الاثنين، 13 يناير 2014

الوظيفة في البريد المصري!!..


مع بدايـات الستيـنات، وفي عـز توهـج ثـورة يوليـو، والتسليم التـام لزعـامة الرئيس جمال عبد الناصر المطلقة، وسياسة الإعـلام الموجه الذي يغـرد في اتجـاه واحد بتمجيد الزعيم، خـرج عليـنا الفنـان المبـدع فايـز حـلاوة بمسرحيته الشهيرة "البغـل × الإبريـق".

المسرحية من نوعية الكوميديا السياسية، من تأليفه وإخراجه، وقام كذلك بدور البطولة، مع زوجته الفنانة تحية كاريوكا، والفنان صلاح منصور، وكانت سبباً مباشراً لاعتقاله لعدة سنوات، ولكنها أضافت لرصيده الفني والإبداعي ثقلاً يوازي ثقل الهرم الأكبر، لأنها كانت بمثابة الإنذار المبكر لهزيمة يونيو 1967.

وتدور أحداث المسرحية حول شاب قروي أمي، نزح إلى القاهرة بحثاً عن لقمة العيش، ولجأ إلى رجل من قريته عالي المكانة وله نفوذ، يطلب مساعدته وتوفير له عمل بسيطاً يأكل منه، فسأله: ماذا تعرف ؟ قال" أنا حمار شغل يا بيه، وصحتي بمب وزى البغل، و لا أعرف شيئاً، فيتمتم الوجيه الأمثل لنفسه: بغل، طول بعرض، ما أجدره أن يكون طرطوراً، أحركه كيفما أشاء فيقول له: إنْ كنت تعرف تبصم فأنت تصلح أنْ تكون رئيس مجلس الشعب، وإنْ كنت تحسن الانحناء والنفاق جعلتك وزيرًا، وإنْ كنت تجيد التصفيق ومسح الجوخ ولحس الحـذاء عيَّنتك نائبًا للسيِّد الرئيس، وإنْ كنت سريع الجري مع جهلك فأنت تصلح لتكون قائد الجيش، وأن كنت تجيد التقمص والنهيق فأنت تصلح رئيساً للتليفزيون، وتسير أحداث المسرحية على هذا المنوال بمضمونها الساخر عن وضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب، ببيع المناصب بسوء المناقب، فيصير كالبغل في الإبريق، لا يستطيع حتى معرفة الخروج منه، مما كان سبباً مباشراً في هزيمة يونيو 1967، فكانت أقصي هزيمة لحقت بالجيش المصري على مر التاريخ، أفنيت فيها زهرة شبابها وأضاعت أرضها ومالها ومكانتها وهيبتها التاريخية.

وتدور الأعوام والسنوات، ويبدو أن شغل الوظائف في البريد المصري تسير على نفس نمط الستينات، فنجد من يتقلد الوظائف القيادية، من يجيد البصم، ومن يجيد الانحناء والنفاق، أو من  يجيد التصفيق ومسح الجوخ ولحس الحذاء، وأيضاً من يجيد التقمص والنهيق!!..

وبالضرورة،  فأنني أؤكد أنني لا أقصد أحد بعينه، ولا شخص بذاته، ولكني ألمح في الأفق هزيمة وانكسار في بلادنا عامة، وفي البريد المصري على وجه الخصوص، انكساراً كهزيمة يونيو 1967، وأشفق على كل هؤلاء البغال أن تكسر الإبريق!!..      

وللحديث بقية أن شاء الله...

ليست هناك تعليقات: