الثلاثاء، 10 أغسطس 2010

حكاية بريدية !!..


هذه الحكاية المريرة ما كنت لأخوض فيها لولا تصريح المستشار أشرف البارودي، نائب رئيس محكمة استنئاف القاهرة ضمن ندوة نظمتها مؤسسة المـرأة الجــديـدة "بأن النيـابة العامـة أصبحـت تـدار بالتلـيفون المحمول، وإن وكيــل النائـب العــام أصبـح دوره مجـرد إلقـاء الأسـئلة ... " (صحيفة المصري اليوم 24/6/2010). تصريح جعلني أسترجع وبشجاعة حكاية حاولت مراراً مع مرور الزمن نسيانها وطي صفحاتها وغلق بابها، ولكن هذا التصريح أدمي فؤادي وأزعج نومي، فهي حكاية شاهدة وقصة مؤلمة تمر على الإنسان وكأنها عاصفة أو زلازل أو تفجير بركاني يعصف بملكات النفس ومكنوناته الإنسانية...
.
والحكاية باختصار أنني مع بداية عام 1997 وقفت في وجه إدارة البريد المصري بكامله، مطالباً بضرورة وجود مراجعة ودورة مستندية سليمة للحسابات البريدية مع البلدان الأجنبية وشركات الطيران الناقلة للبريد، حيث حدث قبل هذا التاريخ بعام أو عامين واقعة سرقة وتزوير بعض الشيكات الواردة من تلك البلدان واختلست بعضها من قبل أحد الموظفين بما يقرب من المليون جنية تقريباً، بسبب عدم وجود دورة مستندية سليمة للتدقيق على تلك الحسابات... وواجهت وقتها بعاصفة شديدة واتهامات وتهديدات بالبطش والنقل، ولكني لم أبالي بعد فضح عشرات المخالفات بتلك الحسابات، كان ذروتها ما أكتشف من إيداع نحو ما يعادل 60 مليون جنية ببنك القاهرة/فرع قصر النيل، بعمولات أجنبية مختلفة كالدولار والجنية الاسترليني والفرنك الفرنسي وغيرها كودائع قصيرة الأجل بفائدة ضئيلة جدا إذا ما قورنت بالفوائد الحقيقية لتلك المبالغ أو عوائدها عند تحويلها للجنية المصري وإيداعها بإحدي البنوك الأخري... وبعد الدراسة والتدقيق تقدمت بمذكرة للسيد مدير عام الحسابات التابع لوزارة المالية وبدوره أيقن حجم الخسائر التي منيت بها الهيئة من جراء إيداع تلك الودائع بتلك الصورة خلال خمس سنوات دون أن يلتفت إليها أحد، فحرر بدوره مذكرة تم عرضها على مجلس إدارة الهيئة الذي وافق على ما جاء بالمذكرة، وتم سحب تلك الودائع وإيداعها كوديعة في صندوق التوفير في نوفمبر 1997 بزيادة في عوائدها قدرت بنحو 7 مليون جنية سنوياً...
.
وهنا بدأت الحكاية، بالنقل إلى مخازن الهيئة بمدينة نصر، جزاء ما اقترفت، وتحقيقات ومراقبة وغيرها من المضايقات المعتادة في مثل هذه الحالات، ثم نقل آخر، ثم نقل ثالث، ثم رابع، فخامس وهكذا، وتحقيقات وشهود زور وتلفيقات وتهديدات وغيرها، انتهت من جانبي بتقديم عشرات المذكرات للسيد رئيس مجلس إدارة الهيئة والوزير المختص، والنيابة الإدارية والرقابة الإدارية، لكف الجهة الإدارية عن هذه الإجراءات التعسفية، ولكن دون جدوي، وتم حفظها إداريا أو مزيد من القمع والتهديد... ثلاث سنوات من المعاناة أنا وأسرتي من جراء هذا التنكيل الغير مبرر، حتى تم اصطياد كلمة "تدليس" ضمن إحدي تلك المذكرات، وتم إحالتي للنيابة الإدارية لوزارة المواصلات، والتهمة "التطاول على الرؤساء!!.."
.
بدأت النيابة الإدارية التحقيق معي أواخر عام 2000 بمعرفة أحد مستشاريها، رافضاً الدخول في كل ما جاء بالمذكرة من مخالفات، أو تعنت من قبل الجهة الإدارية، مرتكزاً على المخالفة التي قامت جهة الإدارة بإحالتي فيها فقط، وهي كلمة "تدليس" وبانتهاء التحقيقات ورغم امتعاض هذا المستشار وتأكيده على صحة موقفي، وان هناك ثمة اضطهاد وابتذال من جهة الإدارة نحوي، وكان يفترض أن تكافئني على ما قمت به على حد قوله، إلا أنني في نهاية الأمر تم توقيع الجزاء المناسب، ردعاً لإخافتي والكف عن تحرير مذكرات آخري...
.
لا أري في هذه الحكاية جديد، فالاعتقاد السائد الآن أن قول الحق مكلف، حتى لوكان قائلها مستشار رئيس نيابة، والمشى بجوار الحائط أنسب طريقة للسلامة، ولكن تلك المرارة ظلت في حلقي منذ نحو عشر سنوات لا استطيع أن أنسي مرارتها من هذا المستشار ومن تلك الإدارة ومن هؤلاء الذين تبرعوا لطمس الحقيقة، لنيل درجة وظيفية أو حافز أو مكافأة على ما قدموه من خدمات للتنكيل بي ... هذه المرارة ارتفعت درجتها وحموضتها بسبب استمرار الوضع على ما هو عليه بتلك الحسابات حتى الآن وبعد مرور أكثر من عشر سنوات، بل زادت أكثر وأكثر، ويكفي أن تعرف أنه تم مؤخراً مراجعة حساباً يمثل إيراداً لإدارتنا على أنه مصروف لأحدي البلدان الأوروبية وتم مكافأة وترقية من قام بذلك، رغم علم ويقين الإدارة العليا بالأمر...
.
هذه المرارة المستمرة عاودتني بشكل غير مسبوق وبإرتفاع معدلها وشدتها، حين قرأت تصريح المستشار أشرف البارودي والتي أيقنت معها وبعد مرور أكثر من عشر سنوات أن مرارتـنا انفقـعت !!..
.
وللحديث بقية ...

ليست هناك تعليقات: