الجمعة، 8 نوفمبر 2013

ميكـانيكي البريـد المصري!!...


كل واحد منا له معلم أثر فيه خلال مراحل دراسته، وترك في داخله بصمة أو ذكري، تظل عالقة في ذهنه وذاكرته مهما تقدم في العمر، معلمي هذا رحمه الله كان من يلقي علينا دروس التاريخ في بدايات المرحلة الثانوية، حيث كنا ندرس تاريخ النهضة الأوروبية الحديثة.

كان رحمه الله مثقفاً عالماً بأصول التاريخ وحضارات الأمم، يدلل على أسباب تلك النهضة، لاعتمادها بالكلية على التخصص في أداء الأعمال، فالكل كان يعرف دوره ومهنته وتخصصه، وذلك من خلال دعابة ساخرة ومثل كان يردده "أنه إذا تعطلت سيارتك فلابد من الذهاب إلى الميكانيكي، أما إذا ذهبت إلى الجزمجي، فأنه سوف يربط الماتور بدوبارة"... هكذا لخص باقتدار سر النهضة الأوروبية الحديثة وتقدم حضارتها ثقافياً واقتصادياًً، وأسباب عجز وتخلف عالمنا العربي، حيث الفهلوة والفكاكة، وإدعاء المعرفة، وبسبب شخصيته وثقافته الواسعة ودعابته الساخرة، أصبحت مولعاً مثله بدراسة التاريخ وحضارات الأمم.

هذا بالضبط واقعنا وواقع البريد المصري، وسبب نكبته لأكثر من عشر سنوات ومازال، فغياب التخصص، وانتهاج مبدأ الفهلوة والإدعاء الدائم من بعض القيادات بالمعرفة بالإدارة والشأن البريدي، جعل إدارتنا في ذيل الإدارات البريدية، هذا الإدعاء كنا نسمعه ونجالس أصحابه خاصة في مجال العلاقات البريدية الدولية، حيث عملي لأكثر من ربع قرن من الزمن، فالحرص الشديد من تلك القيادات على المشاركة في مجلس الإدارة ومجلس الاستثمار التابعين للاتحاد البريدي العالمي لثلاث دورات متتالية، دون مساهمة فعالة أو تقديم دراسة واحدة أو مقترح واحد للمؤتمرات الثلاثة الماضية (بوخارست / نيروبي / الدوحة) لمجرد التمتع بالسفر إلى سويسرا مرتين في العام للنزهة والحصول على بدلات الإقامة والانتقال وخلافه، جعل إدارتنا أضحوكة بين تلك الإدارات، خاصة البلدان الأفريقية والتي تمتنع في العادة عن الترشح للمجلسين، فتشارك إدارتنا بحكم التوزيع النسبي لمقاعد القارة بالمجلسين.  

وواقع أخر مماثل حيث تم إغلاق شعبة البريد بكلية التجارة وإدارة الأعمال، بدل من تطوير دراستها واستغلال إمكانيات طلابها وتشجيع الدراسات البريدية التخصصية، لمجرد حرمان خريجيها من الالتحاق بالقافلة البريدية، لاستبدالهم بآخرين لهم تخصصات في الآداب والخدمة الاجتماعية والزراعة ، لمجرد الدعاية الانتخابية، ومجاملة أعضاء الحزب الوطني المنحل بتعيين أقاربهم ومعارفهم وأبناء دوائرهم الانتخابية.  

أما الواقـع الأمـر هو بدعـة أصحـاب الخبـرات الخاصة والقـرار الوزاري رقـم 99 لسنة 2007 وما خلـفـه من مجمـوعة فاسدين ومزوريـن، فكـان تخصصـهم الوحيــد في كيفــية نهــب وسـرقة أمــوال الهيئة بتعاقـدات مشبوه وصفقــات مريبـة، فأضـحي البريد المصري بخسائر متتالية لأربع سنوات بنحـو ثلاثة مليــارات من الجنيـهات، والتعاقـدات الجديـدة قد تكـون أشد قبحــاً ومـرارة...              

قاطرة البريد المصري في أشد الحاجة إلى ورشة  صيانة وفريق عمل ماهر،  يقودهم أسطى ميكانيكي، لأن ماتور تشغيلها مازال مربوط بدوبارة !!...

وللحديث بقية أن شاء الله...

ليست هناك تعليقات: