يهوديا مقدسا، وذلك بكافة المعطيات التاريخية ونتائج التنقيبات عن الآثار، فالموسوعة اليهودية ذاتها تقول أن اليهود لم يصلوا أمام هذا الحائط إلا في عهد الدولة العثمانية، ولا يوجد أي سند علمي بوجود حائط المبكي أو هيكل سليمان، فان الدولة العبرية ظلت تنادي بوجود الهيكل، وزعمت أنه أن لم يكون الحائط الغربي هو الهيكل فمن المؤكد أنه مدفون تحته، أو ربما تحت جزء أخر من المسجد الأقصى.
.
ومنذ احتلال القدس عام 1967 سيطر اليهود على المسجد الأقصى بجميع مداخله وحوائطه، وقام بالتهجير القصرى للسكان المقدسين مسلمين ومسيحيين دون مراعاة لأي حقوق دولية تفرضها المعاهدات والمواثيق الدولية، وبحنكة العقلية اليهودية في نهج الاغتصاب والاستيلاء على ملكية الغير، ومنها حائط البراق، واستغلال حتى الخدمات البريدية للترويج لهذا الحائط ونشر أكاذيب وحكايات عما يقدمه من معجزات الشفاء والتقرب بين المحبين واستجابة الرب لمرسلي تلك الرسائل عند حشرها داخل جدران الحائط، فالرسائل البريدية ترد بالآلف، وبتشجيع ومجاوبة من الإدارة البريدية الإسرائيلية بحسن تأدية الخدمة على الوجه الأكمل، حتى لو كانت رسائل إلكترونية حيث يتم طباعتها وحشرها بالجدار، كل هذا يصب في مصالح الدولة العبرية، ويصب في صالح العقيدة اليهودية الفاسدة لاغتصاب أراضي الغير وصبغها بالصبغة اليهودية الخالصة …
.
أما نحن العرب فنقف عاجزين حتى عن إصدار طابع بريدي موحد لشعبنا الفلسطيني، عاجزين عن إصدار طابع بريدي يسجل تاريخ مسجدنا الأقصى الأسير ومداخله وحوائطه المنتهكة، طابع يعيد ذكري أمجاد عمر بن الخطاب الفاتح الأول لبيت المقدس وصلاح الدين الإيوبي محرره من أيدي الصليبيين…
.
وللحديث بقية ..
ashraf_mojahed63@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: