السبت، 19 أبريل 2008

الابستمولوجيا البريدية ..


قد يتوقف القارئ أمام العنوان مراراً... ويتسأل، ماهي الابستمولوجيا؟.. وماعلاقتها بالبريد؟ !! ...
.
الابستمولوجيا أو نظرية المعرفة، هي إحدي إركان علم الفلسفة، ويراد بها البحث في إمكان العلم بما هو موجود أو العجز عن معرفته ... وتطرح سؤالا هاماً، هل في وسع الإنسان وقدرته أن يدرك الحقائق ويطمئن إلى صدق إداركه وصحة معلوماته؟.. ثم ما هي طبيعة هذه المعرفة وحقيقتها وما منابعها وأدواتها ؟ ..
.
أما البريد فقد عرفه الإنسان منذ أدرك حاجاته الإنسانية للتواصل مع بني جنسه، ولعل الوثيقة التي يرجع تاريخها إلى عهد الأسرة الثانية عشرة (حوالي 2000 سنة قبل الميلاد) وهي وصية كاتب لولده يحدثه فيها عن بؤس أصحاب بعض المهن ومنها ساعي البريد فيقول ضمن وصيته "أما ساعي البريد فأنه يحمل أثقالاً فادحة، ويكتب وصيته قبل أن ينطلق في مهمته، توقعاً لما قد يصيبه من الوحوش والأسيويين" .. إذا المهمة صعبة وشاقة، وأقترنت دائماً بالمخاطر والأهوال، واحتياجها الدائم والمستمر لمزيد من المعرفة وتطوير وسائلها وأدواتها.
.
وعلى مر العصور كان رجل البريد ركناً من أركان الدولة وعماداً من أعمدة حضارتها، حيث يعتبر انتظامه مقياساً لمدنية الشعوب ورقيها، لدرجة أن الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور أعتبر في أحد كلماته أن صاحب البريد من أركان الملك الأربعة الذين لا يصلح الملك إلا بهم، وهم القاضي (وزارة العدل) وصاحب الخراج (وزارة المالية) وصاحب الشرطة (وزارة الداخلية) وصاحب البريد (وزارة الاتصالات).
.
فالبريد قد يصعب إدراك مدي أهميته ودرجة حاجة الإنسان إليه، فقد أصبح راسخاً بالأذهان رسوخاً عميقاً بتكرار حركة التبادل البريدي بطريقة عفوية بين الناس، حتى أصبح مثل الأكسجين في الهواء، لا يدرك حقيقة أهميته وضروريته إلا عندما نفقده ... فالعملية البريدية بكل دقتها وتعقيدها أختزلت بصورة ظاهرية في طابع البريد و شباك البريد، وفي هيئة ساعي البريد بصورته التقليدية حاملاً حقيبته البريدية، دون الخوض في معرفة مراحلها ودقتها، لدرجة يصعب على الإنسان العادي إدراك مفاهيمها أو معرفة مكوناتها وتعقيداتها ...
.
وإهمالاً متعمداً أو غير متعمد .. وبظهور وسائل الاتصالات الأكثر سرعة، واقتطاع أجزاء هامة من أعمال البريد التقليدية، وبالاستهانة بدوره وبرجاله في بعض الأحيان ثقافياً ومعرفياً، أدي لما عليه البريد الآن من تهميش وإنكاراً لحقيقة أهمية البريد وصموده كل هذه السنوات ضد هجمات شرسة وعاتية لتقليص دوره وتهميش مهام رجاله، خاصة بالمجتمعات العربية والبلدان النامية ... ساهم في ذلك إيضاً إنكفاء رجل البريد على إداء عمله دون المطالبة بالحد الأدني من حقوقه المالية والمعنوية، وانعزاله عن التأهيل والمعرفة لسنوات طويلة.
.
والآن .. نحن في حاجة إلى ابستمولوجيا بريدية، معرفة وثقافة بريدية تعيد للإذهان أهمية البريد وارتباطه بحضارة الأمم وتاريخها وتقدمها، تبعث الروح في هذا الجندي المقاتل العنيد الذي صمد طويلاً في ميدانه مشاركاً في الأنشطة المعرفية والثقافية، وخادماً للأنشطة التجارية والاقتصادية، مواكباً ومكملاً لوسائل الاتصالات الحديثة ...
.
وللحديث بقية ...

ليست هناك تعليقات: