الجمعة، 18 أبريل 2008

الحمام الزاجل رسول الحرب والسلام ..


على ما يبدو كما ذكر في التوراة، أن أول رسالة غير مكتوبة عرفها التاريخ كانت الرسالة التي أرسلها نبي الله نوح عليه السلام، من فلكه الذي بحر في الطوفان، باحثاً عن الأرض التي يستطيع أن يرسو عليها بسفينته، فقام الحمام بتلك المهمة خير قيام وعاد وفي فمه غصن الزيتون، ومن هذا أصبح الحمام الزاجل وغصن الزيتون رمزاً للسلام ..
.
وقيل أن الرومان أول من استخدموا الحمام الزاجل في نقل الرسائل لأول مرة في الأغراض الحربية عام 24 قبل الميلاد، عندما حاصرت جيوش القائد الروماني "مارك انطونيو" قوات القائد "بروتس" في مدينة فودليا ، إلا أن القائد المحاصر استطاع من خلال رسائله بالحمام الزاجل أن يكون على اتصال دائم لإطلاعه قائده أكتافيوس الثالث بصموده في وجه الحصار .
.
أما العرب فلهم تاريخ طويل وحافل مع الحمام الزاجل، فهم من أوائل الأمم التي عرفت أهميته وتربيته وأهتمت بانسابه ووضعت الكتب والدراسات في طبائعه وإنسابه وأمراضه وطرق علاجه .. وكان البريد الذي أسسوه يعتمد على الخيل والجمال والبغال وتبادل الاشارات بالنيران والدخان والطبول والمرايا في إرسال الأخبار والمعلومات العسكرية من والى مركز الخلافة ، ومع اتساع رقعة الخلافة الاسلامية وزيادة الحروب والفتوحات، أصبح لابد من وسيلة أكثر كفاءة وسرعة لضمان أقصى فاعلية ، لذلك ادخل الخلفاء العباسيون استخدام الحمام الزاجل في البريد لما يمتاز به من سرعة فائقة وسهولة في إعادة نقله إلى الأماكن التي ستطلقه مرة اخرى .
.
ويروى أن أول خبر هام نقله الحمام الزاجل كان للخليفة العباسي المعتصم بالله علم بانتصار جيشه على" بابك الخرمي" وأسره عن طريق الحمام الزاجل الذي أطلقه قائد الجيش من جهة المعركة إلى دار الخلافة في سامراء.. وقد وصل ثمن الطائر منه في ذلك الوقت إلى 700 دينار وبيعت حمامة منه في خليج القسطنطينية بألف دينار.. لكن الفاطميين تجاوزوا العباسيين باهتمامهم بهذا النوع من الحمام بابتكارهم الوسائل للتغلب على امكانية وقوعه بأيدي العدو باستحداث رسائل مرموزة "مشفرة" لا يستطيع العدو التوصل لمعناها ... وفي أثناء الحروب الصليبية استخدم الإيوبيون الحمام الزاجل للاتصال بالمسلمين المحاصرين بمدينة عكا عام 1190، وعنهم أخذه الصليبيون ونقلوه إلى أوروبا حيث استخدم في نقل المعلومات العسكرية ...
.
وفي عصر الدولة النورية عمم السلطان نور الدين محمود زنكي استخدام الحمام الزاجل في إرجاء مملكته بمصر والشام وزاد الاهتمام به في عصر الدولة الإيوبية واستخدمه السلطان الظاهر بيبرس وأعتمد عليه في ربط جميع أجزاء دولته بشبكة محكمة من الاتصالات الجوية، وكان التراسل يتم باسلوب خاص فالأخبار تكتب على بطاقة ورقية رقيقة جدا تعرف باسم ورق الطير، وكانت الرسائل تعطر إذا كانت تتضمن إنباء سارة ، أما الرسائل التي كانت تحتوي إنباء سيئة فكان الحمام الذي كان ينقلها يسود ريشه بالسخام ، وكانت هذه الرسائل تكتب بخط دقيق عرف بالغبار وبإيجاز واختصار شديد جداً أشبة ما تكون بالبرقيات في الوقت الحاضر وتؤرخ بالساعة واليوم فقط ، وكانت الرسالة صغيرة جداً تثبت عادة بخيط رفيع تحت جناح الطائر، وذلك لقوة جناح الطائر من جهة وخوفاً من أن تتعرض الرسالة للمطر .. وكانت العادة أن يسرح طائران في الرسالة الواحدة ، بحيث يطير الثاني بعد الأول بساعتين ضماناً لوصول الرسالة ..
.
ولعل عبارات مثل "طير برقية" و "على الطائر الميمون" و "على جناح السرعة" هي مما وصلنا من عبارات ترجع إلى أهمية هذا الطائر ، كما أن المكتبة العربية تذخر بعشرات الكتب والمخطوطات وإشارات لمصنفين بكتبهم كالجاحظ وابن النديم والقلقشندي والمقريزي وغيرهم ، تظهر الاهتمام بالحمام الزاجل واستخدامه في نقل الأنباء والأخبار على وجه السرعة بالبلاد الإسلامية خلال القرون الوسطي وهو أشبه ما يكون بدور البريد الجوي في وقتنا هذا ...
.
ويبدو أن استعمال الحمام الزاجل لم ينقطع يوماً ، حيث تؤكد الوثائق التاريخية أنه أثناء الحرب الفرنسية عام 1871، وحصار العاصمة باريس لمدة أشهر ، لم يكن بوسع الفرنسيين إلا أن يعتمدوا على الحمام الزاجل في إرسال نحو 150 الف رسالة ... وفي عام 1878 أنشأ الجيش الأمريكي سلاح الإشارة الزاجلي أسوة بنفس السلاح في الجيش الألماني، ووصل عدد الجنود الذين خدموا في هذا السلاح نحو ثلاثة الآف جندي وصف ، وما يقرب من 50 ضابطاً برتب مختلفة ... كما ثبت من الإحصاءات التي أجريت خلال الحرب العالمية الثانية أن استخدام الحمام الزاجل نجح بنسبة 99% في نقل الرسائل رغم شدة نيران الحرب ومخاطر الطيران ..
.
وحديثاً استخدمته القوات الأمريكية في حرب تحرير الكويت، وفي غزو العراق حيث استغرب كثير من الناس وصول أعداد كبيرة من هذه الطيور الرائعة إلي الكويت قبل شهر من بدء الحرب، إلا أن ملابسات استخدامه أوضحه العقيد دان واللاس المسئول عن أجهزة استشعار الغازات والبيولوجيات والأشعة النووية بالبحرية الأمريكية والملقب بالجيش الأمريكي "أبو الحمام" بأن سلاح الحمام قد يثير الضحك لمن يجهلونه ، إلا أنه سلاح جدي وفعال فهو أكثر حساسية من الإنسان وما أخترعه من أجهزة استشعار، واصفاً الحمام بأنه كتلة من لحم ودم وأعصاب قادرة على استشعار متقدم أكثر من أي تكنولوجيا نحملها معنا لكشف ما قد يطلق من غازات سامة أو اسلحة بيولوجية وكيمائية ..
.
ونظراً لما أثير حول الحمام الزاجل في الحروب فقد عرضت وكالة المخابرات الأمريكية في ديسمبر 2003 بمتحف خاص لأقدم مبتكراتها التكنولوجية السرية بمناسبة الذكري الأربعين لتأسيس دائرة العلوم والتكنولوجيا التابعة للوكالة أحدث كاميرات صغيرة لا تزن أكثر من وزن قطعتين من النقود المعدنية، استخدمت بحرب فيتنام بشدها على بطون الحمام الزاجل .. ولا تسمح الوكالة بزيارة هذا المتحف إلا لمنتسبيها وبعض الزائرين حيث مازال يكتنف الغموض تلك المبتكرات، إذ لا يعرف المهمات التي أداها الحمام الزاجل خلال تلك الفترة لأنها لا تزال "معلومات مصنفة" أي سرية .. كما أظهرت بعض ملفات المخابرات البريطانية أن بريطانيا درست إمكانية تدريب واستخدام الحمام الزاجل لنقل أسلحة بيولوجية بعد الحرب العالمية الثانية ، بعد نجاحه في نقل آلاف الرسائل أثناء الحرب العالمية الثانية ، حيث استخدمت بريطانيا قرابة نحو 250 ألف حمامة لنقل رسائلها أثناء الحرب ...
.
كما أن السلطات الأمنية المصرية كشفت في يناير 2004 عن إلقاء القبض على تنظيم أصولي باسم "جند الله" ضم نحو 43 عضواً يتزعمهم مهندس كمبيوتر بتهمة التخطيط لعمليات ضد سفارتي الولايات المتحدة وإسرائيل في القاهرة وبعض المنشآت الحيوية الأخري لتفجيرها عبر إسقاط متفجرات بواسطة الحمام الزاجل ... حيث قامو بالتدريب على ذلك بصحراء بلبيس بمحافظة الشرقية، وتم كشف النقاب عن مركبات كيمائية شديدة الإنفجار كانت معدة لذلك .
.
ومازل العلماء يستغرقون في البحث عن تفسير علمي لقدرة تلك الطيور، فقد إفادت دراسة حديثة من بعض الباحثين بجامعة فرانكفورت الألمانية على فهم ظاهرة الملاحة عند الحمام الزاجل الذي لا يضل السبيل ولا يخطئ الهدف إلا إذا تعرض لكارثة غالبا، وقد كان المعروف منذ زمن بعيد أن الطيور ومن ضمنها الحمام الزاجل يهتدي السبيل بفضل ما يعرف بالبوصلة الكيميائية التي تعتمد على قوة الملاحظة وعلى الذاكرة الجغرافية عند هذه الطيور، إلا أن الباحثين الألمان وجدوا عند الحمام الزاجل وفي الخلايا العصبية عند مقدمة المنقار جزيئات مغناطيسية نانومترية من صنفين مختلفين من الحديد الممغنط تضمن له وسيلة أخرى للملاحة الجوية بالاعتماد على المجال المغناطيسي الأرضي . ويقول الباحثون الألمان إن بعض الطيور ومن ضمنها الحمام الزاجل يحوي في جمجمة الرأس نظاما لضبط موقعه بالمقارنة مع موقع معين على الخريطة الجغرافية يشبه نظام الأقمار الصناعية المصممة لهذا الهدف. وقد وجد الباحثون الألمان أن حساسية هذا النظام في رأس الحمام تجاه أية تقلبات في شدة المجال المغناطيسي الأرضي مهما كانت ضعيفة لا تذكر هي حساسية دقيقة تساعده على المقارنة بين شدة المجال المغناطيسي في أرض غربته وشدته في موطنه الأصلي وعلى التوجه هكذا إلى أرضه في اللحظة المطلوبة ... كما أن علماء بريطانيون بجامعة أكسفورد أثبتوا أن الحمام الزاجل يستفيد من المعالم الحضارية التي وضعها الإنسان مثل الطرق السريعة والإستدارات والسكك الحديدية وإشارات المرور وبتوظيف مزيجاً من تلك السبل للوصول إلى هدفه والرجوع لى موطنه ...
.
ولا يزال الحمام الزاجل موضع اهتمام علماء الأرصاد والجيولوجيا للاستفادة من قدرته على توفير النفقات التي تتطلبها الأجهزة الجيولوجية مثل الأقمار الصناعية والطائرات وأجهزة الكشف بالأشعة تحت الحمراء حيث تستطيع حمامة واحدة بجهازها الملاحي الفريد أن ترشد بحاستها التي لا تخطئ إلى كثير مما نبحث عنه وتوفر الكثير من النفقات ، كما أنه محل أهتمام بالغ للعديد من الهواه، وجمعيات واتحادات تنظم له السباقات وتهتم بشئون ، وتعتبر بلجيكا أشهر البلدان على مستوي العالم في تنظيم سباقات الحمام الزاجل، ويجد بها مقر الاتحاد الدولي للحمام الزاجل .
.
والحمام الزاجل وهو سيد الحمام بلا منازع لما لديه من غريزة حب لموطنه والعودة إليه مهما بعدت المسافات الشاسعة التي يقطعها، وكذلك رمزيته للحب وتواعد العشاق ، وما يقدمه لخدمات جليلة أثناء الحروب ، إلا أن هواة الحمام الزاجل ومحبيه يشيرون بأصابع الاتهام لما يحدق بهذه الطيور الرائعة سواء من سواري الاتصالات المستعملة للهواتف النقالة وما يصدر منها من موجات كهرومغاطيسية تفقد صواب تلك الطيور وتضطرها لتغيير مساراتها التي اعتادت عليها ، أو ما يشاع من انتشار مرض انفلونزا الطيور .. الأمر الذي يدعو للسخرية بأن يصبح هذا الطائر الرائع ضحية لعدو مجهول !!
.
وللحديث بقية أن شاء الله ...

هناك تعليق واحد:

manaro1988 يقول...

معلومات قيمة جدا
خاصةالحمام الزاجل في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام
موضوع رائع أرجو التثبيت
جزاك الله خير