الجمعة، 20 فبراير 2009

شرف فتح الباب البريدي ..



شهر رمضــان يمـثل للتلفزيون المصري مهرجاناً لتقديم العديد من الأعمال الدرامية على أختلاف أنواعها، اجتماعية كانت أو تاريخية… هذه الأعمال تتناول في الغالب الواقع والحياة المصرية ومايلاقيه هذا الشعب من هموم ومشكلات وقضايا… وكثرة تلك الأعمال والمسلسلات تجعلك تفقد التركيز والاهتمام في كثير من الأحيان، حيث لا تستطيع أن تتابع وتشاهد هذا الكم الهائل من الأعمال على مدار اليوم، اللهم إذا وجد عملاً أو مسلسلاً تنجذب إلى مجريات إحداثه أو تمس قصته واقعة عايشت مثلها بنفسك، وهو ما جعلني أتابع باهتمام شديد مسلسل شرف فتح الباب.
.
وقصة المسلسل الذي يقوم ببطولته الفنان القدير يحيي الفخراني عن قصة الكاتب المبدع محمد جلال عبد القوي تدور حول موظف بسيط يعمل كأمين مخازن بإحدي شركات المقاولات الحكومية وراتبه وراتب زوجته يكفي أسرته بالكاد، ويشتهر بأمانته وشرفه وتفانيه في العمل وإخلاصه لبيته وعائلته وحرصه على تربية وتعليم أبنائه، وإذ فجأة وهو في الثالثة والخمسين من عمره ونتيجة لخصخصة تلك الشركة يتم الاستغناء عن خدماته، ويجد نفسه بلا عمل أو مورد رزق له ولأبنائه، فيستغله رؤسائه في سرقة ما قيمته عشرة ملايين جنيه من مخازن الشركة من حديد وأسمنت، يكون نصيبه منها نحو مليونين من الجنيهات… وتستمر الأحداث ليحاكم بتهمة تبديد المال العام، ويحكم عليه بخمسة عشر سنة، ثم يتم القبض على رؤسائه، ويخرج شرف فتح الباب من السجن معتقداً أن ما حصل عليه من مال هو تعويضاً عن تركه لعمله وأن الله سترعليه ورزقه من حيث لا يحتسب !!..
.
وقصة شرف فتح الباب تلك جعلتني استرجع واقعة شهيرة حدثت بالبريد المصري عام 1996 واقعة خلف عبد الحي الذي كان يعمل محاسباً بقسم الحسابات الخارجية بالشئون المالية، والذي تمكن من سرقة عدد من الشيكات الواردة للهيئة من الخــارج سـداداً لمستحقاتها من بعض البلــدان الأجنـبية، وقــام بتزويرها باتقـان وحصـوله على صـحة توقيـعات بعـض المختـصين بالهيئة، واستطـاع صـرف نحـو مليـون جنــية من البـنـوك… وتم اكتشـافه بالصـدفة وتمـت محـاكمته وحـده وعوقـب بالأشـغال الشـاقة المـؤبدة (صحـيفة الأهـرام 11/10/1997)… وأوجه التشابة بين شخصية شرف فتح الباب وخلف عبد الحي هو سبب الربط بين القصتين، إذ أن الأخير كان يتمتع بشخصية ملائكية بلحيته السوداء المتناسقة وبحديثه العذب عن الأخلاق وفضائل الأعمال، والمسبحة التي لا تفارق يده ومحافظته على صلاة الجماعة أماماً، ودروسه المستفيضة لزملائه عن الحلال والحرام !!..ومن عاصره من العاملين بالهيئة يشهد بذلك، مثلما يجسده ببراعة الفنان يحيي الفخراني في دور شرف فتح الباب… والاختلاف الوحيد بين القصتين أن خلف عبد الحي تحمل القضية بمفرده ولم يخرج من السجن كما حدث للسيد شرف فتح الباب.
.
فقضية استباحة المال العام أو استنزافه بطرق قانونية وغير قانونية في ظل ما يحدث من خصخصة للقطاع العام والاستغناء عن بعض العاملين دون ضمانات اجتماعية، وكذلك ما نسمعه ونشاهده من تفاوت صارخ بين رواتب وحوافز العاملين بالدولة دائمين أو بعقود، واختلال المفاهيم الأخلاقية والدينية لدي البعض، خاصة ضعاف النفوس، فتح الباب لتأويل تلك السرقات والاختلاسات والنظر إليها على أنها حق يرد لصاحبه !!..
.
فغياب مفاهيم الأمانة والشرف الوظيفي تقلص وغاب واحتضر وانفصل عن تعاليمنا الدينية والأخلاقية، وأصبح استباحة المال العام مسار شك في كونه مالا حرام بتأويلات مختلفة وعبارات مطاطة كالتي يرددها السيد شرف فتح الباب، فلا غضاضة الآن من الحصول على مكافأت أو بدلات وحوافز دون عمل، أو قبول هدايا وإكراميات لتمشية الحال، خاصة ممن يدعون الالتزام بالتعاليم الدينية والشرعية !!.. ناهيك عما ما نشاهده اليوم من عدم الاكتراث بالعمل والتقاعس عن أدني الإداء الوظيفي…
.
كل ذلك يطالبنا بإعادة النظر في حياتنا ونظرتنا في إداء الأمانات التي أمرنا الله بها أن نؤديها، تجاه أعمالنا وتجاه الآخرين رؤساء ومرؤسين، دون تحايل أو تأويل… أمانات سوف نسأل عنها جيمعاً يوم القيامة رؤساء ومرؤسين..
.
وللحديث بقية...
ashraf_mojahed63@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: