الخميس، 15 يوليو 2010

رئيس البريد المصري... ريادة وتطوير!!..

ليس بالصور والتاريخ فقط يمكنك التعرف على رؤساء البريد المصري، بل بالأعمال الرائدة، الابتكارات، التطوير، كلها تسجلها الذاكرة، يسجلها التاريخ مهما طال الزمن، مهما طويت صفحاته، ومرت لحظاته، فالأعلام هم من يجب ذكرهم، وما سواهم لا ذكر لهم.

ثلاث شخصيات بارزة فارقة في تاريخ البريد المصري، علامات بارزة وقمم شامخة، نري أنه من واجبنا ذكرهم، وتسجيل جهدهم، وتذكير الأجيال القادمة بما قدموا من خدمات جليلة، ومواقف رفيعة في خدمة البريد المصري...

الأول : يوسف سابا باشا (3/1/1887 - 15/9/1907)... المدير الرابع للبوسته الخديوية، التحق بالعمل بها في عام 1871 وهو أول مصري تقلد هذا المنصب، وقيل أن والده قدم من سوريا إلى مدينة الإسكندرية، ومنح الجنسية المصرية، ويرجع له الفضل في إنشاء صندوق توفير البريد عام 1901، حيث قام بإرسال خطابات إلى جميع الإدارات البريدية في العالم وإلى بعض المصارف العالمية طالبا أن تطلعه على النظم المتبعة في صندوق التوفير، وعلى القوانين المتعلقة به، وكتب أيضا إلى نظارة المالية المصرية خطابا مسهبا فصّل فيه المشروع، ودلل على أهميته في إنماء ملكة الادخار بين أفراد الشعب المصري، ثم وضع مشروع صندوق توفير البريد، مستعينا في ذلك بما أكتسبه من دراسة قوانين صندوق التوفير في البلدان الأجنبية، وكان من أهـم ملاحظـات سـابا باشـا - وهو مسيحي الديانة - التي أوردها في مشروعه أن بعض مسلمي الهند يودعون أموالهم في صندوق التوفير ولا يقبلون ربحا لأسباب دينية، فنص في مشروعه على أن للمودعين حرية إيداع أموالهم بغير ربح، كما رأى من باب التشجيع أيضا أن يجعل من حق المودع أن يشترط استثمار ودائعه في الأعمال المقبولة شرعا؛ فاستصدر في ذلك فتوى شرعية من المرحوم الشيخ الأمام محمد عبده مفتي الديار المصرية في ذلك العهد، وكان لهذه الفتوى أثرها العظيم في تشجيع المسلمين على إيداع أموالهم بصندوق التوفير، ثم ما أن لبث أن قام بمقابلة الخديوي عباس، الذي أظهر ارتياحا كبيرا لهذا المشروع، وأبلغه أنه سيكون أول من يشارك في هذا الصندوق تنشيطا للأهالي على هذا العمل المفيد، وكانت البداية لذلك المشروع من خلال عشرين فرعًا تم افتتاحها فى القاهرة والإسكندرية ومدن القناة الثلاث... كما أنه خلال فترة توليه المسئولية نجح في القضاء بشكل كبيرعلى منافسة مكاتب البريد الأجنبية المنتشرة على سواحل مصر، وله الفضل كذلك في إنشاء نظام الخطوط الطوافة، التي ساعدت بشكل كبير على إنتشار مكاتب البريد في ربوع القطر المصري، كما كان له الفضل أيضاً في إدخال بعض الأعمال الإضافية للبريد مثل بيع طوابع الملح والصودا وبيع تذاكر سفر الحجاج بالبواخر، وبيع سندات وقسائم السندات والدمغات الحكومية وأشغال التلغراف والتليفون نظير أجر تدفعه مصلحة التليفونات، كما أنه أشرف على نقل مبني البوستة إلى مقرها الحالي بميدان العتبة في ديسمبر 1888، ومع هدم مبني الضبطية المجـاور لها توسع مرفـق البوستة وتم افتتـاحه عام 1902... ومكأفاة له على مجهوداته البالغة في خدم الاقتصاد المصري، عين وزيراً للمالية في فبراير عام 1910، وتخليداً لذكراه تم إطلاق أسمه على إحدي الإحياء الكائنة بمدينة الإسكندرية مسقط رأسه.

والثاني : محمد بك شرارة (10/1/1930 - 10/6/1936)... المدير السابع لمصلحة البريد، تخرج من مدرسة التجارة العليا في ليون بفرنسا عام 1913، والتحق بالعمل بالبريد المصري فور عودته، قالت عنه الصحف المصريين إنه من نوابغ المصريين الأفذاذ، وبعبقرية فذة وحكمة فائقة ترأس المؤتمر العاشر للاتحاد البريدي العالمي المنعقد بالقاهرة عام 1934 بمشاركة 93 دولة، والذي من خلاله لفت انتباه العالم أجمع للتقدم التقني والحضاري للبريد المصري وتطور مشاريعه بصورة مضطردة وسريعة... حيث شهد البريد المصري نهضة حقيقة في التوسع في المكاتب البريدية حتى وصلت 4566 مكتباً في جميع أنحاء القطر المصري، كما أضاف طابق أضافي بمبني البريد الكائن بميدان العتبة، وبحلول عام 1934 تم نقل كافة أعمال الإدارة البريدية من مدينة الإسكندرية إلى القاهرة، كما تم إنشاء وافتتاح متحف البريد المصري، ويرجع له الفضل كذلك في إصدار قانون شامل تناول جميع رسوم نقل البريـد عام 1932. أضف أنه قضي تماماً على كافة المكاتب البريدية الأجنبية بإلغاء مكتبي البريد الفرنسي بالإسكندرية وبورسعيد... ومن يطالع الكتاب التذكاري "تاريخ البريد في مصر" الذي كتبه حضرتا إبراهيم جرجس أفندي رئيس قلم المحفوظات وعمر عبد العزيز أفندي الموظف بالإدارة العامة بمناسبة انعقاد مؤتمر البريد العالمي العاشر بالقاهرة عام 1934 يدرك النهضة التي شهدها البريد المصري في عهد هذا الرجل..

أما الثالث : محمد إبراهيم صبحي (4/7/1968 - 31/12/1974)... المدير الثامن عشر، تم تعينه مديراً عاماً للبريد بعد فترة تعاقب للعديد من المديرين منذ ثورة يوليو 1952 والتي صاحبها فكر المؤسسة العسكرية في ذلك الوقت بتكليف الثقات منهم، دون النظر للخبرة أو الكفاءة في إدارة هذا المرفق الحيوي، حيث حظي محمد إبراهيم صبحي بتقدير كبير لحسن إدارته للهيئة في تلك الفترة الحرجة والتي أعقبت نكسة يونيو 1967، حيث ساهم بشكل فعال في إعادة بناء وترميم العديد من المكاتب البريدية، وفي إصدار القانون رقم 16 لسنة 1970 الذي جعل من الهيئة العامة للبريد كياناً مستقلاً ، إلا إن بزوغ نجمه في المحافل الدولية وطموحه الجارف، أنتخب بمؤتمر البريد العالمي المنعقد بمدينة لوزان السويسرية مديرا عاماً للمكتب الدولي للاتحاد البريدي العالمي عام 1974 وظل في منصبه حتى مؤتمر هامبورج عام 1984... تلك الفترة شهدت متغيرات عديدة للمنظمة الدولية، فكان على عاتقها إيجاد العديد من الحلول للمشاكل العالقة مع بعض المنظمات الدولية المتخصصة الأخري، كمنظمة الطيران المدني، والصليب الأحمر، ولجنة مكافحة المخدرات، ومجلس التعاون الجمركي... قضايا كثيرة ومتشابكة فتحت الطريق أمام الاتحاد البريدي العالمي للتعاون والتنسيق مع تلك المنظمات المتخصصة، هذا التعاون أثمر عن استمرارية هذا الاتحاد بوضعه الشامخ الحالي...

ثلاث قمم ستظل شامخة في ذاكرة البريد المصري، رواد في أعمالهم، قدوة ومنارة لأجيال قادمة، نتمني أن تكون تلك الأجيال على قدر هؤلاء من الكفاءة والمسئولية.

وللحديث بقية ... عن رئيس البريد المصري... عودة إلى الوراء!!..
Ashraf_mojahed63@yhoo.com

ليست هناك تعليقات: