الخميس، 26 أغسطس 2010

إخـوان البريــد !!..


في اعتقادي أن مسلسل " الجمـاعة " الذي يعرض حالياً لم يحقق النجاح أو الضجة الإعلامية التي أرادها مؤلفه وحيـد حـامد، ذلك أن الروايـات والأحـداث التي أوردهـا لم تكن بالصـورة الإيجـابية أو المحـايدة لسيرة الشيخ الأمـام حسن البنـا رحمه الله... فأقل ما يمكن أن يقـال عن الاتهامات بنشأته العنيفة، وبلاغته في التأثيرعلى الناس، وقبوله أموالاً من الخارج لتمويل دعوته من الأجانب والمملكة العربية السعودية، أو تطويعه لبعض نصوص الشريعة في سبيل إظهار دعوته، إتباعاً لمقولة الغاية تبرر الوسيلة، وغيرها من اتهامات، جميعها يضحضحها أمراً واحداًً، هو صدق دعوته وإخلاصه مع الله الذي جعل آلاف، بل الملايين في مصر والعالم الإسلامي وخاصة المتعلمين والمثقفين منهم من إنتهاج دعوته والسير على خطاه وتدوين رسائله وخطبه، رغم مرور ما يقرب من ستة عقود على وفاته وما تلاقيه دعوته من ملاحقات أمنية وتضليل إعلامي مستمر محلياً ودولياً.
.
بيد أن ثمة إنزعاج واضح بزعم من المؤلف بوجود الإخوان وانتشارهم في مجمل نواحي حياتنا، في الجيش والشرطة والهيئات الحكومية وحتى داخل الحزب الوطني ذاته، أمر مناصه الاستعداء وأخذ مزيد من الحذر واستنهاض الهمم تجاه هذا الفصيل، هذا الزعم أفصح عن سؤال يعنيني بحكم إنتمائي للبريد المصري ومهتم بشئونه وتاريخه وتطوره وأيضاً بسير رجاله وقياداته...هل كان في البريد المصري إخوان مسلمون قديماً؟!.. وهل يوجد الآن؟!..
.
أعتقد أن الإجابة لن تخرج عن كونها تحليلا لمجريات الأحداث، ولن تكون استنساخاً من مراجع أو تحقيقا لروايات أو شهادات... فثمة أسباب عدة منعت هؤلاء الإخوان من العمل في البريد المصري بصورة منظمة أو جماعية، شأنها في ذلك شأن معظم الوزارات والهيئات الحكومية، وأن زادت تلك الأسباب بخصوصية عمل البريد تحديداً... فأول تلك الأسباب هو ما لاقاه الإخوان من اضطهاد حكومي قبل ثورة يوليو 1952 بالنفي والتشريد والفصل أحياناً من العمل بالجهات الحكومية، خاصة كلما جاء حزب الوفد للسلطة، حيث كان من مبادئه أن يأتي ويأتي معه كبار موظفي الدولة من عائلات وفدية أو من المقربين منهم، مما دفع الشيخ حسن البنا رحمه الله بمناشدة جموع الإخوان بالاعتماد على العمل الحر بعيداً عن التقيد بالوظائف الحكومية، حتى لا تقع أرزاقهم محل ضغط أو ريبة في دينهم... أما السبب الثاني متعلق بخصوصية عمل البريد في احتوائه لصندوق التوفير، وكثيراً من الإخوان يعتقدون بحرمانية فوائده والعمل في كل ما يتعلق بربوية أمواله، ومن ثم كان الابتعاد عن العمل بالبريد المصري أمراً منطقياً لدرء الشبهات، وهذا يفسر بشكل كبير تغلغل الأقباط وتقلدهم معظم الوظائف ذات الطابع المالي من وكلاء مكاتب أو وكلاء ماليين أو خزن وغيرها.
.
أما بعد الثورة، وخاصة بعد حادث المنشية عام 1954 فكان إنسحاب الإخوان أمراً طبيعياً في ظل الملاحقات الأمنية والتشويش الإعلامي الذي أستمر لأوائل السبعينيات، حيث سمح لهم الرئيس السادات بمزاولة نشاطات محدودة، لم تخرج عن بعض الأعمال والأنشطة الاقتصادية الخاصة، والتي في أعتقادي أن تلك الأعمال أثمرت عن نجاحات أكبر بكثير من النجاحات التي كان يمكن تحقيقها لو تركوا للانخراط في سلك الوظائف الإدارية بالدولة بقيودها العقيمة ورواتبها الضئيلة.
.
الحال لم يتغير كثيرا خلال الثمانينات والتسعينات، فالانخراط داخل الجهاز الإداري للدولة أصبح تحكمه قواعد وأسس وموافقات أمنية تمنع بالأساس إقتراب هؤلاء الإخوان من الوظائف الحكومية، ناهيك بالطبع عن الالتحاق بالجيش والشرطة والوظائف الدبلوماسية والقضائية، فتلك الوظائف أصبحت ذات طابع سياسي بالدرجة الأولي، فالكل يعرف أن من ضمن أوارق التعيين أن وجد أصلاً، وتم الإعلان عن مسابقة لوظيفة ما، أن ثمة استمارات بحث يتم بموجبها التحقق أمنياً وسياسياً من المتقدم لشاغلي تلك الوظيفة، ويتم استبعاد من وجد على ثوبه غباراً أمنياً أو سياسياً...
.
الخلاصـة، أنه لا إخـوان مسلمون في البريد المصري سواء قديماً أو حديثاُ، ولن يكون في المنظور القريب، اللهم نفر غير معلن، فالعاملون في البريد المصري لم يكونوا في يوم من الأيام إخوان، بل دائمون ومؤقتون، سعاه ومديرون، موظفون ومستشارون!!..
.
وللحديث بقية أن شاء الله...
Ashraf_mojahed63@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: