الأربعاء، 16 أبريل 2008

البريد الدولي المصري .. الريـــادة والتطــور (ذكـري تصدير أول إرسالية بريدية مصرية بالطائرة)



حفل تاريخ البريد بوسائل نقـل عديدة عبر السنون، كان الهـدف الرئيسي من استخدام تلك الوسائل هو الوصــول للسرعة القصــوي لنقـل الإرساليات البريدية، مع ضمــان انتظــام وأمــان تلك المواد البريدية .



محمد على مؤسس البريد المصري

كان الأتراك في مصر قبل عهد "محمد على باشا" يعتقدون أن الطرق الممهدة تساعد على نقل المدافع والذخيرة، فيتمكن العدو من غزو بلادهم، بيد أن "محمد على باشا" لم يأخذ بهذا الرأي، فكان أول من أنشئ الطرق ونظم المواصـلات ليتسنى له السيطرة على شئـون الدولة، وبذل عناية خاصة لجعل مصر طريقاً للبريد الدولي، فأنشأ مصلحة باسم "مصلحة المرور" وأهتم بإنشاء محطات للبريد بين العاصمة وأهم مراكز القطر المصري.


وكانت الرسائل المصدرة للخارج في ذلك الوقت تسلم إلى ربابنة السفن أو ترسل عن طريق قناصل الدول أو مكاتب البريد الأجنبية التي أتسع عددها نتيجة لازدياد الجاليات الأجنبية في مصر وقوانين الامتياز التي يتحصنون بها... أما الرسائل الخارجية الواردة فكانت ترد ضمن بريد القناصل في القاهرة والإسكندرية، فيتولى هؤلاء مهمة توزيعها على أصحابها.


سيطرة الأجانب على أنشطة البريد الدولي

يعتبر "كارلو ميراتي" وهو من أصل إيطالي أول من أنشئ إدارة بريد خاصة بمدينة الإسكندرية لتصدير واستلام الخطابات المتبادلة مع البلدان الأجنبية نظير أجر معتدل، مما جعله يلاقي إقبـالا كبيراً شجعه على التوسع في أعماله ... ثم تولي الشركة رجل يدعي "تيتوكيني" عام 1257هـ الموافق 1842م بعد موت "ميراتي" فشارك صـديقاً له يدعي "موتسي" فنهض بالمشروع خلال سنوات قليلة حتى وطده على أقوي الأسس وعرفت بشركة "البوستة الأوروبية".


وفي عام 1278 هـ الموافق 1862م قامت الحكومة المصرية بإلغاء جميع المكاتب البريدية الأجنبية المتواجدة في القاهرة والإسكندرية وبورسعيد بصفة نهائية، ومنحت شركة "البوستة الأوربية" امتيازاً لمدة عشر سنوات يخولها الحق في نقل إرساليات البريد مجاناً على خطوط السكك الحديدية التي أنشئت في ذلك الوقت، وذلك مقابل تعهد الشركة بنقل الإرساليات الحكومية مجاناً، وكانت تلك الشركة ترسل البريد إلى الهند والشرق الأقصى مرة كل شهر تقريباَ.


إلا أنه في عام 1281 هـ الموافق 1865م شعر "الخديو إسماعيل" بأهمية تلك الشركة، والذي كان يسعي لهيمنة حكومته على جميع المشروعات الهامة التي تتصل بالمدنية والعمران، فقام بشراء الشركة بجميع فروعها المنتشرة بالقطر المصري وقام بتعين "موتسي بك" كأول مدير عام لمصلحة البريد المصري تكريماً واعترافاً بخدماته الجليلة في تطوير البريد في مصر.


البريد المصري يشارك في تأسيس الاتحاد العالمي

لأهمية موقع مصر الجغرافي باعتبارها حلقة وصل بين الشرق والغرب، شاركت الحكومة المصرية مع بعض البلدان الأوروبية الناهضة في عقد أول مؤتمر دولي للبريد بمدينة برن السويسرية عام 1290هـ الموافق 1874م ، حيث اختتم أعماله بتوقيع أول اتفاقية جماعية لتنظيم الخدمة البريدية الدولية وتأسيس الاتحاد البريدي العالمي، الذي أرسي مبدأ هاماً في ضمان حرية عبور الإرساليات البريدية بين البلدان باعتبار أنهم يمثلون منطقة بريدية واحدة.


وفي عام 1296هـ الموافق 1879م قامت الحكومة المصرية بإنشاء "مصلحة وابورات البوستة الخديوية" وأسندت مهمة تنظيم هذه المصلحة إلى "مسيو كليار" حيث هيمنت هذه المصلحة على إدارة الأسطول التجاري بين الإسكندرية والآستانة، وقامت بإدارة كافة المكاتب البريدية المنتشرة في جدة وأزمير وبيروت وسالونيك وطرابلس من أجل الحفاظ على الخدمة البريدية بالدولة التركية.



إلا أنه في عام 1315هـ الموافق 1898م تم بيع هذا الأسطول بجميع ملحقاته من أراضي وأحواض ومكاتب لشركة "آلن والدرسون" نظير مبلغ 150 ألف جنية، واتفقت الحكومة مع الشركة على أن تنقل البريد المصري بواسطة بواخرها نظير أجر سنوي قدره ستة آلاف جنية لمدة خمسة عشر عاماً اعتباراً من نهاية عام 1332هـ الموافق 1914م ولم تجدد الحكومة هذا العقد بانتهاء مدته في عام 1348هـ الموافق 1930م، حيث قامت بالاتفاق مع عدة شركات بواخر عالمية أخرى، وشرعت في استخدام وسائل أكثر تطوراً في نقل الإرساليات البريدية.


البريد الدولي المصري ينقل بالطائرات

وأخذاً بسنة الترقي، ورغبة في تمكين الجمهور من الانتفاع بكل وسيلة جديدة من وسائل النقل السريع، فقررت مصلحة البريد القيام باستخدام الطائرات في نقل الإرساليات البريدية فاتفقت مع فرقة الطيران الملكية البريطانية التي قامت بنقل أول إرسالية بريدية عادية على متن رحلاتها من القاهرة إلى بغداد في ذي الحجة 1339هـ الموافق أغسطس 1921م.

وكان البريد الجوي يسافر من مطار هليوبوليس مرة كل أسبوع ، وكان الرسم الإضافي لكل رسالة بريدية 25 مليماً .. وفي عام 1344هـ الموافق 1926م حلت شركة الطرق الجوية الإمبراطورية محل فرقة الطيران الملكية وجعلت السفريات أسبوعية، ومد الخط الجوي إلى البصرة ثم إلى كراتشي.


وفي عام 1347هـ الموافق 1929م أنشئ أول خط جوي بين القطر المصري ولندن، فكانت الطائرات تبرح مدينة الإسكندرية أسبوعياً إلى جنوه ومنها ينقل البريد الدولي إلى بال بالسكة الحديد، ثم بالطائرات مرة أخري إلى لندن، فيصل في اليوم الخامس لتصديره ॥ ثم ما لبث أن تعددت خطوط البريد الجوي بعد ذلك بالتدريج فاستخدم الخط الجوي بين الإسكندرية ولندن عن طريق وسط أوروبا لنقل جميع المراسلات، وأعقب ذلك خطاً جوياً بين القاهرة وكل من أثينا وأمستردام.



وفي عام 1350هـ الموافق 1932م تأسست شركة مصر للطيران وتعددت رحلاتها الجوية للعديد من البلدان العربية والأجنبية، فزاد الاعتماد عليها في نقل الإرساليات البريدية خاصة بعد الحرب العالمية الثانية وانضواء معظم شركات الطيران تحت مظلة الاتحاد الدولي للنقل الجوي وتنسيقه المستمر مع الاتحاد البريدي العالمي في إعطاء الأولوية المطلقة في نقل الإرساليات البريدية عبر رحلات تلك الشركات.



وتدريجياً حلت شركات الطيران محل كافة وسائل نقل البريد الدولي التقليدية، باعتباره الأسرع والأكثر أماناً، مما حذا بإدارة البريد المصري كذلك بالاعتماد عليه بشكل رئيسي خلال الخمسون عاماً الماضية في تصدير الإرساليات البريدية لأكثر من مائة وعشرين بلداً سواء بالطريق الجوي المباشر أو الغير مباشر عبر مطارات وسيطة ، ويتم ذلك من خلال القيام بإعداد أجندة لرحلات الطيران الجوية مرتين سنوياً خلال موسمي الصيف والشتاء من واقع جداول رحلات شركات الطيران الناقلة وجداول رحلات الاتحاد الدولي للنقل الجوي OAG، وذلك لتنظيم تصدير الإرساليات البريدية بطريقة يومية وفق نظام محكم يتسم بالدقة مع مواعيد إقلاع الطائرات من مطار القاهرة، ومطابقة القواعد والمعايير الدولية التي حددها الاتحاد البريدي العالمي، كما تقوم إدارة البريد المصري بإعادة ترحيل عشرات الإرساليات التي ترد إليها بالمرور عبر مطار القاهرة، وذلك تحقيقاً لشمولية الشبكة البريدية الدولية.

.
وللحديث بقية أن شاء الله ...
ashraf_mojahed63@yahoo.com

هناك تعليق واحد:

أحمد غربية يقول...

أراك مطلعا في تاريخ البريد المصري. لماذا لا تكتب مقالات عنه في ويكيبيديا العربية؟ فهي المكان أفضل من المدونات لنشر هذه المعرفة.