الاثنين، 14 أبريل 2008

مؤتمر البريد العالمي ..

.
يرجع الفضل في قاعدة إنطلاق حركة الإصلاح البريدي الدولي إلى أربعة رجال يعتبرون الرواد في هذا المجال، أولهم رجل الاقتصاد الألماني ج . فون هرفلدت، الذي نشر عامي 1841 ، 1842 دراسات بين فيها أهمية وجود إتصال بريدي يومي بين المدن الكبري وبأقصر الطرق وأسرعها، ومقابل تعريفات مبسطة وموحدة ودون تقاضي رسم للمرور، وأقترح إنشاء جهاز فيما بين الحكومات تجتمع بصفة منتظمة لمعالجة المشاكل المالية والتنظيمية للبريد الدولي ... أما الثاني فهو مانويل دي إيساسي، حيث يعتبر المحرك الأساسي في إنشاء "الجمعية البريدية الدولية والاستعمارية" في لندن عام 1851 ، وكان هدفه إقامة تعريفات بريدية بسيطة وموحدة وزهيدة الثمن على نطاق عالمي ... أما الثالث فقد كان المدير العام للبريد الأمريكي مونتجوميري بلير، ويرجع الفضل إلى حد كبير إلى جهوده في انعقاد المؤتمر البريدي الدولي في باريس عام 1863، حيث تم اتفاق البلاد الخمسة عشر المجتمعة على بعض المسائل الأساسية مثل توحيد الأوزان وتوحيد رسوم التخليص وتسهيل طرق المحاسبة، إلا أن هذا الاتفاق لم يكن ملزماً للحكومات ... وآخر المصلحين الدوليين الأربعة وأعظمهم هو مدير البريد في إلمانيا الشمالية هنريش فون ستيفان، الذي مكنته موهبته الدبلوماسية واللغوية من أن يدخل تحسينات في العلاقات البريدية الدولية مع العديد من البلدان، حيث استطاع بجدارة عام 1869 أن يقنع الحكومة الألمانية أن تتولي المبادرة بالدعوة إلى مؤتمر دولي للبريد ، ثم كفت عن هذه الدعوة بسبب الحرب بين ألمانيا وفرنسا، ولما وضعت الحرب أوزارها ، تقرر انعقاد المؤتمر بمدينة برن السويسرية في 15 سبتمبر 1874 وحضره ممثلي البلدان التي يرجع لها فضل تأسيس اتحاد البريد من ضمنها مصر التي قدرت أهمية هذا الاتحاد وساهمت في بنائه .

المؤتمر الأول للاتحاد البريدي العالمي / برن 1874
.
استرشد منظمو المؤتمر الأول إلى حد كبير بالتخطيط الذي وضعه الاتحاد البرقي الدولي الذي عقد اجتماعاته في فيينا عام 1868 وفي برن عام 1872، وتولي رئاسة المؤتمر الأول رئيس البريد السويسري السيد/ أوجين بوريل ، حيث عكف جميع المعنيين على دراسة المشروع الذي أعده فون ستيفان بعناية فائقة، حيث توصل المشاركون بعد أربعة عشر جلسة إلى الاتفاق على توقيع معاهدة بريدية بتاريخ 9 أكتوبر1874، وهو التاريخ الذي يحتفل فيه حالياً كل سنة بيوم الاتحاد البريدي العالمي، وكانت هذه المعاهدة مكونة من عشرين مادة أساسية، ومجموعة من النصوص التنظيمية مكونة من ثلاثين مادة، تمس الأوجة العملية للنشاط البريدي الدولي وسير العمل بالمكتب الدائم للاتحاد... كما أنشأت المعاهدة نظاماً للتحكيم في الخلافات بين البلدان الأعضاء، ووضعت أساساً موحداً لطريقة حساب أجور العبور، ووحدت التعريفة البريدية لبعائث بريد الرسائل، وأيضاً تبنت فكرة المندوب البلجيكي السير فنشان في إقامة أمانة مركزية (المكتب الدولي) تحت إشراف السلطات السويسرية بوصفه بلد محايد، ليكون جهاز اتصال وإعلام واستشارة للبلدان الأعضاء، ويتخذ كذلك كافة الترتيبات لكي تتمكن البلدان الأعضاء من الاجتماع بصفة دورية في مؤتمرات تعقد لكي تراجع وثائق الاتحاد وتعالج المشاكل المشتركة، وتم اختيار السيد/ أوجين بوريل، كأول مدير عام للمكتب الدولي ... وتجدر الإشارة كذلك إلي أن اول مدير للمكتب الدولي من غير المواطنين السويسرين كان المرحوم ميشيل الراعي، وهو مصري الجنسية، الذي اختير مديرا عاماً للمكتب الدولي عام 1967، ويشغل المنصب حالياً السيد / إدوارد ديان منذ انتخابه بمؤتمر بوخارست 2004.

نحو العالمية / الاتحاد البريدي العالمي بين 1874 إلى 1939
.
لقد صمد الاتحاد خلال الخمس والستين سنة الأولي من حياته للعديد من الصعوبات ومنها الحرب العالمية الأولي ، ومع ذلك ظل نشاطه وتنظيمه الأساسي باقيان دون أي تعديل يذكر .... ورغم أن موضوع معاهدة برن أنصب على بريد الرسائل وما تعنيه من رسائل وبطاقات بريدية وكتب وجرائد ومجلات وغيرها من المطبوعات، إلا أنه ظهر في الأفق الحاجة لخدمات بريدية جديدة آخذه في النمو لتلبية حاجات التجارة المطردة الاتساع ....
حيث أدخل مؤتمر باريس 1878 نظام الرسائل المسجلة والرسائل المؤمن عليها بالقيمة المصرح بها، وكذلك تم الموافقة على نظام الحوالات الدولية الذي يسمح بأقل قدر من الإجراءات بإرسال النقود إلى جميع أنحاء العالم ... كما وافق مؤتمر لشبونة 1885 على تمرير لوازم قراءة برايل للمكفوفين عبر البريد الدولي بأقل تعرفة تطبق على المطبوعات ... وأدخل مؤتمر فيينا 1891 نظاماً للاشتراك البريدي للصحف والدوريات الصادرة بالبلاد الأخري الأعضاء بالاتحاد ... ومكن مؤتمر روما 1906 من تطبيق نظام العبور الحر بواسطة البريد الدولي لبعض فئات البريد الخاص بأسري الحرب ...كما حل مؤتمر مدريد 1920 مشكلة دفع رسوم العبور باختياره الفرنك الذهب كعملة موحدة لتسوية الحسابات...
وبالرغم من فاعلية وكفاءة تلك المؤتمرات والمؤتمرات التي تلتها ، استكولهم 1924، لندن 1929، القاهرة 1934 ، بوينس إيرس 1939 ، إلا أنها لم تستطع من الناحية العملية إحداث تغيرات جذرية على المنظومة الأساسية للمعاهدة الموقعة في برن ... وظل المكتب الدولي هو حلقة الوصل والمهيمن على أعمال البريد الدولي ، خاصة أثناء الحرب العالمية الثانية، فقد كان المؤتمرون باعتبارهم مندوبين مفوضين من قبل حكوماتهم يعتقدون أنه من الأمور الهامة أن يسمعوا صوت بلادهم، وبذلت محاولات عديدة لتحديد مدي التدخلات، إلا إن النزاعات والحروب أفضت لمزيد من الفوضي ...

عصر نهضة البريد الدولي بين 1947 إلى 1974
.
يسرد هذا الجزء من التاريخ مؤتمرات البريد بعد الحرب العالمية الثانية وحتى عام الاحتفال بعيده المئوي.. حيث استطاعت تلك المؤتمرات المتعاقبة أن تتكيف مع بعض المهام الجديدة التي ظهرت في عالم اختصرت فيه المسافات بفعل سرعة المواصلات، وأتسمت بظاهرتين متباينتين هما : الازدهار الاقتصادي والتكنولوجي بالبلدان الأوروبية ، وانبثاق العشرات من البلدان الجديدة المتحررة من الاستعمار والآخذه في النموخلال عقدي الستينات والسبعينات من هذا القرن .
وعلى الرغم من أن الحرب العالمية الثانية خلفت آثار أكثر تخريباً بالنسبة للبريد الدولي ومست بصفة مباشرة أقاليم أوسع من الكرة الأرضية، خاصة بين البلدان المتحاربة بسبب انقطاع المواصلات بينها، وعدم استطاعة أعضاء الاتحاد عقد أياً من مؤتمراته إلا بعد انتهاء هذه الحرب ... وكان الشئ الوحيد المعبر عن السعادة والتفاؤل خلال تلك الفترة هي استمرارية بقاء المكتب الدولي يتابع أعماله بصعوبة بالغة ، لأسباب ترجع معظمها إلى كون جميع موظفيه كانوا من المواطنين السويسريين واستقرارهم في برن وهي عاصمة دولة محايدة ..
وبإنعقاد المؤتمر الثاني عشر في باريس 1947 دب النشاط والحيوية من جديد بالاتحاد ، فقد لفت الانتباه الزيادة الملحوظة في عدد الوفود والدبلوماسيين (79 بلداً مثلها 291 مندوباً وخبيراً) حيث تم الموافقة على قاعدة الإلتزام بموافقة ثلثي أعضاء الاتحاد على قبول الأعضاء الجدد ، حيث كان ذلك شرطاً واجباً استيفائه لكي يصير الاتحاد وكالة متخصصة من وكالات منظمة الأمم المتحدة أعتباراً من 4 يوليو 1947 .. كما تم إنشاء جهاز جديد دائم بالاتحاد هو لجنة التنفيذ والاتصال التي صارت بعد ذلك المجلس التنفيذي، ويجتمع هذا الجهاز الدائم مرة كل سنة ويقوم بتنسيق نشاط الاتحاد ويشرف على أعماله ويكفل سير تلك الأعمال خلال الفترات فيما بين المؤتمرات ..
وأخذ المؤتمر الثالث عشر الذي انعقد في بروكسل 1952، والمؤتمر الرابع عشر الذي انعقد في أتاوا 1975، على عاتقهما جزءاً كبيراً من أعمال المراجعة للعديد من النواحي الفنية والإدارية التي لم يستطع مؤتمر باريس أن يقوم بها ، بسبب ضيق الوقت ، خاصة فيما يتعلق بنمو البريد الجوي، وتبسيط الأحكام المتعلقة بالحركة الملاحية الجوية، وإدخال بعض التحسينات الإدارية الخاصة بأعمال الاتحاد كإدخال الترجمة الفورية باللغات الانجليزية والروسية والإسبانية بجانب اللغة الفرنسية ... أما مؤتمر فيينا 1964، فقد تمت فيه الموافقة بعد دراسات تراكمية للمستندات الأصلية الموقعة في برن 1874 وما استحدث عليها ، على مشروع يهدف إلى تقسيم الاتفاقية والقواعد التفصيلية إلى أربعة وثائق رئيسية هي : الدستور ، والنظام العام ، والاتفاقية ، ونظامها التنفيذي ، وجميعها ذات قوة ملزمة بالنسبة لجميع البلدان الأعضاء بالاتحاد ... كما أن مؤتمر طوكيو 1969، فاستحدث مبدأ هاماً باشتراط أن تعوض كل إدارة تتلقي من إدارة بريدية أخري بعائث بريد واردة زيادة عن البريد الصادر عن نفقاتها في عمليات الفرز والتوزيع داخل بلدها ... وأخذت مؤتمرات كل من لوزان 1974، وريو دي جانيرو1979 ، وهامبورج 1984، على عاتقها القيام بالمزيد من الدراسات والتوصيات وإيجاد حلول لمشاكل جمة عالقة فيما بين البلدان، وخاصة فيما يتعلق بالاتصال بالمنظمات الدولية المتخصصة الأخري، كمنظمة الطيران المدني، والصليب الأحمر ، ولجنة مكافحة المخدرات، ولجنة مجلس التعاون الجمركي ....

البدء من جديد ... واشنطن 1989 وما بعدها
.
لم يكن مؤتمر واشنطن مؤتمراً عادياً كالمؤتمرات السابقة ، بل كان فاصلاً في تحديد الوجهة الجديدة التي سوف يسلكها الاتحاد البريدي العالمي كمنظمة متخصصة تابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة .. فلم يكن في وسع الولايات المتحدة الأمريكية والبلدان الصناعية في ظل تراجع الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية الموالية له ، أن تظل تساير البلدان النامية بالكلمات والآمال والوعود بأن البلدان الأعضاء بالاتحاد يكونون أقليماً بريدياً واحداً ... بل ظهر في الأفق المسار الجديد بالعديد من الدراسات والأحكام التي مهدت الطريق لإقتلاع جذور الخدمات البريدية وتسليمها إلى المستثمرين الخواص .. ونذكر منها : تعديل المادة السابعة من الدستور، بحيث أصبحت وحدة حقوق السحب الخاصة هي العملة الرسمية للاتحاد البريدي العالمي بدلا من الفرنك الذهب ، وذلك استجابة لقرار صندوق النقد الدولي بإلغاء الذهب كعملة اعتباراً من الأول من إبريل 1987، وبذلك أصبح الدولار والعملات الأوربية أساسا للتعامل بين البلدان الأعضاء ... إقرار الحكم C78 ، الذي يدعو حكومات البلدان الأعضاء بأن تخصص بالكامل إيرادات النفقات الختامية في تغطية تكاليف معالجة البريد الوارد من الخارج بهدف تحسين نوعية الخدمة ، والذي مهد لمنظومة النفقات الختامية في مراحلها الانتقالية والمستهدفة .... إدخال تعديلات على شمولية بعائث بريد الرسائل ، حيث إعاد المؤتمر تصنيف بريد الرسائل وفقاً للسرعة (أولوية وبدون أولوية) ووفقاً للمحتوي (رسائل وبطاقات وأشياء أخري وأكياس M ، وذلك بهدف تقليل الاحتكار البريدي للمنظمات الحكومية ... إلغاء الموافقة المسبقة لإدارة البلد الذي تتبعه الخدمات الجوية المستخدمة ، بناء على طلب الاتحاد الدولي للنقل الجوي، وبذلك أصبح من حق الناقلين الجويين تسوية حساباتهم مع الإدارات البريدية مباشرة دون الرجوع للإدارة البريدية التي تتبعها ...
وعلى هدي هذا المؤتمر خطي مؤتمر سيول 1994 ومؤتمر بكين 1999 ، ومؤتمر بوخارست 2004 بتفعيل أحكامه وقراراته لتثبيت مفاهيم الشراكة مع القطاع الخاص، وتفعيل دور المستثمر البريدي، ومواكبة التطور الهائل في وسائل المواصلات والاتصالات، وصبغ الطابع التجاري والاستثماري على النشاط البريدي ... وإعادة الكرة من جديد لتقسيم للبلدان الأعضاء بالاتحاد لمراتب ودرجات ، وبلدان صناعية وأخري نامية ، وتكتلات وأنشطة خفية في عالم كان الأجدر به الحفاظ على معني الرسالة وسمو أهدافها ومعانيها .... وفي انتظار انعقاد المؤتمر الرابع والعشرون نيروبي (جنيف) 2008
وللحديث بقية ...

ليست هناك تعليقات: