الأربعاء، 4 أغسطس 2010

البريد الرابع !!..

.
خــلال العقـود الثـلاثة الماضـية مر البريـد المصري بمتغـيرات جـذرية وقفـزات إدارية ومالية، وفكـرية أيضـاً، انتقل بمقتضـاها من مفهوم البريد الأول إلى البريد الثالث!!..
.
فالبريـد الأول: هو البريد التقليدي، الذي عرفناه، مظروف وطابع بريد، وهو في المقام الأول خدمة مجتمعية، يقع على عاتق الدولة، ولا يهدف إلى تحقيق ربحية... البريد المصري ظل يؤدي دوره منذ إنشائه عام 1865 في تلبية احتياجات جمهور العملاء بأسعار زهيدة، وطبقا للقوانين المتعاقبة والمنظمة لمرفق البريد، وصولاً للقانون رقم 19 لسنة 1982 بإنشاء الهيئة القومية للبريد، والذي أكد على احتكار الدولة للخدمات البريدية، وتقديمها بأسعار تناسب محدودي الدخل، حتى لو تطلب الأمر المساندة المالية من الخزانة العامة، الأمر الذي جعل إداء تلك الخدمات بالشكل اللائق بمرور الوقت أمراً مستحيلا في ظل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية الناشئة عن سياسة الانفتاح الاقتصادي والتوجه نحو السوق المفتوح وإنسحاب دور الدولة في دعم النشاطات الخدمية.
.
أما البريـد الثاني: فهو التطور الطبيعي إزاء المشاكل التي واجهت البريد الأول، فإدخلت خدمة البريد السريع، كخدمة آمنة ومميزة وسريعة تلبي حاجات بعض العملاء، والذي أقدم عليه البريد المصري بقوة في بداياته، ثم تم إشراك بعض شركات البريد السريع الدولية تحت وصياته وإشرافه، وتدريجياً ولإسباب عديدة تقلص دور البريد المصري بتلك الخدمة حتى أصبحت تلك الشركات تستحوذ على نحو 80% من حجم سوق البريد السريع والطرود حسب تصريح المهندس/ علاء فهمي بصحيفة المصري اليوم بتاريخ 15/8/2007... ورغم النمو المضطرد لسوق البريد في مصر، وتعاظم إيرادته إلا أن البريد المصري فشل في مجاراة تلك الشركات التي تعتمد بشكل كبير علي دراسات تقنية وفنية في اجتذاب العملاء وتقديم الخدمة بشكل منتظم وآمن، مما دفع البريد المصري وتحت ضغوط أوروبية وأمريكية إلى توقــيع عقــود سبعة عشر شركة دوليـة ومحلية بالسـماح لها بالعمل في السـوق المصري، والتي بمقتضـاها أنهت كافة أنــواع الاحتكــار للخـدمة، كمــا أن بحلول عام 2013 سوف يسمح لشركات خاصـة أخري بتقديم خدمــات الخطابــات المسـجلة والحـوالات البريــدية بجانب بعض الخدمــات الأخــري التي مازال البريــد المصـري يحتكـرها حتى الآن (صيحفة المصري اليوم 17/5/2010)..
.
والبريـد الثالث: هو بريد الاتصالات والهواتف النقالة والانترنت، تكنولوجيا جديدة اكتسحت العالم، وجعلته قرية صغيرة، تواكب صعودها في مصر مع صعود نجم الدكتور أحمد نظيف وتوليه منصب وزير الاتصالات في حكومة الدكتور عاطف عبيد، ثم رئيساً للوزارء، هذا الصعود جعل من قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ذا وضعية خاصة في منظومة الاقتصاد المصري، وأصبح القاطرة لهذا الاقتصاد، بعد تراجع قطاعات الزراعة والصناعة... فالنمو المتسارع في هذا القطاع يلائم القطاع الخاص والشركات المتوسطة والصغيرة، ويسيل لعاب قطاع كبير من المستثمرين، ويمثل حالة فريدة في إدماج الأموال سواء من الداخل أو الخارج، حتى صارت شركات الاتصالات المورد الرئيسي لحصيلة ضرائب الدولة، وجاءت متصدرة أكبر عشرون مورداً لتلك الضريبة طبقاً لبيان الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية (اليوم السابع 18/7/2010)... والبريد المصري وجد في الشركة الثالثة "اتصالات" ضآلته المنشودة، للخروج من نفق البريد الأول التقليدي ومعضلاته الشائكة، والمنافسة الشرسة للبريد الثاني مع شركات البريد السريع الدولية، ولمواكبة عصر الهواتف والانترنت وتكنولوجيا الكلام، كانت تلك الشراكة مع شركة اتصالات الاماراتية عام 2007 كأول إدارة بريـد ية في العـالم تقـوم بالاستثـمار في شـركات الاتصـالات، والتي مـازال نشــاطها وقوائمـها المـالية، ونتـائج استثـمارتها، والشـركات المساعدة لها، طيـه الكتمـان رغم التبشـير بارتفــاع أسهم الشــركة بنحـو 25% خــلال العـــام الجـــاري، وبماسيجنـيه البريـد المصري من تلــك الشـراكة (صحيفة المصري اليوم 17/5/2010)...
.
أما البريـد الرابع: فهو بريد افتراضي، بريد مازال في الخيال، بريد يساير توجهات الوزارة الجديدة القادمة، والتي سوف تساهم بشكل كبير في تحول اقتصاديات واستثمارات البريد الثالث الاتصالاتي إلى الجيل الجديد للبريد، فإذا كان هذا التوجه على سبيل المثال زراعياً بتشكيل وزاري برئاسة وزير الزراعة، فالمكاتب البريدية سوف تصدر دفتر توفير للفلاح، وستقوم بإقراض المزارعين بدلا من بنك الائتمان الزراعي، وستقدم لهم تسهيلات في صرف الأسمدة والتقاوي، كما ستنشئ شركة توزيع للمحاصيل والمنتجات الزراعية، وستقوم مطابع البريد بطبع استكرات العبوات الزراعية القابلة للتصدير، وستصدر طوابع بريدية بمناسبة يوم الفلاح، ومن ثم سيكون شعار البريد مدمجاً بصورة فأس أو ساقية... أما إذا كان التوجه سياحياً بتشكيل وزاري برئاسة وزير السياحة، فسيكون شعار البريد المصري هو نورت مصر!!..
.
وقياساً على المثل الشعبي أقـول "من تـرك كـاره أتقـل مقـداره...."
.
وللحديث بقية ..
Ashraf_mojahed63@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: