الثلاثاء، 5 نوفمبر 2013

طبائع الاستبداد البريدي!!...


يبدو أن طبائع الاستبداد تتصف بميزة الثبات في كل عصر وفي كل مكان، من الفراعنة حتى يومنا هذا، ومن المشرق للمغرب، ومن رؤساء الدول والحكومات حتى رؤساء المصالح والهيئات.

هذا الاستبداد وطبائعه سجله الشيخ الأمام عبد الرحمن الكواكبي، بكتابه الرائع "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"، فهذا الأمام الذي ولد في مدينة حلب السورية عام 1854 من أسرة كريمة، لم يكتفي بتلقي دروس الشريعة والأدب والطبيعة بالمدرسية الكواكبية، بل واصل دراسته واجتهاده ونشر أفكاره التحريرية، حتى صار علماً من إعلام النهضة العربية الحديثة في الفكر والأدب والسياسة، تعرض للسجن والاضطهاد مراراً وصودرت أمواله وممتلكاته عدة مرات، وتتلمذ علي يديه كوكبة من العلماء والأدباء، حتى توفاه الله في القاهرة عام 1920 متأثراً بسم دس له في فنجان قهوة.

فالاستبداد لغة هو غرور المرء برأيه والأنفة عن قبول النصيحة أو الاستقلال في الرأي وفي الحقوق المشتركة، وسياسياً هو تصرف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف أو تبعة... وأشد مراتب الاستبداد هي حكومة الفرد المطلق، الوارث للعرش، القائد للجيش، الحائز على سلطة دينية، فالمستبد عدو الحق، عدو الحرية، وقاتلهما، بينما هذا المستبد في سبيل استبداده يستعين فقط بحواريه وشيعته من المنافقين وأصحاب المصالح، يسمع منهم ما يعجبه، ويجزي لهم العطاء والسخاء...    

كلما جاء واقعاً جديداً في بلادنا أو بريدنا المصري عدت للكتاب لمطالعته، لأوجه اللائمة على هذا المستبد الغاشم، بينما أعذر دائماً المستبد بهم، المستعبدين المستضعفين في الأرض، الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، الذين ظلموا أنفسهم في الدنيا والآخرة، بترك هذا الاستبداد ولم يصارعوا الاستعباد والفساد...

هذا واقعنا في تلك الأيام الصعبة، خاصة تكراره في البريد المصري، نلقي باللائمة دائماً على غيرنا، من واقع إلى واقع ومن قيادة إلى قيادة، فلا صوت يعلو في البريد المصري على صوت المنافقين وأصحاب المصالح، ومن ترقوا وتقلدوا إدارته ً في ظل الفساد والاستبداد، فالاستبداد صار الآن أكثر قبحاً وتطاولاً، ويفوق الاستبداد الذي وصفه الأمام الكواكبي رحمه الله في كتابه الرائع. 

فلو كان هذا الرجـل حيـاً الآن بين أظهـرنا لمات حـزناً وألمـاً من استبـداد المستبدين، وقبـح وتطـاول المنافقين، لا بجـرعة سم دست في فنجان قهوته!!..  

وللحديث بقية أن شاء الله...

ليست هناك تعليقات: