الأحد، 18 يوليو 2010

رئيس البريد المصري... عودة إلى الوراء!!..


عــودة إلى الـوراء... ليست تحديداً لشخص ما من هؤلاء الرؤساء، إنما عودة للوراء بمنهجية الدولة في إهمال البريد، والتدخل في شئونه ومجريات أعماله، في نزع مكانته وحصانته، فما تحقق من إنجازات على يد البعض من هؤلاء العظماء. هذه المنهجية أرجعته متدهوراً على يد آخرين بالتضيق والتدخل، والإهمال المتعمد لهذا المرفق الشامخ، بكل تاريخه وأمجاده وسوابقه التي ساعدت كثيراً في نمو الاقتصاد القومي، وتطور الحياة الاجتماعية في مصر...

فالنموذج الأول، الذي ذكرناه، يوسف سابا باشا ، وما أنجزه من إنشاء وتطوير لصندوق دفتر توفير البريد، والذي ظل داعماً للنشاط الاقتصادي للدولة في ظل احتكار خانق للبنوك الأجنبية، ناشطاً في جمع المدخرات الصغيرة من المصريين، وتمـويل خطط الدولة الحديثة، كان ذروة نتاجه هو استثمار تلك المدخـرات ببنك مصر الذي أسسه طلعــت حــرب عــام 1920 وما أتبـعه من إنشــاء العـديـد من الشـركـات الوطنـية الداعـمة للاقتـصـاد الوطــني، إلا أن رضــوخ فـــؤاد حســيب (22/1/1938- 13/2/1944) مدير مصلحة البريد في ذلك الحين لأوامر وزير المالية حسين سري باشا بسحب ودائع صندوق توفير البريد من البنك، استجابة للاحتلال البريطاني، للضغط على طلعت حرب لوقف نشاط البنك الداعم للاقتصاد المصري، أدت لتعرض البنك لأزمة كبيرة، مما أدي لتسارع آلاف المودعين بسحب أموالهم من البنك، وكان الشرط الوحيد لحل الأزمة هو أن يقوم طلعت حرب بتقديم استقالته، وهو ما تم بالفعل في سبتمر عام 1939، وحل محله حافظ عفيفي مديرا للبنك، فأعديت الودائع مرة أخري.

ولم تكن هذه المرة الأخيرة، ففي عام 1954 صدر القانون رقم 86 باعتبار صندوق توفيرالبريد هيئة مستقلة، بعيداً عن هيئة البريد، بغية السيطرة على تلك المدخرات لتمويل خطط الدولة ومشروعاتها، ثم ما لبث أن تم إلحاق صندوق توفير البريد للهيئة مرة أخري بقرار جمهوري رقم 1853 الذي ألزم هيئة البريد بإيداع حصيلة التوفير في صندوق الاستثمار وفقاً للقانون رقم 45 لسنة 1966 الذي أضحي بعد ذلك بنك الاستثمار القومي... ومن ثم أصبحت تلك المدخرات تحت يد الدولة لتمويل مشروعاتها وخططها الاستثمارية، بيد أن كل المؤشرات كانت تدل علي أنها كانت تلك المدخرات أداة لتغطية العجز العام في الموازنة، وتغطية أجور العاملين بالدولة، ولم تسير في هدفها الأساسي الذي من أجله أنشئ هذا الصندوق عبر تجميع أموال صغار المودعين.

وأخيراً ومع بزوغ الفكر الجديد تم إدخال بعض أموال الصندوق في استثمارات لا هي للتنمية الزراعية ولا للتنمية الصناعية، بل للتنمية الكلامية، وتكنولوجيا المعلومات والانترنت، بالدخول في شراكة مع شركة اتصالات الامارات، وفي شراء أوراق مالية حكومية بالية، والدخول في شراكة مع العديد من الشركات الأجنبية لا تخدم اقتصادنا القومي.... ولم يبقي من سيرة سابا باشا وطلعت حرب إلا الحي السكني المسمي بأسم الأول بالإسكندرية وتمثال الآخر في ميدانه بالقاهرة!!...

والنموذج الثاني، محمد بك شرارة ، فيكفينا الإشارة إلى الإعلان الذي تم عن استضافة دولة قطر لمؤتمر البريد عام 2012، وترأس دولة الإمارات لوفود البلدان العربية بمؤتمر البريد العالمي المنعقد في جنيف 2008، وحالياً تشغل منصب نائب رئيس مجلس الاستثمار، للدلالة على إنحسار دور البريد المصري عربياً ودولياً... أما القول بتواجدنا المستمر بمجلس الاستثمار ومجلس الإدارة، فهو أمر من قبيل الدعاية والفكاهة أيضاً، فالبريد المصري انتخب بالدورة الحالية بمجلس الاستثمار البريدي مع ستة بلدان أفريقية أخري هي: جنوب أفريقيا، الجزائر، تونس، المغرب، ليبيا، نيجيريا، ضمن أربعين بلداً، وانتخب كذلك بمجلس الإدارة مع أحد عشر بلداً أفريقية هي: الجزائر، بنين، الكاميرون، بواتسونا، الكونغو، ليبيا، كينيا، نيجيريا، السنغال، تنزانيا، تونس، ومن المعروف أن تلك الانتخابات تتم عبر توزيع جغرافي وحصص قارية، وبتوزيع متباين بين البلدان النامية والبلدان المصنعة، وأن هناك بلداناً أفريقية عديدة عازفة عن المشاركة في تلك الانتخابات لعدم جدوي أعمالهما، وليس تفرداً أو نشاطاً مميزاً في كلا المجلسين!!..

كما أن هذا النموذج الوطني الرائع، ما غمض له جفن حتى إزاح آخر مكتبي للبريد الفرنسي في الإسكندرية وبورسعيد، ليصبح البريد المصري صاحب السيادة دون تدخلات أجنبية، حيث أعلن الملك فؤاد الأول بخطابه في مناسبة افتتاح الدورة البرلمانية عام 1931 "بأن الحكومة المصرية توصلت إلى إلغاء مكتب البريد الفرنسي بالإسكندرية وبورسعيد وهما آخر المكاتب الأجنبية التي تعمل داخل القطر المصري كشهادة جديدة على نجاح مصلحة البريد في إداء دورها الوطني تحت إدارة أبنائها الوطنيين، التي عملت دائماً على الاحتفاط بما لهذه المصلحة من السمعة الطيبة"... أما حالياً فالبريد المصري وبضغوط دولية أقام احتفالية لتوقيع عقود التصاريح الجديدة لسبعة عشر شركة أجنبية وعربية للعمــل داخــل الســوق البريدي المصري، وبذلــك قضــت نهــائياً على كــافة أنواع الاحتكــار للخدمة (صحيفة اليوم السابع 21/4/2010).

أما النموذج الثالث، محمد إبراهيم صبحي ، فمن الواضـح أن البريـد المصـري لم ينجـب بعـده من يشـغل أي منصـب بالاتحــاد البريـدي العالـمي، اللـهم إلا واحـداً فقـط - على حد علمي - عملاً مترجماً اعتماداً على إجادته وتفوقه في اللغة الفرنسية، ورغم النشرات العديدة التي ترد من الاتحاد الدولي عن الإعلان عن شغل وظائف فيه، لم نجد من يحاول التقدم لشغل تلك الوظائف، دليل دامغ على تدني مستوي الكفاءات البريدية في البريد المصري، وإنعدام المعلومية لدي موظفيه بالنواحي الفنية والتقنية واللغوية التي تؤهله لشغل تلك المناصب... أضف عدم وجود رؤية واضحة نابعة من البريد المصري عن دراسات أو مقترحات جديرة بالنقاش ضمن المشاركة بفعاليات مؤتمرات البريد العالمية أو مجالسه المتخصصة...

إعادة التذكير بتلك النماذج ومناقشة أسباب اختفائها وتراجعها يفتح الباب لمزيد من النقاش والحوار، لمحاسبة الذات، وتصحيح المسار، واللحاق بالركب... فالريادة والتطوير أمل يراود كل العاملين بالبريد المصري، حلماً يبغوا تحقيقه، وهدفاً يداعب قلوبهم وعقولهم...

وللحديث بقية ...
Ashraf_mojahed63@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: